مشهدان أثارا تساؤلات عدة وصنعا حالة من الاستهجان الشديد، فمابين شهرين مراوغة، ولقاء قصير دام للحظات حقق مطالب دون عرضها، جاءت المفارقة لتصيب حزب النور بدهشة تحولت إلى مادة خصبة للسخرية من تصرف الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية. ففى آخر يناير الماضى خرج حزب النور السلفى بمبادرة وطنية استطاع لم شمل المعارضة حولها وكسب ثقتهم بثقل طرحه لرأب الصدع للأحداث السياسية المعقدة، ولكن كان لسان حال جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة عليها «بادروا بما شئتم وسنفعل مانريد.. وأفكارنا وأطروحاتنا هى الحل»، وكانت هذه هى المبادرة الداخلية التى تجددت مع كل حدث يصيب البلاد، ووعد الرئيس بالنظر اليها فى كل جلسات حواره مع القوى السياسية إلا أن الأدراج مازالت هى مصير مباردة «النور» التى لم تر النورٍ, مع استمرار عناد الرئاسة فى تحقيقها باسم الحزب السلفى ولكنه يحققها بندا تلو الاخر ولكن عن طريق ابواب خلفية. والمشهد الآخر جاء فى لقاء جمع محمد مرسي مع الممثلة الأعلى للسياستين الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون الأحد الماضى، وخرج الرئيس بمفاجأه أذهلت المعارضة عامة وحزب النور خاصة، نظرا لوعد الرئيس لآشتون بتغيير حكومة قنديل قبل نهاية أبريل مقابل قرض صندوق النقد الدولى، حتى وصل الأمر إلى الوعد بتغيير النائب العام، وهو ما يعنى تنفيذ مبادرة حزب النور الذى جف حلقة لأشهر عديدة، مطالباً بذلك ولكن عن طريق «آشتون», ومن خلال أموال صندوق النقد الدولى التى كانت أكثر اغراء أمام الرئاسة من مبادرات داخلية لم تحقق أرباحاً ومكاسب مادية للإخوان المسلمين. وربما ساهمت تصريحات آشتون وتصرفات الحكومة عقب لقائها بالرئيس استفسارات عديدة، فبعد لقائها مرسى قالت «إن الرئيس سيقدم تنازلات مهمة للمعارضة من أجل الخروج بمصر من هذه الأزمة العنيفة التي تهدد اقتصادها وأمنها ومستقبلها، وفي اليوم التالى شكل رئيس الوزراء لجنة من خبراء قانونيين لإجراء تعديلات على خمس عشرة مادة من مواد الدستور». والشىء بالشىء يذكر أن مبادرة حزب النور كانت قائمة على ما يقرب من 6 محاور أساسية، الأولى كشف الغطاء عن العنف الممنهج والتزام جميع القوى السياسية بالتفريق بين أعمال البلطجة والتظاهر السياسي واحترام شرعية رئيس الجمهورية، والثانية إعادة النظر في بعض مواد الدستور، والثالثة إجراء مصالحة شاملة بين السلطة والأحزاب والسلطة القضائية لتفكيك أي مشاعر سلبية تضر بالوطن ومسيرته، والرابعة إعادة النظر في مسألة النائب العام واستقالة السيد المستشار طلعت عبد الله وتفويض مجلس القضاء الأعلى باختيار نائب عام جديد ليختار الرئيس من بين ثلاثة مقترحات حسب الدستور الجديد، والخامسة النظر في تشكيل حكومة ائتلافية لأن المخاطر والتحديات لا يمكن أن يقوم بها فصيل واحد، والسادسة الدعوة لحوار مع الجماعة الإعلامية للوصول إلى ميثاق شرف إعلامي يميز بين السباب وبين النقد السياسي، وبالنظر إلى هذه المبادرة نجد أن تحقيقها يتم على مراحل بشكل فردى دون اسنادها إلى صاحبتها ففي النقطة السادسة الخاصة بميثاق الشرف الإعلامى نجد الإخوان تعنتوا تجاه حزب النور باستبعاده من مؤتمر ميثاق الشرف الإعلامي الذي دعا إليه وزير الإعلام وحضره رموز مثيرة للجدل وأحزاب هامشية وبعضها تحت التأسيس، بينما حزب النور، صاحب المقترح، تم استبعاده ومنعه من الحضور. والنقطة الثانية في مبادرة حزب النور المتعلقة بتشكيل لجنة لإعادة النظر في مواد الدستور وقد تم تشكيل اللجنة «بعد زيارة اشتون» وليس منذ عرض الفكرة من الجانب الداخلى، وأما الرابعة والخاصة بالنائب العام فالأمر أصبح معلقا بقوة القانون وليس باختيار الرئيس، وعن البند الخامس في مبادرة النور وهي إقالة حكومة قنديل وتشكيل حكومة ائتلافية، يرى قادات حزب النور وآخرون ان الرئيس قرب على الانصياع لهذا المطلب عقب لقائه مع اشتون ومع تصاعد وتيرة الانتقادات. ويرى سياسيون أن الالتزام من جانب الرئيس بمبادرة حزب معارض له كان سيعلى من أسهمه بدلاً من تحقيق نقاطها واحدة وراء الأخرى بقوة القانون أو لقوة المطلب، وكان سيحقق ارضية جماهيرية أفضل مما هو عليه الآن إلا أن العناد يحكمه. وفى السياق نفسه.. هذه المفارقة جعلت المتحدث الرسمى باسم حزب النور نادر بكار يخرج عن لغته الفصحى متحدثاً بالعامية ساخراً من سياسة الرئاسة فى تعاملاتها مع المعارضين لها، قائلا «اعتبرنا آشتون يا سيدى..الرئيس وعد آشتون بتغيير الحكومة مقابل القرض».. استطاعت بزيارة قصيرة وبلقاءٍ واحدٍ فقط إقناع الرئيس بما حاول أن يقنعه به حزب النور وأحزاب جبهة الإنقاذ على مدار شهور ولقاءات مطولة ورحلات مكوكية... وأضاف ساخرا «أعتذر عن هذه المقارنة طبعا، فحزب النور وجبهة الإنقاذ معروفون بالعمالة للخارج وتطبيق أجندات أمريكية أوروبية، أما السيدة آشتون ويمكنك أن تصفها بالحاجَّة آشتون إذا أردت اقناع البسطاء فحريصة على مصلحة الوطن ومشفقة على ما وصل إليه حاله!». وأضاف بكار عبر مقالٍ له: بالتأكيد الرئيس يعلم أن وعده «لآشتون» يختلف تماما عن سائر وعوده السابقة لمختلف شرائح بنى وطنه، فالإخوة الأوروبيون لا يعرفون هزلا أو مزاحا فى أمور كهذه، والسيدة آشتون طالما أنها أمرت.. أقصد اشترطت أعنى نصحت، فهى تعلم يقينا أن رسالتها قد وصلت واضحة المعانى وأن النظام المصرى «المستقل» سيحرص على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع التى تحول بينه وبين تحصيل الاعتبار الأوروبى.. وحاشا لله أن يكون لقرض صندوق النقد أى شروط كما أكد على ذلك رئيس الوزراء مرارا! إنما فقط هى جهود وساطة محمودة من السيدة «آشتون». كما دعا مجموعات اللجان الالكترونية الإخوانية ساخرا إلى استياق الحجج على الشعب فى تبريرهم لما قاله الرئيس لآشتون: فأنا فى شغف كبير وربما الكثيرون يشاركوننى نفس الشعور لسماع آخر ما ستبدعه «آلة التبرير» الإعلامية المرئية أو الفيسبوكية أو التويترية لإقناعنا برؤية الرئيس الثاقبة التى اقتضت ليس فقط ضرورة تغيير الحكومة، بل كيف أنه لن يجد أفضل من الجنزورى ليأتمنه على هذا المنصب بعدما وجد أن تقصير وفشل الحكومة لا يمكن السكوت عليه، بل وصلت أى الرؤية الثاقبة إلى درجة استشعار خطر بقاء النائب العام الحالى فى منصبه!. كما جدد حزب النور السلفي مطالبته بإقالة حكومة الدكتور هشام قنديل، وتشكيل حكومة توافق وطني، مشيراً إلى أن أداء حكومة قنديل مخيب للآمال ولم يحقق ما يريده الشعب من استقرار أمني وسياسي واقتصادي، متهماً الحكومة بعدم الحيادية والتكريس لفصيل معين. وقال الدكتور خالد علم الدين، مستشار رئيس الجمهورية السابق، والقيادي بحزب النور السلفي، إن حكومة الدكتور هشام قنديل غير محترفة وتفتقد الخطة ولم يشعر المواطن منذ توليها بوجود تقدم، لافتاً إلي وجود بعض المعوقات أمام الحكومة وعلي رأسها غياب الاستقرار السياسي لكنها لم تفعل شيئاً لمواجهة ذلك. وأوضح أن الحكومة رغم ما فيها من بعض الكفاءات إلا أن تغييرها أصبح واجباً، مشددا علي ضرورة تشكيل حكومة كفاءات تقوم علي التوافق الوطني والمصالحة الشاملة وبنود معينة تنفذها الحكومة في الفترة القادمة حتى انتخاب مجلس الشعب ليشعر الجميع بحياديتها ويساعدها. وناشد القيادي السلفي الرئيس محمد مرسي بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة أخري بموافقة جبهة الإنقاذ وقوي المعارضة الأخرى حتى يقف الجميع معها ولا يحدث نوع من المقاومة السياسية للحكومة لكنه استبعد أن يحدث ذلك من قبل الرئيس. وأضاف علم الدين دع الرئيس يقبل وساطة آشتون ويحقق الاستقرار فالأهم من ذلك هو النتيجة وليس السبب، وتابع «كنت أتمنى أن تأتى المبادرة بشكل شخصى على الأقل لتكون أفضل من هذا الشكل ولكن الالتزام الحزبى الذى يضع الرئيس نفسه فيه يجعل معارضيه غاضبين منه دوما». الرئيس ملتزم حرفيا بما يخرج عن حزب الحرية والعدالة وهذا مايأتى بالغضب الشعبى، وهذا بحسب علم الدين. كما أكد الدكتور شعبان عبدالعليم أمين حزب النور ببنى سويف وعضو الهيئة العليا تمسكهم بالمبادرة التى أطلقت من الحزب منذ مايزيد علي شهرين قائلا: ما زال الحزب متمسك بمبادرته للم الشمل رغم تصريحات الرئاسة برفضها تغيير النائب العام وإصرارها على استمرار حكومة هشام قنديل، واتوقع التغيير رغم التصريحات الرسمية بسبب مفاوضات خارجية، مضيفا «هذه ليست شروطا مسبقة وإنما هى مباردة فى طريق التفاوض، لأن الحزب ليس طرفا فى صراع وإنما هو ساع فقط فى الحوار البناء من خلال التواصل مع الأحزاب كافة والسلطة أيضا». وكشف عبدالعليم ل«الوفد» تجديد الدعوة لحوار موسع ودائرة مستديرة للتفاوض والحوار مع الأحزاب السياسية، وإعادة الدعوة لجبهة الإنقاذ وحزب الحرية والعدالة وكل الأحزاب, وأشار إلى ماتم مسبقا من عرقلة للحوار الوطنى مع الأحزاب السياسية بسبب تضييق الدعوة على 4 أحزاب فقط بناء على رغبة جبهه الإنقاذ وذلك منذ 3 أسابيع وتجددت الدعوة نظرا للشعور بالخطورة التى تواجه الجميع فضلا عن امتداد الأزمات سياسيا واقتصاديا والدولة التى أصبحت هشة، ويرى أن الأزمة فى استجابة الأطراف المعنية على كل الأصعدة.