هذا المقال هو الحلقة الثالثة والختامية لما كتبته من قبل عن «فزاعة الشيعة واستثمار التشيع»، وكان من المفترض نشره الأسبوع الماضى، إلا أن مؤتمر الوفد للوحدة الوطنية، فرض علىّ أن أشارك الوفد حزباً وجريدة تصديه لكل ما يعبث بهذه الوحدة التى فرضت نفسها على شعب مصر، منذ أن وحده «الملك مينا» قبل آلاف السنين، ومنذ أن تعانق المسلم والمسيحى فى ثورة 1919، رافعين شعار: الدين لله والوطن للجميع، يحيا الهلال مع الصليب. ومن الفتنة الطائفية إلى الفتنة السياحية أنتقل لأتحدث عن السلفيين ومعركتهم الوهمية ضد السياحة الإيرانية بحجة الخوف من التشيع، وهنا تقتضى مسئولية القلم أن أحيى هشام زعزوع، وزير السياحة المصرى، بإصراره على استئناف البرنامج السياحى مع إيران، والسعى الحثيث تجاه السياحة العراقية وغيرها من البلدان، غير مكترث بهذه الفزاعة السلفية المتشددة التى لا يدرى مستخدموها أنهم يخربون مصر. إن مصر فى أمس الحاجة الآن لكل دولار وجنيه والسائح الإيرانى ينفق 180 دولاراً فى اليوم، أى ثلاثة أضعاف ما ينفقه السائح الأوروبى، ومن إيران ينطلق عشرة ملايين سائح سنوياً لأوروبا وأمريكا وشرق آسيا، وعندما تخطط مصر لاستقطاب وجذب مليون منهم، فتلك خطوة مهمة تضىء شمعة فى نفق السياحة المظلم، وتزرع وردة جديدة فى طريق العلاقة بين البلدين. فمصر «السُّنية» وإيران «الشيعية» تربطهما علاقة متينة تعود إلى عام 1848 عندما أرسلت طهران موفداً لرعاية مصالحها فى مصر، وتطورت هذه العلاقة فى القرن العشرين لتصل إلى المصاهرة بزواج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق من شاه إيران محمد رضا بهلوى، إلا أنها توترت بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، وازدادت توتراً بعد اندلاع الثورة الإيرانية ولجوء الشاه إلى مصر بدعوة من الرئيس السادات ليموت بعد ذلك ويدفن فى القاهرة. وتخف حدة هذا التوتر قليلاً فى عهد مبارك حتى سقوط نظامه، وبمجىء الإخوان للحكم بعد ثورة 25 يناير، عادت العلاقات بقوة توجها الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد بزيارة للقاهرة، وهى الزيارة التى أزعجت السلفيين وغيرهم ممن اتخذوا «القوة الناعمة الإيرانية» سلاحاً لمحاربة منافسيهم «الإخوان». إن السلفيين لا يخشون التشيع الدينى العقائدى فقط، وإنما التشيع السياسى أيضاً، فهم يرفضون النفوذ الإيرانى فى المنطقة، ورغبة نظام «الملالى» فى إحياء المشروع الفارسى القديم عبر بوابة القاهرة الفاطمية. فلا يغيب عن الذاكرة هنا قول الإمام الخمينى: «إذا كان العرب حكموا المسلمين، وكذا الأتراك وحتى الأكراد، فلماذا لا يحكمهم الفرس؟!»، ربما يكون مع السلفيين بعض الحق فى مخاوفهم، ولكن المصلحة الوطنية تستوجب الآن أن أترك الخلاف الدينى المذهبى جانباً، لأنقذ اقتصاد البلد، وعملاً بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، فإن المصالح السياسية والاقتصادية تصبح هنا أولى وأوجب.. وهو ما لا يريد السلفيون أن يفهموه حتى الآن. أيها السلفيون، فلطالما قبلتم المنافسة على حلبة السياسة، فلابد أن تقبلوا كل قواعد اللعبة، واعلموا أن أهل السُّنة فى مصر لم يصلوا بعد إلى درجة الهوان والانهيار والضعف، تجعلهم يخشون سياحاً إيرانيين، فالمصريون بأزهرهم وبطبيعتهم وفطرتهم جبلوا على السُّنة ولا يميلون إلى التشيع، فلا تمزجوا السياسة بالدين، واعلموا أن فزاعتكم لا أساس لها من الصحة، ولا تخدم سوى العدو الصهيونى. إخواننا فى الإسلام تريثوا.. وأدركوا أن التجربة الخمينية لا تصلح لمصر، والإيرانيون مهما خططوا ودفعوا بعشرات الأفواج استثماراً لظروفنا الصعبة، وستاراً لأى غرض، لن يفلحوا أبداً فى تغيير جلد المصريين دينياً وسياسياً، وبالمختصر المفيد: «كان غيرهم أشطر».. فالعبوها صح أفادكم الله.