«لدى حساسية تجاه ما يريده الجمهور، قدمت أعمالًا كثيرة على مدار مشوارى الفنى تقلب فيها ذوق الجمهور كثيرًا، وكنت أتابعه وأقدم له ما يريد». عبارة تلخص أسباب نجاح مشوار المخرج القديرعلى عبدالخالق والذى رحل عن عالمنا بعد ظهر الجمعة الماضية عن عمر ناهز 78 عامًا، بعد صراع مع مرض السرطان، تاركًا خلفة إرثًا فنيًا ناجحًا، استطاع خلاله أن يجيد تقديم خلطة نجاح مدروسة يعرف من خلالها كيف ينال اعجاب جمهوره لأكثر من 50 عاماً، تغيرت فيها ذوق الجمهور، وظهرت أجيال مختلفة، ما بين جيل النكسة وجيل أكتوبر وجيل الثمانينيات والسينما الهزلية والسينما الواقعية. فالمتتبع لمشواره الفنى الطويل يجزم أنه فنان أجاد التعامل مع جمهوره، ودرس جيدًا رغباته، وربما هذا هو السبب الذى جعل أفلامه عابرة للزمن وتخاطب كل الأجيال، ويجرى تداول اقتباسات منها على «السوشيال ميديا» كما لو كانت جرى عرضها منذ وقت قليل. وجاءت رحلة المرض العصيبة لتنهى حياته، حيث أكد المخرج هشام على عبدالخالق، نجل المخرج الراحل على عبدالخالق، أن والده خاض رحلة مرض صعبة مع سرطان الرئة خلال أيامه الأخيرة، لافتًا إلى أن الاستجابة السريعة من قبل رئاسة الجمهورية لعلاجه على نفقة الدولة أذهلتهم وأذهلت الجميع. وأضاف عبدالخالق، أن تلقى والده العلاج فى مستشفى المعادى العسكرى كان محببًا لقلبه نظرًا لتعلقه الشديد بالقوات المسلحة، مؤكدًا اهتمامهم الشديد بوالده من خلال النظام الطبى والتمريض كاف على أعلى مستوى. وتابع: «والدى كان مهتمًا جدًا بالتأريخ لنضال القوات المسلحة، وكان راضيًا بمرضه ويستمر فى تصريحاته للجرائد رغم أنه كان يعانى من سرطان الرئة والكلام كان صعبًا»، مؤكدًا أن التقدير لمشوار والده شكل دعمًا نفسيًا كبيرًا له فى أيامه الأخيرة. الأعمال الوطنية.. «على عبدالخالق أكثر مخرجى العرب كراهية لإسرائيل» كان الواقع السياسى مسيطرًا بشكل أساسى على عقلية المخرج الراحل على عبدالخالق، فكان عضوًا مؤسسًا فى جماعة السينما الجديدة التى أنشأتها مجموعة من السينمائيين وحققت نقلة حضارية في السينما المصرية عند تصديها عام 1968لسينما الهزل التي كانت سائدة بعد نكسة يونيو 1967 . وكان الهدف الأسمى من وجهة نظرهم للسينما هو توثيق الأحداث الهامة، وأمن عبدالخالق بان السينما لا تقل أهمية عن السلاح فى المعركة، حتى ان أول اعماله الفنية كان «أغنية على الممر» وكان هدفه الأساسى توثيق أحداث 67 بكل ما تحمله من صعوبات، وقال عبدالخالق عن هذا الفيلم: دفعنى لتقديمه أن الإعلام الغربى صّور الجيش المصرى فى وضع المُنكسر وخائف من الجيش الإسرائيلى لذا قررت توثيق الحدث مضيفًا: قدمت حوالى 7 أعمال عن الصراع العربى الإسرائيلى، ما بين أفلام حربية ومخابراتية، لأنها قضية العرب الأساسية، وأنا المخرج العربى الوحيد الذى قدم 6 أفلام ومسلسلاً عن الصراع العربى الإسرائيلى، لدرجة أن إحدى الصحف الإسرائيلية قالت: «على عبدالخالق أكثر مخرجى العرب كراهية لإسرائيل». كان فيلم «أغنية على الممر» من إنتاج عام 1972، سيناريو وحوار مصطفى محرم عن مسرحية للكاتب علي سالم، وكتب الأغاني الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، التى أبهرت الجمهور بكلمات «أموت وتعيشى يا ضحكة مصر» وكان الفيلم سببًا من أسباب رفع الروح المعنوية للجنود علي جبهات القتال في مصر وسوريا بعد الهزيمة وكان دافعًا للصمود وما حققته القوات المسلحة خلال نصر أكتوبر المجيد . ونجح الفيلم فى التعبير عن تفاصيل إنسانية للجنود على الجبهة ويعتبر أول مدنى يقدم فيلمًا عن الجيش وحاز من خلاله على الجائزة الثانية من مهرجان «كارلو فيفاري»، وجائزة من مهرجان «طشقند» السينمائي. ومن الأفلام الشهيرة التي تناولت الوضع بعد احتلال سيناء فيلم «إعدام ميت» من إنتاج عام 1985، عن دور المخابرات المصرية، ويحكى عبدالخالق أن محمود عبدالعزيز «بكى بشدة» بعد انتهاء تصوير مشهد الإعدام في الفيلم، وقال إنه «تقمص الشخصية وعاش اللحظة بكل تفاصيلها». أما فيلم «بئر الخيانة» من إنتاج سنة 1987، لم يتناول الحرب علي الجبهة لكنها حرب التجنيد والجاسوسية من وحي ملفات المخابرات المصرية، وبعدها قدم فيلمه «الكافير» الذي تم إنتاجه عام 1999 من بطولة الإعلامي طارق علام وكان اول ظهور لعلى كممثل ،وبعدها عاد المخرج الراحل ليجسد بطولات حرب 67 من خلال فيلم حديث هو «يوم الكرامة» من إنتاج عام 2004، عن إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، وهو فيلم به مشاهد تشويق تم تصويرها فى البحر، وهذا يعتبر شكلاً جديداً على السينما المصرية، و«عين المتفرج» لم تشاهده من قبل. ولم تقتصر الأفلام الوطنية للمخرج الراحل علي الأفلام الطويلة، لكنه قدم أعمالًا أخري تسجيلية من أهمها فيلم «السويس مدينتى» يتحدث عن أهالى السويس الذين لم يهاجروا بعد 67، وعُرض فى مهرجانات كثيرة وحصل على جائزة الدولة التقديرية، كما قدم فيلم «الرجال والسلاح» عام 1980. ورغم ذلك كانت نصيحته أن هناك ندرة فى الأعمال التى تجسد الثورة والانتصارات القومية المصرية والعربية بشكل عام تحتاج اهتمامًا كبيرًا من صناع السينما». العار والكيف وجرى الوحوش إبداع خاص لعلى عبدالخالق ومحمود أبو زيد صنع المخرج على عبدالخالق مع المؤلف محمود أبوزيد ثنائية مميزة، حيث قدم معه أفلامًا، هى (العار، والكيف، وجرى الوحوش، والبيضة والحجر)، وكان الثنائى من خريجى دفعة معهد السينما قسم إخراج، وحدث بينهما تناغم وتناسق كبير، حاولا من خلال هذه الأفلام عكس حال الشارع المصرى الذى كان يدخل فترة انتقالية سواء على مستوى الأخلاق أو الأفكار أو حتى الاقتصاديات، حيث ارتكز الثنائى فى تقديم أعمالهم على مزج الأسلوب الكوميدى بالواقعى، حيث اختيار نموذج معين من المجتمع للتعبير عن حال المجتمع ككل، واختاروا نجوم الشباك فى ذلك الوقت للتعبيرعن هذا الواقع نور الشريف وحسين فهمى ومحمود عبدالعزيز ويحيى الفخرانى وحسين الشربينى، فيقدمان فى العار1982 سؤالًا، ما هو العار الحقيقي؟ والذى أبدع فيه الثنائى بمشاهد ظلت عالقة فى أذهان الجمهور، خاصة وتقديمه نموذج المرأة «المسالمة» روؤا التى أصبحت نموذجًا نسويًا يحتذى به دراميًا، وتلاها بفيلم الكيف عام 1985 ليقدم سؤالًا اخر، من خلال مشاهد غاية فى العبقرية بين الفخرانى وعبد العزيز فى نقاش جدلى حول انتصار الانحراف على القيم، وجاء بعده فيلم جرى الوحوش1987، حول قدرة المال على شراء أى شىء فى المجتمع حتى ولو كان الإنسان نفسه، وجاء بعده فيلم البيضة والحجر الذى يعتبر علامة فارقة فى تاريخ الفانتازيا السينمائية وحقق فيها أحمد زكى نجومية خاصة، وتظل هذه الأعمال خالدة وحاصدة للجوائز حتى الآن، حتى أنه تمت إعادة تقديمها فى أعمال تليفزيونية لأنها تحوى على خلطة النجاح التى أتقنها على عبدالخالق. نجوم الفن ينعونه: رحل صادق المشاعر رحل الفنان القدير وترك خلفه حبًا ومشاعر فياضة تربطه بكل من تعاون معه، فامتاز بأخلاقه الراقية وأسلوبه المحترم الذى جمع حوله حب زملائه وجمهوره، ونعاه زملاؤه. قال الفنان حسين فهمى، إن المخرج الكبير الراحل على عبدالخالق الذى استمرت مسيرة إبداعه ل56 عامًا، كان زميلًا له فى معهد السينما، وكان صديقة الشخصى، وأنتجا معًا أكثر من فيلم ضمن مسيرته الفنية الغنية، مشيرًا إلى أنه كذلك قد ظهر معه فى عدد من المسلسلات، مؤكدًا: «على كان قريب جدًا لقلبى وصديق عزيز، وكنت على اتصال به دائم». وأضاف فهمى، أن حالته الصحية كانت صعبة قبيل وفاته، كما كان يشعر بأن صحته تتدهور، حتى خيم الحزن على المجال الفنى بشكل كامل، متابعًا: «دى مشيئة ربنا وده القدر، وكان مخرج عظيم وصديق عزيز». واستطرد: «على كان أخلاقه راقية جدًا وكان إنسانًا فى تعاملاته وفنانًا بمعنى الكلمة، ومكنش بيتعالى على أحد، ولينا زملاء كثيرين فقدانهم هذا العام، وأنا كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، أتمنى تكريم الجميع، والمرة السابقة كرمت كل زملائى، وكل ما أقدر أكرم حد هكرمه، وعلى عبدالخالق يستحق الكثير». ونعت النجمة نادية الجندى الراحل قائلة: الوسط الفنى فقط فنانًا عظيمًا وأضافت النجمة نادية الجندى أنها عملت معه من خلال عملين الأول الإمبراطورة عن محاربة المخدرات ونجح نجاحًا كبيرًا جدًا، والثانى هو «بونو بونو» وهو فيلم كوميدى، موضحة أنه رغم أن العملين لكل واحد منهما طبيعته إلا أنه أجاد فى عمله بشكل كبير لأنه يجيد تقديم كل الألوان. وعن علاقتها الإنسانية معه، قالت النجمة نادية الجندى، إن علاقتهما كانت جيدة جدًا وبها حب وتقدير، مؤكدة أنهما كانا صديقين ويتحدثان دومًا سويًا ويستشيران بعضهما البعض فى العديد من الأمور. واستكملت، بأنه كان يعيش لفنه وكان ملتزمًا فى عمله ولا يشغل نفسه إلا ببيته وفنه، داعية له بالرحمة، مؤكدة أنه إنسان جميل وعلى خلق وأحد رواد زمن الفن الجميل الذين لا يعوضون أبدًا. قالت الفنانة إلهام شاهين، إن المخرج الكبير الراحل على عبدالخالق سيظل حيًا عبر أعماله العظيمة، التى ستظل علامات فى تاريخ السينما المصرية، وعلامات فى تاريخ كل الفنانين الذين عملوا معه، مستكملة: «أستاذ على عبدالخالق له يد كبيرة جدًا فى وجودى فى الحياة الفنية، واشتغلت معه منذ عامى الأول فى معهد فنون مسرحية». وأضافت شاهين، أنها قد شاركت معه فى فيلم «العار» وكان أحد الأعمال المميزة، وظهرت به فى دور صغير ولكن لفتت الأنظار، حتى توالت أعمال كثيرة بسبب نجاح فيلم «العار» بشكل كبير. واستطردت: «قدمت معه أفلامًا كثيرة منها (الجينتل) مع محمود عبدالعزيز و(عليه العوض) مع فاروق الفيشاوى، و(خادمة ولكن) مع مصطفى فهمى، وكان مؤمنًا بى وبموهبتى، وكان من أوائل من شجعونى ودعموني». وأوضحت أن المخرج الكبير كان دائمًا يقدمها فى أدوار مختلفة فى كل عمل، وكانت دائمًا ما تحصل على الجوائز عندما تعمل معه فى أفلامه المختلفة، متابعة: «كنت بحبه جدًا على المستوى الشخصى، كان جميل ويشيع البهجة فى المكان. ونعت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد، المخرج على عبدالخالق، وقالت: «كان صديقًا غاليًا وزميلًا عزيزًا، التقينا فى 5 أعمال سينمائية كبيرة من أهم أفلام السينما المصرية، هى الوحل وشادر السمك ودرب الرهبة والحناكيش وعتبة الستات». وأضافت: «كما التقينا من خلال شاشة التليفزيون فى مسلسل (البوابة الثانية)، وبالإضافة إلى هذا كله كانت تجمعنا صداقة متينة وأخوة غالية. رحم الله على عبدالخالق الإنسان بأخلاقه الطيبة، والفنان بأعماله الفنية الهامة». مشوار حياة ولد على عبدالخالق فى 9 يونيو 1944، هو ابن الفنان القدير عبدالخالق صالح، ووالد المخرج هشام عبدالخالق، درس فى المعهد العالى للسينما قسم إخراج، وعقب تخرجه فى المعهد عام 1966 عمل مساعدًا لفترة، ثم اتجه إلى إخراج الأفلام التسجيلية، حيث قدم 7 أفلام ناجحة بدايتها فيلمه التسجيلى «أنشودة الوداع»، بعدها قدم 37 فيلمًا روائيًا متنوعه لتشمل «شادر السمك»، و«درب الرهبة»، و»الوحل»، و»بئر الخيانة»، و»الجنتل»، و»عتبة الستات»، و«الحب وحده لا يكفي»، و«مدافن مفروشة للإيجار»، و«اغتصاب» ورانديفو وآخر أفلامه ظاظا رئيس جمهورية. وكتب سيناريوهات 4 أفلام فى عام 1982 قام بكتابة وإخراج فيلم «وضاع حبى هناك» بطولة حسين فهمى، والفيلم الثانى فى نفس العام وهو «إنهم يسرقون عمري» بطولة محمود المليجى وأبوبكر عزت، والفيلم الثالث عام 1983 وهو «السادة المرتشون» بطولة محمود ياسين ومحمود عبدالعزيز وسعيد صالح، أما الفيلم الرابع والأخيرعام 1987 فهو فيلم «أربعة فى مهمة رسمية» بطولة أحمد زكى ونورا. بداية من التسعينات قل عدد الأفلام التى قام عبدالخالق بإخراجها ليتجه مع بداية الألفية الثالثة إلى الدراما التليفزيونية، وقدم 10مسلسلات منها: (نجمة الجماهير) 2003، (البوابة الثانية) 2009. فى 24 يوليو الماضى تعرض لأزمة صحية نتيجة إصابته بالسرطان وتدخلت الدولة لعلاجة على نفقتها وظل يصارع المرض إلى أن توفاه الله مساء اليوم الجمعة تاركًا لجمهوره ومحبيه أهم أعمالة التى كانت وستظل علامة من علامات السينما المصرية.