في بيتها يسكن فصل الربيع ولا يستعجل الرحيل.. وفي نظرة عينيها تلمح حزناً وتفاؤلاً وخوفاً.. تحتار في تفسير كل هذه الأشياء لكنك تستسلم أمام شيء واحد وهو وقار وجلال الماضي. فهي الفنانة الكبيرة »زبيدة ثروت« التي تنحني المرآة أمام جمال عينيها ويتوقف القطار أمام سحر حديثها.. عمرها »71« عاماً وتؤمن بأن رائحة الماضي أفضل من الحاضر وأن المستقبل محاصر بالمخاوف.. تسيطر عليها نوبات حزن عنيفة تدفعها إلي الصمت مرة وإلي البكاء مرات كثيرة.. وعندما تبحث عن سر ولغز هذه الحالة تكتشف أن ابنتها البالغة من العمر 32 عاماً أصيبت بمرض السرطان وأن الأم التي تقدم بها العمر أصبحت مطالبة بالصبر والعطاء من جديد. حول الحب والزواج والإنجاب والمستقبل وتفاصيل 30 سنة ابتعاداً عن الأضواء أجرينا هذا الحوار مع زبيدة ثروت: زبيدة ثروت - بنت الأكابر - كيف تري الفرق بين الماضي والحاضر؟ - رائحة الماضي بكل تأكيد أجمل وأفضل، أخلاق الناس كانت جميلة وتشعر بعلاقة ود وطيبة تربط بين الجميع لكن الوضع الآن تغير وأصبحنا بكل أسف وأسي نعاني من أزمة أخلاق.. وأزمة في الضمير. كلامك يحمل حزناً وخوفاً.. هل هناك سبب شخصي أم أن الأمر متعلق بحال الوطن؟ - هناك بكل تأكيد سبب شخصي.. فالإنسان لا يخلو من الهموم والمشاكل لكن محنة الوطن أكبر وأعظم.. فما يحدث بين المسلمين والمسيحيين أمر يحمل مخاوف بلا حدود.. بالمناسبة أنا كنت تلميذة في مدرسة »الرمل« في الإسكندرية وكانت صديقتي مسيحية وكانت العلاقة بيننا مليئة بالود والحب.. مطلوب من كل مصري »مسلم أو مسيحي« يعرف أن الدين لله والوطن للجميع وأن الانقسام هيهدم مصر.. »يا ناس.. دي مصر مش لعبة«. قبل الحديث عن السياسة.. أشعر بأن هناك محنة ومأساة في محيط أسرتك؟ - فعلاً.. أنا والحمد لله تزوجت من المنتج صبحي فرحات ورزقني الله سبحانه وتعالي بأربع بنات.. »ريم« لديها ثلاث أطفال، »رشا« هي متزوجة من أحمد إحسان عبدالقدوس، و»أسمت« متزوجة من المستشار خالد سلامة ولديها بنوتة جميلة.. لكن المحنة هي »رشا« التي تحتل الترتيب الثالث بين شقيقاتها.. حيث أصيبت بمرض السرطان في الصدر وفي مناطق أخري.. وتخيل أنني في هذا العمر أتعرض لهذا الألم الكبير.. وبالمناسبة هي »متزوجة« وتقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية ولم تنجب أطفالاً.. وفي كل صباح ومساء أتوجه إلي الله بالدعاء كي يرفع عنها المرض ويهدي إليها الشفاء.. وأتمني أن يدعو من أجلها كل المصريين. عفواً.. لو كنت قد فتحت جرحاً كبيراً. - لا تشغل بالك.. أنا مؤمنة بالله.. وأملي فيه كبير وعندي إحساس بأن الشفاء قريب رغم صعوبة الحالة.. لكن الأمل هو الذي يجعلنا نواصل الحياة. ملامح زبيدة ثروت تكشف أنها تنتمي إلي أسرة عريقة؟ - أنا من العائلة الملكية.. جدتي لأمي حفيدة السلطان حسين كامل.. وكان عمري 12 عاماً عندما قامت ثورة 1952.. وتم مصادرة أموال أمي وكل ممتلكاتها.. لدرجة أن رجال جمال عبدالناصر طلبوا منها خلع السلسلة التي تزين رقبتها.. لكنها طلبت منهم الاحتفاظ بها لأن عليها »آية الكرسي« وعندما دخلت الوسط الفني طلب مني والدي عدم الاعتراف بأصولي الملكية حتي لا أتعرض للاضطهاد. وهل تأثر مستوي معيشة الأسرة بعد مصادرة ممتلكات والدتك؟ - إلي حد كبير تأثر مستوي المعيشة.. لكن لم ننجرف إلي مستوي متواضع لأن والدي كان لواء في البحرية.. وكان دخله يضمن لنا حياة كريمة.. أسرتي كانت مكونة من الأب والأم وشقيقين ولي بنت توأم لكنها لم تمارس الفن واكتفت بالحياة في الظل بعيدة عن الأضواء. بالمناسبة ما الشهادة الدراسية التي حصلت عليها وكيف كان دخولك الوسط الفني؟ - أنا حاصلة علي شهادة ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة.. وبالمناسبة الدكتور مفيد شهاب وزير مجلسي الشعب والشوري في النظام السابق كان معيداً في الجامعة ودرس لي.. وكنت أراه مثل غيري من الناس شريفاً ومحترماً.. والحقيقة أن خروجه من الكسب غير المشروع بدون إدانة أمر أسعدني جداً.. وبخصوص دخولي الوسط الفني فقد حدث ذلك عن طريق المسابقة الفنية التي كانت تعلن عنها مجلة »الجيل« وتم اختياري كأفضل فتاة من حيث الجمال والموهبة.. بعد كده بدأت مشوار التمثيل وتوالت الأعمال. هل أثر مشهد مصادرة أملاك أسرتك في نفسيتك وجعلك تكرهين جمال عبدالناصر؟ - بكل تأكيد عندما تفتح وعيي واتسعت مداركي بدأت أشعر بالضيق لكنه لم يصل إلي حد الكراهية لأن جمال عبدالناصر له أشياء جميلة مثل تأميم قناة السويس.. لكن أنا أحب »السادات« جداً.. ومثل كل المصريين أصبت بصدمة في الرئيس السابق مبارك وسوزان التي كان لقبها »الهانم«. كانت المرآة تنحني أمام جمالك في سن الصبا.. فهل تعرضت لمضايقات صلاح نصر الذي اضطهد الفنانات لفترة طويلة؟ - سمعت كثيراً عن مسخرة صلاح نصر وسمعت أيضاً أن فاتن حمامة تعرضت لمضايقات منه.. ولم يكن أمامها سبيل إلا الهروب إلي لندن للخلاص من هذا الجو الغريب.. لكن وبأمانة شديدة أنا لم أتعرض لهذه المضايقات وربما يكون السبب هو أنني تزوجت وعمري 18 سنة من المنتج صبحي فرحات الذي كان يكبرني بحوالي 22 سنة.. تزوجت وأنجبت أربع بنات ووهبت حياتي لتربيتهن وتعليمهن، يعني تقدر تقول إن الزواج أنقذني من مخاطر كثيرة. ولكن كيف تتزوجين من رجل يكبرك ب 22 عاماً وأنت فتاة جميلة؟ - لو كنت تقصد الحب.. فيجب أن تعرف أن عبدالحليم حافظ حبي الحقيقي وأنه تقدم لطلب يدي من والدي بعد فيلم »يوم من عمري« لكن والدي رفض طلبه بحجة أنني صغيرة ومازلت في مرحلة الدراسة.. وبالمناسبة غنوة »بأمر الحب« التي تم عرضها في الفيلم كانت تعبر عن حالة العشق الحقيقي بيني وبين عبدالحليم لكن المسألة قسمة ونصيب. وبخصوص الزواج من صبحي فرحات فقد طاردني كثيراً حتي وافقت علي الزواج منه.. وأنجبت بنات رائعات في الأخلاق والجمال. لكنه بصراحة الفرق في السن في أوقات كثيرة يكون عاملاً سلبياً ويهدد استمرار الحياة الزوجية. في رأيك لماذا تراجع الفن المصري للخلف؟ - لا أعرف بشكل محدد.. ولكن نسبة كبيرة من الأفلام التي تعرض »هايفة جداً« لا تحمل رسالة أو مضمون.. وأكبر دليل علي ضعفها هو أن المتلقي ينسي محتوي الفيلم بمجرد خروجه من دار العرض.. لكن الأعمال الفنية التي تم إنتاجها في الماضي كانت رائعة وممتازة من حيث المحتوي ومن حيث أداء الممثلين. ربما يتم تفسير دفاعك عن نجوم الماضي علي أساس أنه انحياز لجيلك؟ - أنا أقول الحقيقة.. من المستحيل أن تجد ممثلاً متمكناً وقوياً مثل العظيم محمود المليجي الذي أبدع في كل أدواره الفنية.. وكان سبباً أساسياً ورئيسياً في نجاح فيلم »الأرض« للمؤلف عبدالرحمن الشرقاوي.. ولا تنسي رشدي أباظة وعمر الشريف وأحمد رمزي وفاتن حمامة وسعاد حسني وفريد شوقي وشادية.. لا أبالغ إذا قلت إن فن هذه الأيام لا يقارن أبداً بالفن الذي قدمه نجوم التمثيل والإخراج والكتابة في الماضي الجميل. انتِ تنتمين لأسرة لها عادات وتقاليد.. فكيف استقبل الأب أول قبلة لابنته علي الشاشة؟ - كان والدي يرافقني في العمل.. وعندما جاء عبدالحليم حافظ لتقبيلي في فيلم »يوم من عمري« عمل فيه المخرج عاطف سالم »مقلب« وقال لوالدي »في تليفون علشانك« وخرج والدي من الاستوديو وقمت بتمثيل المشهد وبعد كده أقنعته بأن الفن له مطالب وأن الرواية لازم تخرج بشكلها الحقيقي.. واقتنع والدي واستقبل الأم وبالمناسبة أنا ضد المشاهد الساخنة وضد الجنس بدون هدف. وهل سبق أن رفضت أداء مشاهد من هذا النوع؟ - رفضت كل ما يتعارض مع قناعاتي.. ولكن هناك واقعة لطيفة.. فقد رفض الممثل الكبير رشدي أباظة تقبيلي في فيلم »الحب الضائع«. وحاول المخرج »بركات« إقناعه بالأمر لكنه رفض وتمسك بموقفه.. وقال رشدي أباظة: زبيدة ثروت زوجة صبحي فرحات صديق عمري وأنا مستحيل أبوس زوجة صديقي.. وانتهي الفيلم فعلاً بدون أن يقبلني رشدي أباظة الذي أحترمه جداً وأراه إنساناً رائعاً. لو طلب منك تسجيل شهادة في حق يوسف شاهين وشكري سرحان وشمس البارودي وعادل إمام.. فماذا تقولين؟ - بصراحة يوسف شاهين من وجهة نظري مخرج متواضع جداً وحاول كثيراً معي كي أعمل معه لكني رفضت كل عروضه وأتصور أنه »مجنون رسمي« وعايش في دور الخواجة.. وأنا لا أبالغ إذا قلت لا أفهم أفلامه.. شكري سرحان ممثل متميز وإنسان رائع وأتذكر أنني كنت أعمل معه في فيلم وتصادف أن طلب تأجيل التصوير بسبب مباراة كرة القدم بين النادي الأهلي وفريق آخر ولأنه إنسان مهذب وحساس تحمل تكاليف تعطل التصوير بالكامل.. إن مثل أخلاق شكري سرحان لا تتكرر كثيراً. أما الفنانة شمس البارودي فمجرد وجه جميل لكن »دمها تقيل جداً ولا يعجبني أداءها التمثيلي ولم يحدث أن جلست وتابعت لها فيلماً كاملاً هذا بكل تأكيد علي عكس زوجها حسن يوسف الذي أراه موهوباً جداً. وماذا عن عادل إمام الذي يعد زعيم هذا العصر والأعلي أجراً؟ - بصراحة أنا أعشق عادل إمام هو فنان ممتاز ومتنوع جداً وله مشوار يستحق التقدير.. لكن وبأمانة شديدة ابنه ضعيف جداً وقد شاهدته في فيلم كان يقوم ببطولته واكتشفت أنه لا يرتقي إلي موهبة عادل إمام وبصراحة كده وياريت عادل إمام مايزعلش من صراحتي.. ياريت ابنه يريحنا ويقعد في البيت. لكنه من حق الأب أن يساند ويدعم ابنه حتي يقف علي قدميه. - هذا الكلام يجوز في أي مجال آخر لكنه لا يجوز في الفن.. لأن أساس الفن الموهبة.. ولماذا لا يتعلم عادل إمام من فاتن حمامة التي منعت ابنتها »نادية ذو الفقار« من التمثيل عندما اكتشفت أنها ضعيفة. من في رأيك أفضل ممثل في تاريخ السينما المصرية؟ - بدون تفكير محمود المليجي والرائع أحمد زكي.. لكل منهما طريقة في الأداء.. وتلمس في أدائهما الصدق.. لذا ستظل أعمالهما الفنية خالدة ومستمرة في عقول وقلوب الناس. وما تقييمك لنجوم هذا العصر؟ - من الصعب جداً أن تجد فناناً يجمع مواصفات النجم في الأداء والشكل.. وهذا لا يعني أن كل النجوم الذين ظهروا في جيلنا كانوا ممتازين.. أنا يلفت نظري من الجيل الجديد مني زكي لكن ينقصها الجمال.. ومي عز الدين جميلة لكن تحتاج إلي مخرج يقدمها بشكل جيد ويكتشف موهبتها الحقيقية. هل سبق أن حدثت غيرة بينك وبين فنانة من بنات جيلك؟ - كانت هناك غيرة فنية فقط.. وليس صحيحاً ما تردد بشأن وجود خلاف بيني وبين سعاد حسني بسبب عبدالحليم حافظ.. لأن سعاد حسني عرفت عبدالحليم بعدي بسنوات كثيرة.. وكنت قد تزوجت وأنجبت وأصبحت لي حياتي. كيف ترين سعاد حسني كممثلة؟ - سعاد حسني تدخل القلب بسهولة.. كما أنها موهوبة في الرقص والغناء والتمثيل تقدر تقول عليها حالة فنية متكاملة.. لكن هناك فنانات ينطبق عليهن لقب مؤدية فقط مثل ميرفت أمين ويسرا مثلاً. هل يزعجك التقدم في العمر.. وما العلاقة بينك وبين المرآة الآن؟ - أنا من مواليد 1940 ولا أخفي تاريخ ميلادي أبداً.. فلكل سن جماله وحلاوته.. ومازلت أعشق المرآة وأحب الحياة.. وقد قمت بأداء فريضة الحج مرة واحدة وقمت بعمل العمرة أكثر من مرة.. وأتمني أن يحسن الله الختام. ما رأيك في ثورة 25 يناير وما رؤيتك للمستقبل؟ - ثورة 25 يناير حادث مهم وأبطالها الشباب نجحوا في تطهير مصر من الفساد الذي عشش وتمدد في أرضها لمدة 30 سنة.. لكن المستقبل محاصر بالمخاوف بسبب المظاهرات المتكررة وتوقف الإنتاج وأتمني أن يدرك الجميع شباباً وكباراً أن الوطن يحتاج في هذه المرحلة للعمل.. وأن هناك مؤامرة من الخارج لتفكيك مصر وزرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين. أيهما أقرب إلي نفسك: التفاؤل أم الخوف مما هو قادم من رحم الغيب؟ - لازم نتفاءل علشان الحياة تستمر.. فما أجمل الحياة تحت رايات الأمل.
