لو أن ثمن الحرية هو التضحية بسيناء فأهلاً بالديكتاتورية التي تحافظ علي كامل تراب الوطن، ولو أن ثمن الحفاظ علي السلطة هو التفريط في أرض الأنبياء فيا حسرة علي ثورة النبلاء، نتعارك في التحرير والمقطم والاتحادية بينما أطراف مصر تتفكك أمام أعيننا، ما الذي ننتظره بعد أن أصدرت إسرائيل تصاريح زيارة للفلسطينيين مدون بها «قطاع غزةوسيناء»؟.. وتبادل الاتهامات بين حركتي فتح وحماس حول وجود مخطط لتوطين الفلسطينيين في سيناء وإقامة إمارة حماس الإسلامية علي أرضها. خاصة ما أعلنه الدكتور جمال محيسن، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، من أن هذه التصاريح تؤكد مخطط حماس لتوطين الفلسطينيين في سيناء وإقامة إمارة حماس الإسلامية علي أرضها، مشيراً إلي أن هناك مفاوضات تجريها حركة حماس للتوصل إلي اتفاق حول إقامة دولة فلسطينية علي حدود مؤقتة برعاية أمريكية». لم يتوقف القيادي الفلسطيني عند ذلك، بل تطرق إلي أن هناك مفاوضات تجري في إحدي الدول العربية للتوافق علي دولة ذات حدود مؤقتة تقام في قطاع غزةوسيناء تسمح لحماس بإقامة إمارتها الخاصة والإبقاء علي الضفة الغربية مجزأة لإقامة مستوطنات إسرائيلية لمنع إقامة دولة فلسطينية علي كامل الأراضي التي احتلت عام 1967. إذا ربطنا هذا بالتناقض الذي وقع فيه اللواء عبدالفتاح حرحور محافظ شمال سيناء ونائبه الإخواني الدكتور عادل قطامش بخصوص ما أثير مؤخراً حول مشروع إنشاء مليون وحدة سكنية بشمال سيناء بالظهير الصحراوي يتبين لنا حجم المأزق الذي نعيشه، ففي الوقت الذي ينفي فيه المحافظ وجود أي أساس للمشروع يؤكد نائبه أن ما حدث هو مجرد تليفون وفقط وطلبنا من صاحب المشروع أن يحضر لدراسة العرض وحتي تاريخه لم نر الشخص، وذلك عطفاً علي ما نشر من أن شركة مصرية بريطانية، تسمي «صحاري» يملكها رجل أعمال مصري عرضت بناء وتشييد مليون وحدة سكنية في سيناء تحت مسمي «مدينة النهضة». يذكرنا هذا بالدراسة التي أصدرها معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدني» وفي يناير 2012 بعنوان «ثقب سيناء الأسود»، التي قال فيها إن سيناء - بعد انسحاب إسرائيل من غزة في 2005 - تحولت إلي «بقعة ساخنة» جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي المعقد، مع بنية تحتية إرهابية تجعل منها جبهة محتملة للمواجهة، خصوصاً بعد اندلاع الثورة المصرية في2011.. وسيناء في عرف هذه الدراسة أصبحت ثقباً أسود يهدد بابتلاع مثلث السلام بين مصر وإسرائيل والأردن. وفي المقابل يعزف «معهد واشنطن» علي نفس الوتر ملمحاً إلي أن سيناء بدأت تبدو كأنها امتداد لقطاع غزة، نتيجة تقارب العلاقات العسكرية والسياسية والأيديولوجية والاقتصادية بين القطاع وأهالي سيناء. وأضاف: «تخاذل السلطات المصرية في تأكيد سيطرتها علي شبه الجزيرة، شجع حماس علي التمدد في سيناء، واعتبارها فناء خلفيا ومنطقة نفوذ لها، وأقامت قنوات تواصل مختلفة مع أهالي سيناء، وبمرور الوقت اكتسبت حماس ثقة متزايدة في قدرتها علي الحركة والعمل والمناورة داخل شبه الجزيرة». وفي يوليو 2012 أصدر الجيش الإسرائيلي تقريراً عن سيناء، وصفها فيه ب«الثقب الأسود».. وتابع التقرير، الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن شبه جزيرة سيناء أصبحت «أرضاً بلا صاحب» أو«شبه ثقب أسود»، وتمثل مشكلة أمنية أضخم علي أمن إسرائيل والمنطقة من قطاع غزة؛ لأن غزة، حسب التقرير، تحكمها عدة جماعات معروفة ومنظمة مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، يمكن مراقبتها وتتبع مصادر تمويلها، أما سيناء فتحكمها مجموعات عصابية شتي لا رابط بينها، ويصعب تحديد هوياتها وتتبع مصادر تمويلها. ومسألة الثقب الأسود هذه تنسب في الأصل إلي معهدين أمريكيين، هما «موينيهان للشئون العالمية» و«الأمن القومي ومكافحة الإرهاب»، شغلهما الشاغل هو رصد تلك الثقوب حول العالم، ورسم خريطة لها يجري تحديثها سنويا، وطبقا لأحدث خريطة للمعهدين المتخصصين في الدراسات الأمنية، اللذين بدأ مشروعهما عام 2007، فإن هناك 130 ثقباً أسود حول العالم، من أشهرها: مناطق القبائل بين باكستان وأفغانستان، التي كانت تأوي زعيم القاعدة أسامة بن لادن وعناصر من حركة طالبان وجماعات مسلحة أخري، و«أوسيتيا الجنوبية» المتنازع عليها بين جورجيا وروسيا، وكانت ميدانا لصراع مسلح بين الدولتين عام 2008، وهناك أيضاً منطقة «شيتومال» في أمريكا الشمالية، ومنطقة «المخروط الجنوبي» و«غابة دارين» في أمريكا الجنوبية، و«غرب دارفور» في السودان، وانضمت شبه جزيرة سيناء إلي القائمة في 2010. والقضية هنا لن تتوقف عند حدود ما تدعيه إسرائيل من ملاحقة عناصر مسلحة، فسيناء في عيون صناع القرار الإسرائيلي منجم إستراتيجي لحل القضية الفلسطينية، لقد مات بيجين مكتئبا بعد أن وقع علي معاهدة السلام التي أقرت الانسحاب منها، وسبق لوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان أن قال إن شرم الشيخ وحدها أهم من معاهدة سلام مع مصر. والأخطر من كل ذلك، هو ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن تايمز» عن أن وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» تحقق في تقارير تدور حول صفقة الرئيس مرسي مع حماس لتوطين الفلسطينيين في سيناء وتوثيق التعاون مع الحركة، وتناولت الصحيفة عدة وثائق نشرتها صحيفة مصرية في فبراير الماضي حول تعاون نظام «مرسي» مع «حماس»، وقيام الجناح العسكري لحماس بحماية النظام الحالي من معارضيه. هذه التطورات المرعبة لا تحتاج مجرد نفي من هنا وتصحيح من هناك، وإنما تحتاج إلي إجراءات عملية عاجلة للنهوض بسيناء وتعميرها بالمصريين حتي لا تصبح مطمعاً لكل من «هب ودب».