لم يخجل الشيخ "الحسينى حلمى عرمان"، القيادى البارز بالجماعة الإسلامية، والملقب ب "أبو عماد"، أن يتحدث عن أسرار فترة اعتقاله فى السجون الإيطالية، وكشف فى حوار صريح، عن أسباب اعتقاله، وعن الجانى الحقيقى فى قضية مقتل الشيخ "طلعت فؤاد". "الحسينى عرمان" المرحل من إيطاليا يوم الخميس الماضى، قال إن الأجهزة الأمنية فى مصر فى عهد "المخلوع" ساعدت ال "cia " الأمريكية فى القبض على الشيخ طلعت فؤاد وترحيله إلى مصر بمساعدة إيطاليا ومن ثم تصفيته فى مصر ولم يسمع به أحد. وكشف "عرمان" فى حواره، عن أسرار تعذيب المسلمين فى ميلانو، وخاصة الإسلاميين الدعويين الذين ساعدوا مسلمى البوسنة فى حربهم ضد الصرب، وإلى نص الحوار.. * كيف كانت رحلتك الدعوية من مصر إلى إيطاليا؟ مرت رحلتى الدعوية عبر السعودية وباكستان وكرواتيا حتى استقر الأمر فى إيطاليا فى عام 1993، ودخلت إيطاليا بدعوى من المعهد الثقافى الإسلامى لحضور المخيم الصيفى ال 3 لإلقاء المحاضرات والدروس، ومنذ ذلك الحين لم أخرج من إيطاليا إلاّ لمرة واحدة عندما زرت النمسا لحضور مؤتمر دعوى استغرق أسبوعين، وساعدت الشيخ أنور شعبان، الذى كان يشغل منصب مدير المعهد الثقافى الإسلامى فى ذلك الوقت، فى إدارة شئون المعهد، الى أن قُتل فى البوسنة. كيف توفى الشيخ أنور شعبان، رئيس المعهد الثقافى الإسلامى بميلانو؟ الشيخ أنور شعبان هو أمير المجاهدين العرب وتم قتله على أيدى الكروات، فى البوسنة عام 1995، وفى ذلك الوقت تم تلفيق قضية "سفنكس أبو الهول" الينا، عن طريق معلومات كاذبة من 3 من المسلمين، ودخلنا بسببها أنا و12 شخصا السجن الإيطالى وكان المتهمون فى هذه القضية 63 شخصا. من لفق إليك هذه التهم؟ فى تلك الفترة، كان الصراع فى مصر بين الجماعة الإسلامية والنظام الحاكم، قد وصل إلى ذروته، وبدا واضحاً للجميع أن انتماء المعهد الإسلامى يميل للجماعة الإسلامية، وكان الشيخ أنور –رئيس المعهد- قبل وفاته يتصل شخصياً بالعديد من القيادات الإسلامية ومنهم الشيخ مصطفى حمزة والشيخ عبود الزمر، ولذلك فإن المخابرات الأمريكية بالتعاون مع أمن الدولة وبعض الجهات فى إيطاليا كان لها دور كبير فى توقيفى. من هو إبراهيم قنديل؟ وكيف ارتبط اسمه بقضيتك؟ إبراهيم قنديل هو شخص مصري، طُرد من النمسا، لأنه تزوج من نمساوية ووالدها كان غنياً، وحدثت بينهما مشاكل كبرى فتم طرده من النمسا، فجاء إلى إيطاليا بدون إقامة فتم القبض عليه، ثم بعد ذلك نجحت إيطاليا فى تجنيده لينقل أخبار المعهد الثقافى الإسلامى إلى الحكومة الإيطالية. وماذا عن "عماد سالم" الرابط الأساسى فى قضية الدكتور عمر عبد الرحمن؟ طبعاً، لا يستطيع أحد أن يتجاهل هذه الشخصية، فقد كان السبب الأساسى الذى استخدمه الأمريكان ضد الدكتور عمر عبد الرحمن، حيث قام بتسجيل فتوى للدكتور عمر، اعتبرها الأمريكان دليل إدانة للدكتور عمر، والرابط بينه وبين إبراهيم قنديل فى أن الأخير حاول أن يفعل معىّ مثل ما فعل عماد سالم مع الدكتور عمر، ولكنه لم ينجح. فى تلك الفترة، كيف حاولت الحكومة المصرية إيقاف نشاطك الدعوى؟ الحكومة فى مصر وإيطاليا وأمريكا، لم تنَم عنى يوماً، فكنتُ دائماً فى نظرهم الإرهابى المتشدد، وكان من يحاول أن يتحدث فى أمور الدين يسمى "إرهابياً" مهما كانت مرتبته العلمية أو الدعوية، وحاولت الحكومة الإيطالية بالتعاون من المخابرات المصرية تلفيق تهمة "مافيا" لىّ، وأدّعوا بأننى أستطيع غسل مخ الإنسان فى 5 دقائق، ولكن القاضى اعتبر أنه لا توجد دلائل للإدانة وسقطت هذه التهمة بالتقاضى فى عام 2005، حيث إنه لم يبت فى القضية من الدرجة الأولى. كيف حاولت الجماعة الإسلامية باعتبارك أحد أبنائها، إخراجك من المعتقل؟ فى إيطاليا، يوجد ما يسمى بمحكمة "الحرية"، وهى عبارة عن محكمة تعطى الحق للمتهمين بإمكانية المحاكمة من خارج السجن، قدمت طلبا لها، لمحاكمتى من الخارج ولكنه رفض فى البداية، ثم قدمت استشكالاً على الحكم، فقبلته المحكمة، وقالت إن هؤلاء ليسوا مجرمين ولكنهم متهمون فى قضايا يمكن أن يحاكموا عليها من خارج السجن، وبالتأكيد فى تلك الفترة كانت هناك اتصالات بينى وبين العديد من قيادات الجماعة فى مصر. هل ترى أن هناك تقصيرا من جانب قيادات الجماعة الإسلامية فى محاولة إخراجك من السجن؟ قضيت فترة اعتقالى كاملة، والوضع فى مصر كان حرجاً للغاية ولا يمكن أن الوم أي من قيادات الجماعة فى تلك الفترة، فأبناء الجماعة الإسلامية كانوا يُسجنون ويعذبون فى السجون المصرية، وكان هناك بعض الأنشطة الإعلامية لأعضاء الجماعة فى الخارج، مثل الشيخ "طلال" وغيره، وكنت أتواصل معه ومع بعض قيادات الجماعة الإسلامية. كيف توليت رئاسة المعهد الثقافى الإسلامى؟ فى تلك الفترة- أقصد فترة حبسى لمدة 6 أشهر- قُتل الشيخ أنور شعبان غدراً، فتوليت رئاسة المعهد الثقافى الإسلامى، واستمرت أنشطة المعهد كما هى من محاضرات دعوية ودورات صيفية وأنشطة ومجالات وكتب وترجمة القرآن وغير ذلك من أنشطة المعهد. وكيف تم اعتقالك بعد رئاسة المعهد الثقافى الإسلامى؟ تم اعتقالى بشكل أشبه بالكرتونى، حيث فوجئت صباح يوم من الأيام، بالأمن المكلف بحراسة المعهد بأنه يقوم بإطلاق النيران على المواطنين الإيطاليين فى الشارع، فقامت الشرطة الإيطالية بالقبض علىّ باعتبارى رئيس المعهد، ووجهوا لىّ تهمة بأننى إرهابى وعلى أساسها تم اعتقالى ل 3 سنوات، وكنتُ فى تلك الفترة قد تقدمت بطلب اللجوء السياسى، وتم رفضه، ثم قدمت اعتراضا فتم قبوله، وقامت المحكمة الإدارية الإيطالية بتعليق طلبى، فلم أحصل على اللجوء السياسى. ولكن.. يعلم الجميع أنك حصلت على اللجوء السياسى.. فكيف؟ بعد 14 سنة فى إيطاليا، وأنا موجود فى السجن، تم إبلاغى بأن السلطات الإيطالية وافقت على إعطائى حق اللجوء السياسى، وحدث بعد ذلك موقف عجيب، جاء وزير الداخلية فى ذلك الوقت ويدعى "مرونى" وكان معروفا بكره الإسلاميين والعرب، وقال فى اجتماع لوزراء الداخلية الأوروبيين "أن أبو عماد خطيب وإمام "ميلانو" سيتم ترحيله بعد قضاء فترة اللجوء السياسى، وبالفعل تم تنفيذ قراره" ويُعتبر ذلك مخالفاً لكافة القوانين الدولية، لأنه ليس من حقه التحدث فى هذا الأمر. كيف تعاملت الجالية الإسلامية بميلانو مع قضيتك؟ حاولت الجالية الإسلامية بميلانو مساعدتى والوقوف بجانبى فقاموا بجمع آلاف التوقيعات التى تُثبت أننى أقوم بأنشطة دعوية وليس لى علاقة بالمنظمات الإرهابية، ولكن السلطات الإيطالية كانت قد عزمت على سجنى ولم تفلح مجهودات الجالية الإسلامية. وهل استسلمت لقيود الحكومة الإيطالية ورغبتها فى سجنك ظلماً؟ بالعكس بعد أحداث 11 سبتمبر زاد الضغط على الإسلاميين، وشعرت بأن الإيطاليين يحاولون تدبير تهمة أخرى لى لإبقائى بالسجن بقية حياتى، فأرسلت خطاباً الى الرئيس الإيطالى وطلبت منه أن يقرأ سيرتى وأكدت له أننى لا أنتمى لأي تنظيمات تخريبية، وحاولت الاتصال بعدة جهات لدعم موقفى، وبالفعل نجحت مجهوداتى فى وقف المؤامرات الأمريكية الإيطالية ضدى. كيف كان المعهد الإسلامى يقوم بدوره أثناء فترة اعتقالك؟ المعهد الإسلامى من أكبر المؤسسات الدعوية فى شمال إيطاليا، وهو مثال يحتذى به، وقام بدور كبير فى تكوين كوادر للدعوة وعمل دورات شرعية، والمساعدات الاجتماعية وكان للمعهد دور كبير فى كافة المشكلات الاجتماعية، وترجمة الكتب وترجمة القرآن الكريم وأصدرنا مجلة "صوت الحق"، ولم تتوقف أيّ من أنشطة المعهد بعدما تم اعتقالى، لأن المعهد كان له رسالة، والرسالة لا تتوقف على شخص مهما كان. اذكر لىّ أمثلة عن مجهودات المعهد الثقافى الإسلامى فى أوروبا؟ المعهد كانت له مجهودات كبيرة فى العديد من نواحى الحياة، ولعل ما قام به المعهد من دعوة مسلمى "البوسنة" والوقوف بجانبهم ضد الصرب وتقديم المعونات الإنسانية والدعوية لهم، لهو خير دليل على مجهودات المعهد. حدثنى عن علاقتك بالشيخ طلعت فؤاد؟ وكيف تم اختفاؤه وقتله؟ الشيخ طلعت فؤاد من الشخصيات التى لا يمكن أن تُنسى، وكنت فى السجن عندما اختفى، ولكنه كان مصراً على الذهاب إلى البوسنة، واعتقلته القوات الأمريكية وقامت بتسليمه إلى السلطات الإيطالية والتى بدورها قامت بتسليمه إلى مصر، ولم نعلم عنه أى شيء حتى اليوم، وتسربت معلومات بعد ذلك أن المخابرات المصرية قامت بتصفيته. كيف كانت تعاملك السلطات الإيطالية فى السجن؟ إيطاليا هى البلد الأوروبى الوحيد الذى لم تحدث فيه أي هجمات إرهابية، وهىّ أيضاً من أكثر الدول الأوروبية التى تم تلفيق تهم للإسلاميين بها دون دلائل، فلو كان الإسلاميون إرهابيين لحدثت تفجيرات فى بعض الأماكن والمدن الإيطالية ولكن ذلك لم يحدث، وبشكل عام فإن السلطات الإيطالية كانت تعامل المسجونين بشكل لائق بالمقارنة بما يحدث فى أمريكا وبريطانيا. وماذا بعد أن تم ترحيلك؟ وهل ستكتفى بالدعوة؟ لن أترك إيطاليا إلاّ بعد أن تعتذر لىّ شخصياً وتعتذر لمصر والجماعة الإسلامية على فترة اعتقالى ظلماً، وسألاحق الإيطاليين فى المحاكم الدولية وساُظهر للعالم كيف كانوا يتعاملون مع المسلمين، وسأتحدث عن 70 مسلماً فى السجون الإيطالية يواجهون تعذيباً يومياً دون أي تهمة توجه لهم . أما عملى الدعوى فلن أتوقف عنه سواء كنت فى مصر أو إيطاليا، فالعمل الدعوى هو عمل نبتغى به وجه الله، ولن أصمت وأنا أرى المسلمين يُهانون ويعذبون يومياً فى البوسنة وميانمار وأفغانستان والشيشان والبلدان الأوروبية. هل ستكون هناك علاقة بينك وبين المعهد الإسلامى بعد ترحيلك من إيطاليا؟ اتفقت مع أصدقائى وإخوانى فى إيطاليا أن يكون بيننا تعاون فى كافة الأنشطة الدعوية حتى وأنا موجود فى مصر وسيكون هناك تنسيق دائم بيننا فى إدارة المعهد وتنظيم الدورات والمحاضرات الدعوية ولن أتخلى عن وظيفتى الدعوية مهما واجهت من صعوبات. هل هناك ما يُثبت أن الأمريكان والطليان كانوا سبباً فى مقتل العديد من الشخصيات الإسلامية؟ بالفعل، كشف موقع ويكيليكس فى الفترة الأخيرة عن مجموعة من الوثائق تُثبت أن الأمريكان بمساعدة الإيطاليين قاموا بقتل العديد من الشخصيات الإسلامية ومحاولة قتل شخصيات أخرى، وتوجود أسماؤهم والطريقة التى تم اغتيالهم بها، ولدينا الآن نسخة من هذه الوثائق. وماذا تطلب من الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية أن يقدمه لك؟ أطالب الدكتور محمد مرسىي باعتباره رجلاً مصرياً إسلامياً بأن يُنفذ وعده بألّا يهان "مصرى" فى عهده، وأن يساعد المصريين المضطهدين فى الخارج، وأن يقف معىّ حتى أستطيع أن أواجه إيطاليا بجرائمها فى حق المصريين والإسلاميين منهم خاصة.