فى الوقت الذى تعمل فيه الحكومة على مواجهة الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر وخاصة أزمة نقص العملات الأجنبية، أصدر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولى، قرارا بإلزام الوزارات والجهات الاقتصادية، بترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة فى الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الاقتصادية حتى نهاية العام المالى الحالي. وبموجب الإجراءات الجديدة، سيتعين على الوزارات والحد من الإنفاق على بعض المشاريع القومية التى لم تدخل حيز التنفيذ بعد، والتى لها مكون دولارى، حتى نهاية العام المالى 2023/2022، الذى ينتهى فى يونيو المقبل. وينص القرار على تأجيل أى مشروعات جديدة لم تدخل حيز التنفيذ ولها مكون دولارى واضح، كما سيتطلب التعامل بالنقد الأجنبى الحصول على موافقة وزارة المالية، فيما استثنى القرار بعض الوزارات والجهات التابعة لها، مثل وزارات الصحة والداخلية والدفاع والخارجية من الضوابط الجديدة، وكذلك الجهات المسئولة عن تأمين إمدادات الغذاء والطاقة. تأتى الضوابط الجديدة التى أقرتها الحكومة فى إطار مواجهة الأزمات الناجمة عن الارتفاعات المتتالية فى أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه، إذ من المرجح أن تتسبب هذه الارتفاعات فى زيادة الضغط على الموازنة العامة مع استمرار الاعتماد على الاستيراد فى توفير عدد كبير من السلع. وتستبعد الضوابط الجديدة تأجيل الصرف على أى احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى، وتأجيل أنشطة مثل مهمات السفر للخارج والأنشطة الترفيهية وحضور المؤتمرات والحفلات، كما يحظر الصرف على المنح والبرامج التدريبية ومكافآت التدريب والمنح الدراسية فى الداخل والخارج. وحول ترشيد الإنفاق فى باب الأجور وتعويضات العاملين، نص القرار على ترشيد الإنفاق بمعدل 2.5% من المخصصات، وخفض بدل حضور الجلسات واللجان بنسبة 50%، مع حظر زيادة عدد الاجتماعات أو حضور الجلسات عن العام المالى الماضى، حيث تبلغ مخصصات الأجور خلال العام المالى الحالى نحو 400 مليار جنيه مقابل نحو 357 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى. وفيما يتعلق بترشيد الإنفاق على الباب الثانى فى الموازنة، وهو شراء السلع والخدمات، قرر رئيس الوزراء حظر الصرف على تكاليف البرامج التدريبية ونفقات النشر والإعلان والدعاية والحفلات والاستقبالات والشئون والعلاقات العامة، والاعتمادات المخصصة للعلاقات الثقافية فى الخارج ومستلزمات الألعاب الرياضية، وحظر الصرف على الاشتراك فى المؤتمرات فى الداخل والخارج من دون الحصول على موافقة مسبقة، إضافة إلى حظر الصرف على بدل انتقال السفر بالخارج. وقرر رئيس الوزراء حظر الصرف على الخدمات الاجتماعية والرياضية لغير العاملين، والإعانات لمراكز الشباب، وذلك بخلاف الإعانات الاجتماعية والمعاشات الضمانية، وحظر الصرف على الجوائز والأوسمة، حيث تمثل مخصصات الأبواب الثلاثة السابقة نحو 43.9% من إجمالى الإنفاق الحكومى خلال العام المالى الحالي. ومن جانبه قال الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى ووكيل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية سابقا، إن قرارات ترشيد الإنفاق ووقف المشروعات ذات المكون الدولارى، سوف تساعد بشكل كبير فى تقليل الدولار وتخفيض الواردات بشكل عام. وأضاف «عبدالمطلب» أنه يجب الأخذ فى الاعتبار أن هذا القرار ليس جديدا بنسبة 100% وإنما يطلق عليه منشور إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة فى العام المالى الجديد 2023/2024، والذى من المفترض عرضها على مجلس النواب خلال الفترة من مارس إلى نهاية مايو 2023. وأوضح أن الجديد فى القرارات هذا العام هو التنبيه بشكل قاطع على كافة الجهات التابعة للموازنة العامة للدولة بعدم البدء فى مشروعات جديدة ذات مكون دولارى، لأنه فى المرات السابقة كان يمكن أخذ موافقة وزراء التخطيط والمالية ثم يرفع الأمر إلى رئيس الوزراء فيما بعد للاعتماد، أما هذه المرة فقد نص القرار على موافقة رئيس الوزراء شخصيا وعدم الحاجة إلى العرض على الوزراء كما كان يحدث مسبقا، وهذا يشير إلى الجدية فى تنفيذ القرارات هذه المرة، وفقا للخبير الاقتصادى عبدالنبى عبدالمطلب. وأكد «عبدالمطلب» أن متابعة هذه القرارات ستؤدى إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها، وأهمها تقليل الطلب على الدولار وتوقف المشروعات التى تحتاج إلى مكون دولاري. وتابع: «علينا أن نضع فى الاعتبار أن قرارات ترشيد الإنفاق تسرى على المشروعات الموجودة داخل الموازنة العامة للدولة فقط، وتستثنى منها بعض الجهات مثل القوات المسلحة والشرطة، كما نص القرار على استثناء بعض الوزارات مثل الصحة وعدد من القطاعات الأخرى نظرا للدور الحيوى الذى تقوم به، سواء فى توفير مستلزمات هامة للمجتمع مثل الأدوية واللقاحات وغيره، أو سلع استراتيجية مهمة مثل القمح والزيوت والسلع الغذائية المهمة». وأشار إلى أن هذه القرارات لا تنطبق أيضاً على المشروعات التى يتم تمويلها من خارج الموازنة العامة للدولة مثل العاصمة الإدارية وبعض المبانى ذات الأهمية الاستراتيجية التى تعامل معاملة خاصة، ومن هنا فإن هذا القرار يسرى فى نطاق المشروعات المتعلقة بالموازنة العامة. وأكد الخبير الاقتصادى أن ضغط الإنفاق سيؤثر على نشاط القطاع الخاص الذى يعمل بنظام مقاول الباطن، كما سيقلل فرص النمو الاقتصادى والاستثمار الحكومى، وبالتالى انخفاض فرص العمل. وفيما يتعلق بالمشروعات ذات المكون الدولارى التى بدأ تنفيذها، أشار «عبدالمطلب» إلى أنه سيتم استكمالها، لأن عدم استكمالها سوف يكون له أضرار أكبر من منافع توقفها وتوفير النقد الأجنبى، لكن سوف تكون هناك محاولات جادة لإيجاد بدائل محلية الصنع لاستكمال هذه المشروعات، وفى حالة عدم التمكن من هذه البدائل سوف يكون اللجوء إلى المكونات المستوردة التى تحتاج إلى مكون دولارى فى أضيق الحدود.