قضية نقل وزراعة الأعضاء كانت تثير الجدل دائما فى المجتمع بين مؤيد ومعارض، فى ظل تضارب الآراء الفقهية حولها، بجواز التبرع أو المنع. وأكد مجمع البحوث الإسلامية فى بيان له عام 2009 جواز التبرع بالأعضاء، وكان ذلك بمثابة أول خطوة لصدور قانون نقل وزراعة الأعضاء الذى صدر بالفعل فى عام 2010، ويسمح بنقل وزراعة الأعضاء من خلال التبرع مع تحديد ضوابط صارمة، للمساهمة فى القضاء على عمليات تجارة الأعضاء والمراكز غير المرخصة. لكن رغم ذلك ظل تنفيذ القانون ضعيفا بسبب قلة أعداد المتبرعين، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تحريك المياه الراكدة، ووجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء أكبر مركز إقليمى لزراعة الأعضاء فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا داخل المدينة الطبية الجديدة فى «معهد ناصر»، ما يؤكد توجه الدولة بقوة نحو السعى للتحول إلى مركز إقليمى لعمليات زراعة الأعضاء البشرية. وسيعمل المركز وفق منظومة متكاملة تشمل قاعدة بيانات مميكنة لعمليات الزرع والمرضى والمتبرعين، وسيضم 300 سرير بواقع 52 سرير رعاية فائقة و56 رعاية متوسطة و12 غرفة عمليات و10 ماكينات للغسيل الكلوى، إضافة إلى معمل متكامل و12 عيادة خارجية ومركز تأهيل وكذلك قسم للطوارئ. ويعد طب زراعة الأعضاء من أكثر مجالات الطب صعوبة وتعقيدا، وتتمثل أبرز هذه المخاطر فى مشكلات رفض الجسم للعضو المزروع، ما قد يؤدى إلى فشل عملية زراعته فى الجسم، ومن ثم ضرورة إزالة العضو المزروع من جسد المتلقى على الفور. لكن التقنيات الحديثة سهلت كثيرا من إجراء العمليات الجراحية الخاصة بالنقل والزراعة، وتتزايد أعدادها سنويا فى مختلف دول العالم، ولذلك تسعى مصر إلى أن تكون مركزا إقليميا فى هذا المجال، خاصة أنها تمتلك كوادر طبية متميزة، يأتى إليها المرضى من مختلف دول الوطن العربى. فى هذا الملف نرصد أهمية إنشاء المركز الإقليمى لزراعة الأعضاء، والنتائج المترتبة عليه مع تسهيل الحكومة للإجراءات الخاصة بالتبرع لتشجيع المواطنين على اتخاذ هذا القرار، فضلا عن دور حملات التوعية فى تغيير ثقافة المجتمع حول هذه القضية. حملات التوعية.. ضرورة لإقناع المواطنين بالتبرع بدأت الدولة فى اتخاذ خطوات كثيرة مهمة فى تسهيل إجراءات التبرع بالأعضاء لتشجيع المواطنين على اتخاذ هذه الخطوة، لكن هناك عامل أهم فى هذا الأمر، وهو تغيير ثقافة المجتمع حول قضية التبرع نفسها. ليس من السهل تغيير ثقافة مجتمع عاش لسنوات طويلة فى تضارب كبير للآراء الفقهية ما بين مؤيد ومعارض لها، أن يقبل بسرعة خطوة التبرع بالأعضاء، ولذلك فهناك دور هام جدا لحملات التوعية والتثقيف فى المجتمع سواء من وسائل الإعلام المختلفة أو الجهات الدينية المسئولة مثل الأزهر الشريف أو الكنيسة، من أجل حث المواطنين على التبرع وتغيير معتقداتهم فى هذا الشأن. ومن ضمن الخطوات التى تم اتخاذها مؤخرا، مطالبة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، وزارة الداخلية، باقتراح إضافة خانة أرغب أو لا أرغب فى البطاقة الشخصية عند استخراجها، لتحديد موقف الفرد من الموافقة على التبرع بالأعضاء من عدمه عقب وفاته، حتى تكون الإجراءات سليمة لعملية نقل الأعضاء، وذلك فى إطار جهود الدولة لزيادة الوعى المجتمعى المناهض لفكرة التبرع بالأعضاء من المتوفين حديثا، لإنقاذ حياة المرضى. وأوضحت اللجنة أن هذا التحرك هدفه تسهيل الإجراءات على المواطنين الراغبين فى التبرع بأعضائهم عقب الوفاة، خاصة فى ظل الصعوبات التى يواجهها البعض عند التوجه للشهر العقارى لإثبات موافقته على التبرع عقب وفاته. وخلال السنوات الماضية، ولتشجيع المواطنين على التبرع، أعلن عدد من علماء الدين والفنانين والإعلاميين موافقتهم على تبرعهم بأعضائهم عقب الوفاة، أبرزهم الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الراحل، والشيخ خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والفنانة إلهام شاهين، والإعلامى عمرو أديب وغيرهم. أوصى الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الراحل، بالتبرع بأعضائه بعد الوفاة، ولكن وصيته لم تنفذ بسبب وفاته ودفنه فى المملكة العربية السعودية، كما أبدى الدكتور خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، موافقته قائلا: أعلن تبرعى بجسدى بعد وفاتى. وأعلنت الفنانة إلهام شاهين عن تبرعها بأعضائها السليمة بعد وفاتها، لإحياء أى مريض بحاجة إلى هذه الأعضاء، كما أعلنت الإعلامية منى عبدالغنى، وأنها كانت تبحث عن أية وسيلة تسهل رغبتها فى التبرع بالأعضاء، وتساءلت وقتها عن الشهر العقارى أو الجهات المختصة، مؤكدة أن هذه الوصية تسهل الأمر على من يرغب فى التبرع بأعضائه. وقال الإعلامى عمرو أديب: «لو تسألنى أنا شخصيا معنديش أي مشكلة إنى أتبرع بأعضائى بعد الوفاة»، وكذلك أعلن الإعلامى محمد الغيطى تبرعه بأعضائه قائلا: «أنا بعتبر دى وصية على الهواء، لو مت أنا متبرع بأعضائى السليمة بعد وفاتى معنديش أى مشكلة». فى هذا السياق، قال الدكتور عمرو حلمى، أستاذ جراحة الكبد ووزير الصحة السابق، إن ما ينقص قضية التبرع بالأعضاء فى مصر هو تغيير ثقافة المجتمع بشأنها وإقناع المواطنين بأهميتها الكبرى للأسرة المصرية. وأضاف «حلمى» أنه لابد من إقناع المجتمع بأهمية قضية نقل وزراعة الأعضاء فى إنقاذ حياة الملايين، وقد قمنا بتجربة النقل والزراعة من شخص حى لشخص آخر حى فى البداية حتى نقنع المجتمع بأهمية القضية، لكنها ما زالت تواجه مشكلات وتحديات، يجب حلها من خلال توعية وتثقيف المجتمع عن طريق وسائل الإعلام، والتأكيد أن المساس بالشخص المتوفى ليس حراما شرعا وإنما أمر مباح، وقد أكدت ذلك فتاوى الأزهر الشريف. وأوضح أستاذ جراحة الكبد ووزير الصحة السابق، أن من يرى إلى أن التبرع بالأعضاء حرام سواء من الدين الإسلامى أو المسيحى يعود بنا إلى الوراء سنين طويلة، لأن البابا الراحل الأنبا شنودة أكد موافقة الكنيسة على التبرع، كما وافق شيوخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامى أيضاً، لافتا إلى أن المجتمع لم يشعر بأهمية قضية التبرع بالأعضاء لأن التوعية بها فى مختلف وسائل الإعلام كانت غائبة، ولا يتم الحديث عنها إلا بين الحين والآخر. وأكد «حلمى» أنه إذا اقتنع المجتمع بأهمية القضية سيتم الدفع بها إلى الأمام بسرعة، ولذلك لابد من إطلاق حملات توعوية فى وسائل الإعلام المختلفة تشير إلى القضية، وخاصة بعد إعلان مصر إنشاء أكبر مركز إقليمى لنقل وزراعة الأعضاء فى الشرق الأوسط، تلك الفكرة التى كانت تراود الأطباء منذ زمن طويل ولم تتحقق إلا الآن. وأضاف أنه فى بداية التسعينيات كنا فى معهد الكبد جامعة المنوفية، وكان الكبد يسمى فى الجراحة «لا تلمسنى» بسبب خطورة العمليات الجراحية فيه، لكن بدأنا تدريجيا فى إدخال الأدوات التقنية الخاصة بقطع نسيج الكبد دون إراقة دماء، ومن بعدها تطورت جراحة الكبد بشكل كبير فى مصر. وأشار إلى أن الطب حاليا أصبح قرارا جماعيا من خلال تخصصات مختلفة وليس فرديا، ولابد من الموافقة الجماعية فى اتخاذ القرارات، ولا يوجد مريض كبد يدخل غرفة العمليات إلا بعد أخذ موافقة جماعية من مختلف التخصصات والأطباء. وأكد «حلمى» أهمية المركز الإقليمى لزراعة الأعضاء الذى تم الإعلان عنه، لأنه سيكون بمثابة تجميع لمختلف التخصصات سواء زراعة كبد أو كلى أو قلب أو غيره فى مكان واحد، وهو ما يساهم فى التطوير المستمر، خصوصا أنه سيكون فى صرح علمى كبير هو معهد ناصر الذى يعتبر أنسب مكان لتجميع تخصصات زراعة الأعضاء فى مكان واحد. وأوضح أن قانون زراعة الأعضاء لا ينقصه أى شىء ولا يحتاج إلى تعديل، لكن تطبيق أى قانون يحتاج إلى تمهيد المجتمع لتنفيذه، من خلال تغيير الثقافة المجتمعية حول مسألة وفاة جذع المخ وأنها تعتبر وفاة نهائية لا يعود منها الشخص إلى الحياة مرة أخرى، لأن الكثيرين لديهم ثقافة بأن وفاة جذع المخ لا يعنى الوفاة، ولذلك فإن دور الحملات التوعوية والتثقيفية لها دور مهم جدا فى الفترة المقبلة. علماء دين: جائز شرعاً.. والبيع حرام التضارب فى الآراء الفقهية من الأسباب الرئيسية فى تأخر تطبيق زراعة الأعضاء فى مصر طوال السنوات الماضية. فمن جهة تؤكد آراء فقهية جواز التبرع بالأعضاء وحرية الشخص فى ذلك ولها أدلتها الشرعية، ومن جهة أخرى تظهر آراء فقهية تؤكد عدم جواز التبرع ولها أدلتها أيضاً، وبين هذه وتلك يكون المجتمع فى حيرة من أمره، ويتردد الشخص كثيرًا قبل اتخاذ قرار التبرع بأعضائه. إلا أنه خلال مؤتمر عقده مجمع البحوث الإسلامية فى عام 2009، لبحث الأمور الشرعية والطبية لنقل الأعضاء البشرية، اتفق أعضاء مجمع البحوث الإسلامية من مصر وعدة دول عربية والأطباء المشاركون فى المؤتمر، على جواز نقل الأعضاء من الإنسان الذى يثبت موته موتًا حقيقيًا يقينيًا طبيًا وشرعيًا، وأن يقر ذلك 3 من كبار الأخصائيين بالإجماع، على أن يكون التبرع بدون مقابل مادى ويحقق المنفعة للشخص الذى يستفيد منه. وأكد العلماء والأطباء على جواز أن يوصى الإنسان بموافقته على نقل أعضائه أو بعضها عند وفاته بما ينفع الآخرين، كما أكدوا أنه يجوز التبرع بدون مقابل من المسلم العاقل البالغ لآخر وفق ما يرضاه ويختاره بدون مقابل مادى، كما يجوز التبرع للأقارب وغير الأقارب وفقًا لما تقتضيه المصلحة العامة. ورفض علماء الدين بيع الإنسان لأى جزء من أجزاء جسده، وأكدوا أن ذلك باطل ومحرم شرعًا، بينما يجوز تبرع الحى بجزء من جسده لإنقاذ حياة شخص آخر أو لتحسين صحته، وذلك وفق ما أقره جمهور الفقهاء، الذين أكدوا أن أخذ جزءًا من جسد الحى أو الميت لإنقاذ حياة شخص آخر يجوز مع إقرار الأطباء ذوى الثقة الدينية والعلمية بذلك للتحقق من وفاته ومفارقته الحياة بشكل شرعى. ووضعوا شروطًا للتبرع منها ألا يكون العضو المتبرع به أساسيًا لحياة صاحبه، وألا يكون حاملًا للصفات الوراثية ولا من العورات المغلظة، وألا توجد وسيلة أخرى تغنى عن نقل الأعضاء. وقرروا أن الشخص يعتبر ميتًا بإحدى علامتين، الأولى توقف القلب والتنفس توقفاً تامًا وحكم الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة فيه، والثانية إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلًا نهائيًا وحكم الأطباء أن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه فى التحلل. وللتأكيد على ذلك أوصى الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الراحل، بالتبرع بكل أعضاء جسده بعد وفاته لما ينفع الناس، ويذهب المرض والألم عن أى مسلم، وفق ما يراه الأطباء صالحًا لغيره من المسلمين. وقال الشيخ إبراهيم أمين، أحد علماء الأزهر الشريف، أن مجامع الفقه والفتوى تحدثت كثيرا فى قضية التبرع بالأعضاء، واختلفت الآراء ما بين المؤيد والمعارض. وأضاف «أمين»، أن الأمر مختلف عليه بين المنع والجواز وما بين المنع المطلق خصوصا فى مسائل الجينات الوراثية والأجهزة التناسلية، لأنها ستكون خلطا فى الأرحام والنسب وهذه لا يجوز نقلها من شخص إلى آخر. وأوضح «أمين»، أن من أجاز التبرع بالأعضاء استند إلى الآية الكريمة «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا»، وأن الضرر الأخف يقدم على الضرر الأكبر، لأن الشخص الذى من الممكن أن يموت بسبب مرض الكلى مثلًا وفى إمكاننا إنقاذه فلا مانع فى ذلك من التبرع بشروط الأطباء. أما الرأى الثانى فهو يستند إلى الآية الكريمة ولقد كرمنا بنى آدم، وأن الله استأمن هذا الإنسان على جسده، بدليل أن المنتحر يدخل النار إلا إذا غفر الله له، وأنه لا يجوز للشخص قتل نفسه، وإذا مات لا يجوز تقليم أظافره أو حلاقة شعره أو غير ذلك من الأمور، ولو حدث يتم دفنها معه. وأضاف: نحن أمام مدرستين ولا نريد أن يتغول رأى على الآخر، ونريد أن يعود الأمر فى النهاية إلى حرية اقتناع الشخص بالرأى الذى يريده، ولن يكون هناك إرغام أو إجبار على شىء، لأن من أجاز لديه أدلة ومن منع لديه أدلة، أما الاتفاق بين الفقهاء فكان فى مسألة عدم التبرع بالأعضاء التى تحمل جينات وراثية أو تناسلية، لأن بها خلطًا للأنساب والأرحام، وفيما عدا ذلك هناك اختلاف وللشخص الأخذ بالرأى الذى يقتنع به. أطباء: خطوة ضرورية تأخرت سنوات طويلة أكد أطباء ومتخصصون أن إنشاء مصر أكبر مركز إقليمى لزراعة الأعضاء خطوة عملاقة تخدم صحة المواطن المصرى، وكانت منتظرة منذ سنوات طويلة، مشيرين إلى أن مصر تمتلك كافة الإمكانيات التى تؤهلها لكى تكون مركزًا لهذا المجال الطبى الهام. وأشاروا إلى أنه كان لابد من وجود مركز عالمى فى هذا التوقيت بمصر، كما أن اختيار المكان فى معهد ناصر قرار موفق، لأنه مؤسسة علمية طبية مهمة جدًا وبها كل الإمكانيات المطلوبة. من جهته، أكد الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، أن القيادة السياسية تولى اهتمامًا كبيرًا بملف زراعة الأعضاء، وعلى رأسها زراعة الكبد، وتضع على عاتقها مسئولية تذليل العقبات وتقديم سبل الدعم والأدوات اللازمة لتيسير العمل بملف زراعة الكبد بمصر. وأشار الوزير إلى حرص الدولة على إنشاء وتجهيز أول مركز إقليمى طبى متخصص بمجال زراعة الأعضاء فى مصر والشرق الأوسط بمقاييس عالمية، داخل مستشفى معهد ناصر للبحوث والعلاج، بقوة 300 سرير، ويستهدف المركز التوسع فى تخصصات زراعة (الرئة، القلب، الكلى، الكبد) وغيرها، للعمل على ترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمى بمجال زراعة الأعضاء. وأوضح الوزير، أن ملف زراعة الأعضاء يعتبر مشروعًا قوميًا بالدرجة الأولى، وتعود أهميته إلى الحفاظ على الحالة الصحية للمواطنين، وتحقيق مبدأ المساواة فى الحصول على حياة صحية جيدة بين المواطنين، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة، تسير وفق آلية واستراتيجية محددة بهذا الملف، وفقًا لقانون رقم 5 لسنة 2010 الخاصة بتنظيم بآلية العمل بزراعة الأعضاء. وأشار إلى أنه يتم تحديد واختيار المرضى وفقًا للأولويات والاحتياجات الصحية لكل مريض، من خلال قاعدة البيانات الخاصة بمبادرة رئيس الجمهورية لمنع قوائم الانتظار. وكشف الوزير عن أن مصر نجحت فى زراعة 600 عملية كلى، وأكثر من 300 حالة لزراعة الكبد خلال عام 2021، لافتًا إلى أن أول حالة زراعة كبد بمصر كانت عام 2001، والكلى عام 1978، مؤكدًا أن مصر تمتلك خبرات كبيرة ومهارات فائقة بهذا الملف بما يؤهلها لأن تصبح مركزًا إقليميًا لزراعة الأعضاء بكافة التخصصات. يقام المركز داخل المدينة الطبية العالمية بمعهد ناصر بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة، بهدف إنشاء منظومة متكاملة تشمل قاعدة بيانات مميكنة لعمليات الزرع والمرضى والمتبرعين. وسيضم 300 سرير بواقع 52 سرير رعاية فائقة و56 رعاية متوسطة و12غرفة عمليات و10 ماكينات للغسيل الكلوى، كما سيضم معملًا متكاملًا و12 عيادة خارجية ومركز تأهيل وقسمًا للطوارئ. ويتيح المركز الإقليمى لزراعة الأعضاء العمليات فى مختلف التخصصات كما سيكون هناك سجل قومى للمتبرعين بالأعضاء، ومركز يتم التسجيل به بشكل مميكن من المتلقين وعلى الراغبين التبرع بعد الوفاة أن يسجلوا بالشبكة لزراعة الأعضاء. وقال الدكتور عبدالحميد أباظة، رئيس لجنة صياغة قانون نقل وزراعة الأعضاء، إن إنشاء مصر لأكبر مركز إقليمى لنقل وزراعة الأعضاء فى الشرق الأوسط، خطوة عملاقة كنا نطالب بها منذ سنوات طويلة. وأضاف «أباظة»، أن زراعة الأعضاء فى مصر كانت تتم فى نحو 412 مركزًا داخل الجمهورية ومعظمها كان فى وحدات سكنية أو أماكن فى بير السلم، لكن اللجنة الفنية العليا لزراعة الأعضاء وضعت شروط ومواصفات لمراكز زراعة الأعضاء فى مصر فى قانون نقل وزراعة الأعضاء عام 2010، أدت إلى تقليص هذا العدد إلى 42 مركزًا فقط. وأوضح رئيس لجنة صياغة قانون نقل وزراعة الأعضاء، أنه تم وضع 21 مواصفة وشرط للمراكز من خلال لجنة فنية كانت تجتمع فى نقابة الأطباء ومستشفى عين شمس التخصصى، مشيرًا إلى أن زراعة الأعضاء فى مصر بدأت من خلال الاعتماد على فرق طبية من الأجانب، ثم بعد ذلك بدأ الأطباء المصريون اقتحام المجال وتفوقوا فيه وأصبحوا يمثلون الآن نسبة 100% من الفرق الطبية سواء أطباء أو تمريض. وأضاف: «آن الأوان أن تجتمع هذه المراكز المنتشرة فى مختلف المحافظات فى مكان واحد، ويكون هناك مركز زراعة أعضاء عالمى على أعلى مستوى، وبالذات أن مصر قبلة للطب فى هذا المجال، وستكون فرصة قوية لزيادة السياحة العلاجية لمصر خلال السنوات المقبلة، ولكن بشرط أن يأتى المريض بالشخص المتبرع من نفس بلده وليس من مصر وفقًا للقانون». وأشار إلى أنه بسبب ذلك كان لابد من وجود مركز عالمى فى هذا التوقيت بمصر، كما أن اختيار المكان فى معهد ناصر قرار موفق، لأنه مؤسسة علمية طبية مهمة جدًا وبها كل الإمكانيات المطلوبة. وحول مطالبات بعض النواب بين الحين والآخر لتعديل قانون نقل وزراعة الأعضاء الذى صدر فى 2010، أكد أباظة، أن القانون لا يحتاج إلى أى تعديلات، لأنه وضع باحترافية شديدة جدًا وتمت الاستعانة ب80 إلى 90% من بنوده فى القانون العربى الموحد لزراعة الأعضاء، عندما أرادت جامعة الدول العربية ذلك. وأرجع عدم تطبيقه على أرض الواقع فى السنوات الماضية إلى أسباب أخرى غير الأسباب الطبية أو القانونية، مثل تراجع اهتمام وزراء الصحة المتتاليين بهذا الملف، واتجاههم إلى الاهتمام بملفات أخرى مثل كادر الأطباء والتأمين الصحى وغيرها، وبالتالى زراعة الأعضاء تراجعت فى الأولوية. وأشار «أباظة»، إلى أن التبرع بالأعضاء ليس إجباريًا والقانون ينص على حرية تبرع الشخص بأعضائه وليس هناك أى إرغام على ذلك، لكن لابد أن يكون هناك منهج يتولاه رجال الدين والإعلام والمثقفون لتوعية المجتمع بأن التبرع ليس حرامًا، وهناك بعض الحملات الشبابية الآن تدعو إلى التبرع بالأعضاء وبدأ عدد المتبرعين يزداد بالفعل مقارنة بالسنوات الماضية، لكننا نحتاج المزيد. تسهيلات حكومية.. لتوثيق وصايا المتبرعين لسنوات طويلة ظل المتبرعون بالأعضاء يعانون أشد المعاناة عند كتابة وصيتهم بالتبرع، بسبب الإجراءات الروتينية المتعددة التى كان من المفترض أن يتبعوها أثناء التوثيق، خاصة مشكلات موظفى الشهر العقارى الجهة المنوط بها تسجيل الوصايا. لكن مؤخرا، ولتشجيع المواطنين على التبرع بأعضائهم، أعلنت وزارة الصحة والسكان، عن أول نموذج للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة صادر عنها رسميا، وتقوم الوزارة بتوثيقه وتسليم المتبرع كارنيه التبرع سارى العمل فى أى مستشفى. وسيتم توفير النموذج فى إدارات العلاج الحر بمديريات الصحة بالمحافظات، ويمكن لجميع المواطنين توقيع نموذج التبرع فى أى وقت دون اللجوء للشهر العقارى. وجاء نص النموذج، كالتالى: «أوصى أنا.... مصرى الجنسية بالتبرع بعد وفاتى بأعضاء جسدى وأنسجته وأى جزء منها يمكن زراعته مستقبلا وفقا للتقدم العلمى، للمحافظة على حياة شخص مصرى الجنسية أو علاجه من مرض جسيم أو استكمال نقص حيوى فى جسده، وتم تحرير هذا بإرادة حرة مستنيرة لا يشوبها غلط أو تدليس، وأقر بأنه لا يجوز من ورثتى الحصول على أى منفعة أو المطالبة بأى مقابل مادى أو عينى جراء تنفيذ هذة الوصية». وقال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث باسم وزارة الصحة، إن التبرع أصبح لا يستلزم التوثيق فى الشهر العقارى وإنما أيضاً من خلال الأماكن المخصصة بوزارة الصحة، وهو ما سيتم ربطه فى المستقبل بالشبكة القومية لزراعة الأعضاء، مع إنشاء المركز المصرى لزراعة الأعضاء فى معهد ناصر. وأضاف «عبدالغفار» أن المتبرع «المتوفى الحديث» هو العمود الرئيسى فى عملية زراعة الأعضاء، إذ أن 97% من عمليات زراعة الأعضاء على مستوى العالم من المتبرع المتوفى، لكن فى مصر 100% من المتبرعين أحياء، قائلا «كل شخص يستحق فرصة ثانية فى الحياة». وأكد متحدث وزارة الصحة أن النموذج سيتم ربطه إلكترونيا من خلال الشبكة القومية لزراعة الأعضاء، وإصدار بطاقة للشخص المتبرع تفيد توثيق رغبته فى التبرع بعد الوفاة بالأعضاء، وسيتم تعميمه والإعلان عن تخصيص أماكن محددة ستعلن عنها الوزارة. وأشار إلى أن الكارنيه بمثابة وثيقة إثبات التبرع، وسيتم من خلالها التواصل مع الشبكة القومية، ويتم التعامل مع المتبرع المتوفى عبر مركز زراعة الأعضاء المعتمدة من الدولة. وقال يوسف راضى، صاحب مبادرة توثيق وصايا التبرع بالأعضاء، إننا كنا نعانى من صعوبات كثيرة فى إجراءات التبرع بالأعضاء، لأن وصية التبرع كان المسئول عنها مصلحة الشهر العقارى، والموظفون بها لا يعلمون شيئا عن مسألة التبرع وكنا نعانى من سخرية البعض عند الذهاب للتوثيق. وأضاف راضى أن أشخاصا كثيرين كانوا يذهبون إلى مصلحة الشهر العقارى لتوثيق وصية تبرعهم، لكن بسبب صعوبة الإجراءات والزحام الشديد فى المكاتب وما يواجهونه من الموظفين، اضطروا إلى العودة لمنازلهم دون توثيق الوصية، مشيرا إلى أن عدد الذين تمكنوا من توثيق وصية التبرع لم يتعد 20 شخصا فقط بسبب صعوبة الإجراءات. وأضاف: «لكن بعد التواصل مع مسئولى وزارة الصحة واللجنة العليا لزراعة الأعضاء، تم اعتماد نظام الشباك الواحد، بحيث أنه بدلا من الذهاب إلى مصلحة الشهر العقارى، أصبح المتبرع لا يحتاج سوى الذهاب لوزارة الصحة نفسها أو المكاتب التابعة لها فى كل المحافظات، ويوقع على نموذج التبرع وختمه وبعدها يحصل على كارنيه يفيد بوصيته بالتبرع بأعضائه». وأوضح صاحب مبادرة توثيق وصايا التبرع بالأعضاء، أنه سيتم طباعة النموذج وتوزيعه على كل المحافظات والمراكز على مستوى الجمهورية، أى أن طريقة التبرع أصبحت سهلة جدا، من خلال أقرب منطقة طبية تابعة للشخص وفيها مكتب للعلاج الحر، حيث يتم الذهاب إليه وطلب نموذج التبرع والتوقيع عليه، ثم بعد ذلك يتم الاتصال به لتسلم كارنيه التبرع. وأشار إلى أن الوزارة تسعى إلى تسجيل هذه الوصية فى البطاقة الشخصية لكل مواطن يريد التبرع أو إطلاق تطبيق إلكترونى على الموبايل، أو التفكير فى إرسال موظف إلى منزل كل شخص يريد التبرع لملئ استمارة التبرع وتسليمه الكارنيه، قائلا «كل هذه الأمور تجعل خطوات التبرع أسهل بكتير من الماضى». وأشار «راضى» إلى أن الخطوة القادمة بعد تسهيل الإجراءات هى ضرورة وضع سيستم جيد وتجهيز المستشفيات بشكل مناسب، مشيرا إلى أنه حاليا هناك مستشفيات تقوم بعمليات الزراعة بالفعل، لكن نحتاج إلى هيكلة الإجراءات الخاصة باللجنة الثلاثية من الأطباء فى كل مستشفى والذين بناء على تشخيصهم سيتحدد هل الشخص توفى أم لا، وتحديدهم وإصدار قرار بأسمائهم، كما يجب ربط المستشفيات المسئولة عن زراعة الأعضاء ببعضها البعض من خلال «سيستم» واحد. وأكد أن أهم إجراء يجب اتخاذه فى الفترة المقبلة هو الدعاية والحملات التوعوية فى المجتمع ووسائل الإعلام، للتأكيد على أهمية قضية نقل وزراعة الأعضاء ودورها فى إنقاذ حياة الملايين.