غريب وعجيب أمر الدكتور محمد مرسي.. من أين يأتي بكل هذا التفاؤل.. والقدرة المذهلة علي التحليق منفرداً في سماء الأحلام والخيالات؟ هل هو انفصال عن الواقع المر والمصير الخطير الذي تتجه له البلاد.. ويراه العالم كله في الخارج.. بينما ينشغل النظام الحاكم في مصر بمعارك هامشية مع أصابع خفية.. وخلافات مذهبية وفقهية.. وفتح جبهات صراعات عقيمة.. لا تكاد إحداها تهدأ وتخمد.. حتي تنفجر أخري.. لتجر المجتمع كله خلفها في معارك غبية.. كل أطرافها خاسرة ومهزومة؟ أم أنه انعكاس لأمية سياسية.. وانعدام كفاءة.. وغياب للوعي بمفردات وآليات إدارة الحكم الرشيد المدرك لأولويات العمل الذي يلبي احتياجات الناس.. باعتبار أنه نظام قائم علي خدمة مصالح الأمة.. بموجب «عقد» يمنحه المواطنون للحاكم عن طريق صندوق الانتخابات.. ليصير كبيراً للموظفين العموميين في الدولة القائمين علي تحقيق مطالب الشعب واحتياجاته؟ تصريح جديد مثير للدهشة والتساؤل.. أطلقه الدكتور «مرسي» خلال زيارته للسودان ولقائه ممثلي الجالية المصرية في الخرطوم.. أكد فيه قدرة مصر علي حل أزمتها الاقتصادية في غضون 6 أشهر - في حالة تعاون الأصدقاء والأشقاء - وإلا فإنها يمكن حلها خلال 9 أشهر اعتماداً علي سواعد أبناء الوطن!! لماذا 6 أو 9 أشهر؟ لا نعلم.. فالأستاذ الدكتور عالم هندسة المواد الذي يفترض أنه يتحدث بالمنطق العلمي.. القائم علي الحقائق والنظريات والمعطيات والبراهين والمدخلات والمفردات.. لم يفسر لنا «الخلطة السحرية» التي يمتلكها لإقالة البلاد من عثرتها الاقتصادية الخانقة في تسعة أشهر، بينما العالم كله يرانا نسير نحو الإفلاس خلال ثلاثة أشهر فقط!! هل هو برنامج نهضة وهمية جديد.. يكون مصيره مثل سابقه، وغيره من الوعود والعهود والبرامج والأطر الزمنية الخيالية.. التي لم تحقق بعد إطلاقها إلا «صفر كبير»؟! الواضح من تصريح الدكتور مرسي أن هناك قصوراً في فهم طبيعة الأزمة وإدراك حجمها وأبعادها.. وبالتالي العجز عن وضع حلول حقيقية وواقعية لها.. فالرئيس مازال يتحدث عن دور الأصدقاء والأشقاء في الحل.. أو بالأصح دور قروض وودائع هؤلاء الأصدقاء والأشقاء.. لإيجاد حلول «مسكنة» لأزمة نقص السيولة.. وكأننا لم نستوعب درس الوديعة القطرية الوهمية التي لم تصل حتي الآن إلي البنك المركزي.. ولم نجن من ورائها إلا «المعايرة» والأذي. الأخطر والأهم في هذا التصريح هو أنه يعني التجاهل العمدي من جانب الدكتور مرسي، للتوصيف العلمي لطبيعة الأزمة الاقتصادية.. والقائم علي أن كل المشاكل التي يعانيها الاقتصاد.. سواء تراجع الاستثمار.. أو انهيار سعر الصرف.. أو نقص الاحتياطي النقدي.. أو تآكل الموارد والإيرادات.. أو ارتفاع التضخم.. أو تدهور السياحة.. كلها وليدة الأزمة السياسية الطاحنة التي صنعها الرئيس نفسه .. بعناده.. وانقياده لإرادة «العشيرة» ومكتب الارشاد.. مما وضع البلاد في حالة استقطاب حادة.. أدت إلي إغلاق جميع أبواب الحوار بين القوي السياسية المتصارعة.. أضف إلي ذلك حالة الانفلات الأمني العارم الذي يصعب معه التوصل إلي أي حلول ناجعة للأزمتين الاقتصادية والسياسية اللتين وضعتا مستقبل مصر وشعبها في مهب الريح. نقول للدكتور مرسي: إن الأزمة أكبر من ذلك بكثير.. والقول بغير ذلك هو محض استخفاف بحقيقة الأمور.. وإن أي حلول سياسية فاشلة لهذه الأزمة لن يتحمل مسئوليتها إلا أنت وحزبك وجماعتك.. ولن تكون إلا بمثابة صب المزيد من الزيت فوق النيران المشتعلة.. ولن تخرج البلاد من هذا المأزق الخطير إلا بحلول سياسية جذرية.. وشراكة وطنية حقيقية.. دون انفراد بالحكم أو سيطرة علي مفاصل الدولة، ثم يأتي بعد ذلك دور الدولة في وضع وتنفيذ مشروعات انتاجية تعتمد علي تدوير رؤوس الأموال الوطنية.. وجذب الاستثمارات الخارجية.. دون اعتماد علي سياسات الجباية والاقتراض والتسول من الأشقاء والأصدقاء.