أطرف ما تراه فى قضية أحمد قذاف الدم، ان الشعب المصرى رغم احتياجه الشديد لأموال واستثمارات تنتشله من عثرته، إلا أنه يرفض تماما فكرة تسليمه إلى السلطات الليبية، فالقضية لدى العامة قبل النخبة قضية أخلاقية، تسليم من لجأ لمصر هو فعل مشين ويجلب العار للشعب، بعض الشعوب لا تهتم كثيرا بما تقوم به حكوماتها، ولا تنتبه كثيرا لأخلاقيات قراراتها، لكن فى مصر الشعب يفضل ان يجوع ولا يخون من استجار به. والذى يعود لعلاقة مصر التاريخية بالشعب الليبى سيتذكر أول ملك حكم ليبيا بعد تحريرها من الاحتلال، وهو إدريس السنوسى، تاريخ إدريس شديد النصاعة والبياض، بعد أن قامت ايطاليا باحتلال ليبيا هرب مع عائلته إلى مصر عام 1928 ، وفى مصر تزوج ابنة عمه فاطمة السنوسى عام 1930 ، ومن مصر بدأ إدريس نضاله لتحرير بلاده من الاستعمار، حيث تولى رئاسة العائلة السنوسية بعد وفاة والد فاطمة زوجته، وبعد عامين من عودتهما إلى ليبيا اعترفت قوات الاحتلال الإيطالية باستقلال ليبيا وبإدريس حاكما، وفى عام 1951 أعلن السنوسى ليبيا مملكة مستقلة، وعينته الجمعية الوطنية ملكا لها، وأصبحت فاطمة أول ملكة للشعب الليبى، فى أكتوبر 1951، وضع الملك إدريس أول دستور للبلاد وقد تضمن مواد لا نستطيع كتابتها اليوم، وكانت وقتها شديدة التحضر والتقدم، منها:المادة (3): المملكة الليبية جزء من الوطن العربي وقسم من القارة الإفريقية، والمادة (11): الليبيون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي تكافؤ الفرص وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الدين أو المذهب أو العنصر أو اللغة أو الثروة أو النسب أو الآراء السياسية والاجتماعية، والمادة (16): لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه أو تفتيشه إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون، ولا يجوز إطلاقا تعذيب أحد ولا إنزال عقاب مهين به، والمادة (21): حرية الاعتقاد مطلقة وتحترم الدولة جميع الأديان والمذاهب وتكفل لليبيين وللأجانب المقيمين في أرضها حرية العقيدة والقيام بشعائر الأديان على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب. المادة (22):حرية الفكر مكفولة ولكل شخص الإعراب عن رأيه وإذاعته بجميع الطرق والوسائل ولكن لا يجوز إساءة استعمال هذه الحرية فيما يخالف النظام العام أو ينافي الآداب، والمادة (186): اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة. فى عام 1969 قام العقيد القذافى بانقلابه الشهير واستولى على السلطة وحول البلاد من ملكية دستورية إلى جمهورية، وفر السنوسى وزوجته إلى القاهرة التى انطلق منها لتحرير بلاده، واستضافته مصر هو وزوجته فاطمة، وخصص لهما الرئيس عبدالناصر فيلا في منطقة الدقي للإقامة، كما تم تخصيص مبلغ مالي للنفقات، وحاول القذافى مع عبدالناصر تسليمهما ورفض ناصر تماما لماذا؟، لأن أخلاقيات مصر لا تسمح بخيانة من استجار بها، ومات السنوسى وعاشت الملكة فاطمة حتى شهور قريبة، ولم يستطع القذافى او غيره ان يمسها. اليوم الرئيس محمد مرسى الذى جاء من جماعة ترفع شعار الإسلام هو الحل، اتفق مع السلطات الليبية على تسليم القذافى وبعض من استجاروا بمصر مقابل 2 مليار دولار كوديعة، وقد استاء الشعب المصرى لهذا التصرف المعيب، فكيف يخون مرسى العهد؟، لماذا يخون من استجار بمصر؟، هل هذه هى أخلاقيات الإسلام التي وجعت دماغنا بشعاراته أنت وعشيرتك؟، الله يرحم أيامك يا حسنى، صحيح كان فيه فساد، لكن كان فيه دولة وأخلاقيات.