الخطوات وشروط القبول.. مصاريف الجامعات الأهلية 2025    جاكلين عازر تهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء المحافظة    القومي للمرأة يهنئ اللواء منال عاطف على تجديد الثقة مساعدا لوزير الداخلية    رئيس جامعة المنوفية يترأس اجتماع لجنة المنشآت الجامعية    وزير الصحة يعتمد حركة مديري ووكلاء المديريات بالمحافظات    تراجع أسعار الذهب عالميا بسبب انحسار المخاطر الجيوسياسية وتحسن بيانات الاقتصاد الأمريكي    توجيهات حاسمة من السيسي ل كامل الوزير بحضور مدبولي    غدا.. انطلاق المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بنيويورك    «العربية لحقوق الإنسان» تدين القرصنة البحرية الإسرائيلية ضد السفينة حنظلة    هاني سعيد: بيراميدز يختتم معسكره الأوروبي بمواجهة بطل الدوري الإيراني    الأهلي يغادر تونس بعد انتهاء معسكره في طبرقة (صور)    جواو فيليكس يقترب من مغامرة جديدة في السعودية    محافظ أسيوط يتفقد موقع انهيار منزل ويوجه بدعم الأسر المتضررة فوراً    ضبط المتهم بقتل شاب بسبب الخلاف على أولوية المرور في الغربية    سائق يتحرش بسيدة أثناء سيرها بشوارع العاصمة.. والأمن يتدخل    الأرصاد تحذر من أجواء شديدة الحرارة حتي الثلاثاء .. والقاهرة فى الظل 41 درجة    الإعدام شنقا للحام قتل شخصا بعدة طعنات بالقليوبية    يوحنا وليم :لا يشغلنى كسر التابوهات    تامر حسني يكشف كواليس آخر لحظة في ألبوم «لينا ميعاد»    ريم أحمد: «الأمومة غيرتني وابنتي في صدارة أولوياتي»| خاص    الناطق باسم أونروا: لا يمكن توزيع المساعدات فى قطاع غزة دون الوكالة    أجندة فعاليات «قصور الثقافة» الأسبوعية.. انطلاق «صيف بلدنا» و3 عروض بالمهرجان القومي للمسرح    الأمن يكشف غموض خطف طفل من القاهرة وظهوره فى الصعيد    تموين سوهاج: توريد 184 ألف طن قمح للصوامع والشون منذ بدء الموسم    محافظ أسوان يكلف معاونه ومسئولي الوحدات المحلية بمتابعة تجهيز 190 لجنة انتخابية    وزيرة التخطيط ونظيرتها بجنوب أفريقيا تؤكدان أهمية التوسع بمشروعات البنية التحتية بالقارة السمراء    منتخب مصر يواجه أنجولا في بطولة أفريقيا لسيدات كرة السلة    تحذير دولي صارخ.. صحيفة إسبانية: الجوع يفتك بسكان غزة وسط شح الغذاء والماء    إطلاق حملة توعوية من المركز القومي للبحوث للتعريف بالأمراض الوراثية    طلاب «المنح الدولية» مهددون بالطرد    رغبة يوسف تصطدم بتحفّظ ريبيرو.. تطورات مفاوضات الأهلي مع كوكا (تفاصيل)    البقاء أم الرحيل.. شوبير يكشف مطالب عبد المجيد من أجل الإستمرار مع الزمالك    الأحزاب فى اختبار الشعبية بالشارع    في ذكري وفاة رشدي أباظة .. دخوله التمثيل كان بسبب صداقته لأحمد رمزي وعمر الشريف    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا    وزارة الصحة توجة نصائح هامة للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    ضبط 118709 مخالفات مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزير الثقافة: نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر    استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف خيام واستهداف منتظري المساعدات بغزة    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    سويلم: إزالة 87 ألف تعد على النيل منذ 2015 ومواصلة مكافحة ورد النيل    شعبة الذهب والمعادن تستعد لصياغة استراتيجية لإحياء صناعة الفضة فى مصر    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأحد    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    محافظ سوهاج يناقش الموقف التنفيذي لإنشاء وتطوير 11 مستشفى    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»| الأحد 27 يوليو    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسيرة و المسار و المحصلة
الرفيق الشهيد الرمز شكري بلعيد و فضاءات الفعل السياسي :
نشر في الوفد يوم 30 - 03 - 2013

لقد أشرنا في العدد السابق لمجلة الفكرية ( العدد السابع جانفي فيفري 2013 ) و في مقال تعلّق بعلاقة الرفيق الشهيد بالحركة الطلابية إلى هذا التلاحم الكبير بين الرفيق الشهيد و الحركة ، حركة الجماهير و حركة الواقع والحراك السياسي والنقابي والثقافي والجمعياتي المدني ..
و بالفعل فقد صهرت تجربة الرفيق الشهيد في الحركة الطلابية شخصيته و إمكاناته النظرية و السياسية والتنظيمية، و هي ذات التجربة التي تركزت و نضجت في مستويين أساسيين، الاتحاد العام لطلبة تونس والوطنيين الديمقراطيين بالجامعة ، اللتان تعتبران مجالا تنظيميا سياسيا و مجالا منظماتيا نقابيا وظيفتهما الأساسية تدريب المناضلين و تربيتهم على التعاطي مع الجماهير و قيادتها و تنظيمها و تهيئتها لخوض معاركها و الدفاع عن مطالبها و مصالحها ، إطار عام للعمل و الفعل السياسي و التنظيمي مهمّته الأساسية تهيئة كوادر الحركة الشعبية لاحقا ، كوادرا تربّت في معمعان الصراع والمواجهات المفتوحة مع أعداء الحركة والجماهير ، تنوعت فيها الأشكال النضالية كما آلياته و وسائله و تنوعت مع ذلك المهام والتكتيكات ومستويات العمل وحقوله ، روعيت فيه إمكانيات الجماهير و قدراتها و استعداداتها و درجة وعيها و طرحت عليها مهام ملائمة لذلك متلائمة معها ممكنة و راهنة .. تجربة شارك فيها الرفيق بإقتدار لامتناهي ، و هو تجربة و تصوّر للعمل السياسي و العلاقة بالجماهير تختلف تماما عمن تمترسوا بالغرف المغلقة و عزلوا أنفسهم عن الجماهير بتعلّة السريّة و اختصّوا في التآمر مكتفين بمراقبة الجماهير و هي تخوض تجربتها العفوية بدل التقدّم لقيادتها واضعين كلّ شكل علني للعمل مع الجماهير في خانة الليبرالية ؟؟ مراهنين على قيادتها سرّا ؟؟ ( هؤلاء لا يمكن راهنا انتظار دورا قياديا متقدّما منهم ففاقد الشيء لا يعطيه ) .. و في الاتجاه المعاكس تماما اختار الرفيق الشهيد و من ورائه رفاقه في الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة ، كما في اليسار التقدمي الطلابي الفاعل و النشط ، العمل على قيادة الجماهير و تحديد السقف السياسي للحركة الطلابيّة في مراحل الجزر كما مراحل المدّ و في مراحل القمع المطلق كما في مراحل المواجهة المفتوحة متحسسين لكلّ منعطفاتها و اتجاهاتها و لحظاتها المفصليّة التاريخية ... و لعلّ آخر المعارك التي خاضها الرفيق الشهيد في الجامعة، على رأس الوطنيين الديمقرطيين بالجامعة و الحركة الطلابية، هي معركة انتصار جماهيرنا الطلابية لجماهير شعبنا العربي في العراق في مقاومة و ردّ الاحتلال الإمبريالي العسكري إبّان حرب الخليج الأولى ، هو في جوهره إنتصار الحركة الطلابية لماهيتها التقدميّة و الديمقراطية، بإعتبارها حركة شبيبة تقدميّة مناهضة للإمبريالية، و لدورها الوطني المفاوم و الرافض لكلّ أشكال الهيمنة و الإستعمار ، كما كان الرفيق الشهيد و من ورائه جميع رفاقه يصرّون عليه ، لقد كان يؤكّد على ضرورة المسك بالرئيسي في المعركة : مقاومة الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة ، ضدّ موقف يمين ديني سعى حينها إلى صرف الجماهير عن معاركها الوطنية و القوميّة و الزجّ بها في معاركها الحزبية الضيّقة تتعلق بتأشيرتهم الحزبيّة و حقهم في التداول على السلطة من داخل النظام القائم ، أو ضدّ المترددين و المرتبكين حينها و الذين برّروا الوجود العسكري الأمريكي و الإمبريالي بضمّ العراق للكويت ... لذلك كان صوت الرفيق الشهيد حينها و من ورائه جميع رفاقه مجلجلا و حازما رافعين شعارا للفرز و الحسم : من مع الضمّ مع العراق و من ضدّ الضمّ ضدّ العراق : لا خيار .. ليكون هذا الشعار ضدّ اليمين الديني المرتبط سرّا و علنا بالسعوديّة و الكوسيت و المناصر للتدخل العسكري الأجنبي ، ضدّ المتدثرين برداء الديمقراطية الغربية والشرعيّة الدوليّة و المناصرين لديمقراطية تأتي على ظهور الدبابات ، و هو الموقف الذي عبّر عنه بوضوح الدكتور المنصف المرزوقي حينها و الكثير من النخب الغربية الهوى ...
هذه المعركة سيعيش الرفيق الشهيد تفاصيلها حين ينتقل إلى أرض المعركة : العراق .. معركة هامّة في حياته الشخصيّة كما في حياته النضالية ، و واحدة من المراحل التي شكلت منعرجات هامّة في حياة الرفيق الشهيد سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى السياسي و النضالي العام ...

بغداد ... المعركة و الملحمة ...
انتقل إليها الرفيق مباشرة بعد مغادرة الجامعة التونسيّة متخرّجا من معاركها و ساحات نضاله و " حجرة سقراط " و تجربة تنظيميّة هو ابنها و أحد منشئيها .. محرزا كلّ شهادات النضال و الأوسمة كواحد من أنجب تلاميذتها و أهمّ معلميها و ملهميها ، و ليغيّر إتجاه دفّة السفينة من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه و من ضيق القطر إلى إتساع أفق الوطن ، تغيير في مواقع النضال صاحبه تغيير في الإختصاص من العلوم إلى الحقوق ، و هو المفتون أبدا بالدفاع عن حقوق الشعب و الطبقات المفقرة و المضطهدة ليسجل كطالب بأحد جامعات بغداد ، و لكن ليس كما تدخلها الطلبة ، فهو المتخرّج من مدرسة المقاومة و النضال في الحركة الطلابية في تونس ، ليأخذ معه زاده و إرثه و خبراته و إمكاناته النضالية و النظرية و السياسية ، و يدخل بغداد " النائمة على عرشها المستطاب " ( كما قال عنها في قصيدته : قم يا حسين العلم ) و كأنه المنادي في نفس القصيدة " ها أنا حمدان يأتي على فرس من غضب ... " لينخرط في معركة بغداد ضدّ تتار العصر محاورا مناقشا محرّضا مدعما ، و ليدبّج المقالات التحليليّة المطوّلة و ينشر في العديد من الجرائد و المجلات منها جريدة الجمهورية و الثورة و غيرهما ... كتابات و مناظرات عمّقت قراءاته للمسألة القومية و طوّرتها ، و أضافت لتجاربه السابقة " تجربة بغداد " ليقوم هو بينهما و كأنّه " جسر الرؤى بين ملحمتين " ... منتصرا للعراق جزء عزيز من الوطن العربي و جزء أصيل من الشعب العربي ، وطن و شعب كان لا يرى له مستقبلا خارج وحدته على قاعدة ثورية تقدميّة مناضلة ... هذه التجربة كان لها تأثيران أساسيان ، أوّلهما دخول مهنة المحاماة بعد حصوله على الإجازة في الحقوق من بغداد ثمّ الماجستير من فرنسا ، و هي المهنة التي ستمكنه من دخول باب السياسة من أحد أهمّ أبوابها ، و ثانيهم تطوير خبراته و إمكاناته النظرية و السياسية و توسيع دائرة علاقاته على المستوى القومي منها خاصّة .... حجم جديد ينفتح به من جديد على الساحة السياسية في تونس و الذي عرف تواصلا و تعاطيا مستمرّا ، مؤثرا و متأثرا ، متحسسا لتقلباتها متفاعلا مع أحداثها و مبادراتها لتشهد عدّة محطات نقدّر أنّها بارزة ... وهي المحطات التي سنقف عند أهمّها – أو التي نراها كذلك – مرتبينها بحسب تسلسلها التاريخي من دون أن يعني ذلك إعطاء محطّة ما أولوية على أخرى ...
( 1 )
من أجل بديل ديمقراطي شعبي – من أجل الجمهوريّة الديمقراطيّة :
هو عنوان مبادرة مطوّلة للرفيق الشهيد شكري بلعيد ، وردت في خمس صفحات ، وُزّعت في جانفي 2001 و أمضاها باسمه الشخصي ، وهي مبادرة تأتي في إطار الحراك السياسي و المدني الذي شهدته تونس في ذلك الوقت ، و خصوصا في الساحة السياسية اليسارية و الديمقراطيّة عامّة و ما شهدته من مبادرات عديدة كان – بحسب الرفيق الشهيد – " يجمع بينها عنوانها أي بالحريّات و الديمقراطيّة و حقوق الإنسان ... " ( نص المبادرة ص 3 ) و لكن الرفيق الشهيد قدّر أنها مبادرات تميّزت بمنزعين إثنين أوّلهما " نزعة تجميعيّة لا تستثني أحدا منفتحة على اليمين الديني الطائفي و على ما يسمّى بالبورقيبية .. يشخصون المعركة و أطرافها تحت يافطة مقاومة الديكتاتورية في إطار تحسين شروط تفاوضه و موقعه من أجل السعي للمشاركة في السلطة .. "(ص3) و ثانيهما تركيز هذا التوجّه على " أنّ عناصر و عوامل التغيير و مفاتيحها بيد الفوى الأجنبية بشكل رئيسي " لذلك " ... يراهن أصحابها على أهميّة الضغوط الخارجيّة و خاصّة تلك الصادرة على الدول الإمبريالية الكبرى ( فرنسا – USA ) " (ص3) ليؤكّد على أنّ " هذين المنزعين تميّزا بكونهما قدما قائمة طويلة بالمطالب الديمقراطية في بعدها السياسي مع تغييب لأيّ مضمون اجتماعي أو تحديد طبقي .. " (ص4) . الأمر الذي دفعه حينها لصيغة مبادرته المذكورة أعلاه ، مستهلّها بتفصيل الحديث في "عناصر المسار النوفمبري " و جوهره و جوهر خياراته اللاّديمقراطيّة و اللاّشعبية (ص1) مارّا إلى تشخيص الوضع الراهن ساعتها مشيرا إلى ".. استشراء حالة الفساد و الإفساد التي تعيشها السلطة ممّا أدّى إلى تقلّص قاعدتها الاجتماعيّة و عزلتها السياسية تحت وطأة الأزمة العامّة التي دخل فيها النظام – إعادة إنتاج مأزومة لإحتكارية السلطة – بولسة المجتمع و الدولة – العمل على تشويه الهويّة العربية الإسلاميّة ..." (ص2) الأمر الذي ".. أدّى إلى حالة غليان شعبي متزايد و ضغط سياسي داخلي متنامي و ضغط خارجي مزدوج .. " (ص3) و هو ما كان على المبادرات المطروحة – من وجهة نظر الرفيق الشهيد – أن تقوم أساسا على أنّ " .. جوهر المسألة و الصراع هو كونه صراع وطني طبقي و أن السلطة القائمة سلطة البرجوازية الكمبرادورية معادية للديمقراطيّة في مقوّماتها و وجودها و مسارها و مصيرها ، في بنيتها و وظائفها .." (ص4) بحيث لا يمكن أن يرجى منها تحوّل باتجاه ديمقراطي و لو شكلي ، بقدر ما أن الأمر موكول للشعب أساسا و لمسؤولية نخبة في أن يقدموا له البديل الثوري التقدمي الملائم و الممكن ، و عليه يؤكّد الرفيق الشهيد على " .. الأساس و القاعدة في طرح القضيّة الديمقراطيّة في وحدة ترابطها مع القضيّة الوطنيّة حيث لا يمكن أن تنفصل فيها المطالب في وحدة ترابطها .. " (ص4) و عليه طرح مبادرته من أجل الجمهورية الديمقراطية " .. مجسّدة في دستور جديد ديمقراطي شعبي يكرّس السيادة للشعب .. السيادة الوطنية ... علمانية المجتمع و لائكيّة الدولة .. يحمي الحرية السياسيّة للشعب .. "(ص4) و الضامن الوحيد لذلك ".. هو حكومة وطنيّة مؤقتة تفرزها انتفاضة شعبية مهمّتها توفير ضمانات إنجاح المسار الديمقراطي .."(ص5) و إنّ هكذا مهامّ لا يمكن تنفيذها من دون حلف طبقي شعبي عريض تكرّسه ".. جبهة ديمقراطيّة موحّدة .. و تبلور برنامجه السياسي و توحّد خطّ نضاله .. " (ص5)
لقد كانت هذه مواقفه المعبّرة عنه في جانفي 2001 – و قد يكون من أوّل المنادين بدستور جديد للبلاد يكرّس السيادة الشعبية – و التي شخّص فيها الأزمة على أنّها تتعدّى حدود السياسي و الحقوقي الديمقراطي العام ، بل تجد جوهرها في الطبيعة الطبقية الطفيليّة اللاّديمقرطيّة و المرتهنة أساسا للخارج ، من ناحيّة ، ومن ناحيّة ثانيّة فإنّ ".. حالة النهوض المتناميّة و المتصاعدة في السنين الأخيرة مازالت رهينة عفويتها في مستوى حركيتها السياسية و غياب قطب يساري تقدّمي مستقلّ .. " (ص3) لذلك كانت مبادرته حينها مساهمة جديّة في فهم طبيعة الأزمة و جذورها و من ثمّة تحديد البدئل و الإنتقال من مستوى الشعار إلى ممارسة الشعار ..

( 2 )
القراءة التقييميّة في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل :
المحطة الثانيّة المهمّة في اسهامات الرفيق الشهيد في الساحة السياسية و المدنيّة في تونس ، هي محطة المؤتمر الإستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل ، و هو المؤتمر المنعقد في فيفري 2002 بجربة تحت عنوان " مؤتمر التصحيح " ليصوغ الرفيق الشهيد قراءة تقييميّة مسار انعقاده و دوافعه و شعاراته و المهام التي ألقاها على نفسه و نتائجه و مضامينه و هي دراسة عنونها ب:" المؤتمر الإستثنائي : تصحيح أم ترتيب البيت البيروقراطي " مكتوبة بخط اليد في 43 صفحة أجاب فيها أساسا على جملة من الأسئلة / المحدّدات التي طرحها في بداية الدراسة و منها : " هل أنجز التصحيح النقابي في هذا المؤتمر ؟ ما هو مضمون التصحيح ؟ ما هي الخيارات و القوى المستهدفة بهذا التصحيح ؟ في علاقة بشعار مصالحة المنظمة مع تاريخها و ثوابتها فعن أيّ ثوابت نتحدث و عن جانب من تاريخ المنظمة نتكلم و نعني ؟ هل الجانب التقدمي الاستقلالي النضالي القاطع مع السلطة و خيارات السلطة ..أم الجانب التبعي التذيّلي للسلطة ؟ كيف ينجز التصحيح ، هل بدون الخوض في حوار و صراع علني شامل و صريح و مفتوح يتمّ أمام جميع مكوّنات الحركة النقابية و خاصّة أصحاب المصلحة الحقيقية في التصحيح الحقيقي أيّ العمال و عموم الأجراء ؟ أم بدون تقييم جدّي و شامل لكامل المرحلة السابقة ؟ أم بالقفز و بعدم التحديد الدقيق و الواضح للمسؤوليات ؟ من ينجز التصحيح ؟ ما المقصود بالوحدة النقابية ؟ ما المقصود بالوفاق النقابي ؟ هل نجح المؤتمر في تحديد هويّة إ ع ت ش ، ما موقف الاتحاد من الصراع الدائر رحاه حول المسألة الديمقراطية و قضيّة الحريات بالبلاد ؟ و عليه الموقع و الموقف من أطرافها ؟ أيّ دور للسلطة و حزب السلطة في هذا المؤتمر ؟ ( ص 1/ 2/ 3 ) هي الأسئلة / المحدّدات التي تمتدّ على الثلاث صفحات الأولى و التي تشي باتجاهات هذه القراءة لتشكّل مدخلا سياسيا و نظريا لها ، أسئلة قال عنها الرفيق الشهيد " .. إنّ هذه الأسئلة / المحدّدات ليست بريئة تماما " (ص3) و هي كذلك لأنها " تحيل على الفضاء العام الذي يتنزّل فيه المؤتمر الاستثنائي و على الأسس و الآليات التي هيّأت لإنجازه في مستواها السياسي و التنظيمي و في مستواها الهيكلي و المضموني ... و هي ليست بريئة تماما لأنها ترفض الحياد الكاذب و تعلن منذ البدئ إنتماءها الواضح و الصريح موقعا و موقفا و إلتزاما للتيار الوطني الديمقراطي عموما و للوطنيين الديمقراطيين خصوصا " (ص3) و على إمتداد باقي القراءة يقدّم الرفيق الشهيد تحليلا و قراءة تتجاوز حدود المؤتمر الإستثنائي لتقدّم فهم الوطنيين الديمقراطيين للمنظمة النقابية موقفا و دورا ماهيّة و مهاما هيكلة و مضمونا ليقف أساسا على :
- مفهوم التصحيح النقابي واقفا على إنقلاب القيادة الجديدة – حينها – على شعار المؤتمر و منذ جلسة الإفتتاح معتبرا الهروب من التقييم هو " هروب من المحاسبة القاعديّة الشاملة و من التقييم الجدّي .. " (ص5)
- مفهوم الاستقلالية النقابية في بعدها المضموني النضالي و في تناقض مع ما أبدته البيروقراطية النقابية من تذيّل للسلطة و للحزب الحاكم و تأكيدها على ".. أنّ الاتحاد منخرط في ثوابت النظام و سياساته الرئيسيّة " (ص7)
- الديمقراطيّة رابطا هذه القضيّة بمعركة الحريات العامّة في البلاد مشيرا إلى تخلي البيروقراطيّة النقابية عن هذه المعركة بل تصديّها لكلّ محاولة لدمقرطة المنظمة واقفا على أهمّ تمظهرات ذلك سواء على مستوى المنظمة أو على المستوى القُطري السياسي و المدني ... (ص9/10)
- الوحدة النقابية و الوفاق النقابي (ص12) النضالية و البرنامج المطلبي (ص13) تقييم نتائج المؤتمر في المستوى المضموني (ص19) ليقف مطوّلا عند هذه النقطة عند التقرير الاقتصادي و الاجتماعي للمنظمة المقترح في المؤتمر الاستثنائي معتبرا إيّاه " أسير التصوّر التعديلي لسياسات الدولة و لم يقطع معها حيث أنه لم يطرح جديّا الخيارات الجوهرية لدولة الإستعمار الجديد ... بل حاول التنويع عليها بالمقترحات المتعلقة بالنتائج المترتبة عن تلك الخيارات .." (ص21) ليتعرّض لاحقا للتركيبة و القيادة - قراءة في مواقف و مواقع القوى الفاعلة في المؤتمر – لينتهي إلى تحليل معمّق لموقف التيّار الوطني الديمقراطي من المنظمة الشغيلة و دوره فيها و مهامه و آليات عمله الممكنة ... ( ص ص 32-43 )
( 3 )
المحطة الموالية كانت واحدة من المحطات التنظيميّة التي سيخوضها الرفيق الشهيد ، و قد تركزت أساسا حول مسار الدعوة القائمة حينها لبناء حزب الوطنيين الديمقراطيين و الفضاء العام الذي حفّ ببناء " حزب العمل الوطني الديمقراطي " آلياته مضامينه و نتائجه الحاصلة ، ليكتب ردّا على المبادرة في إطار دراسة تحليلية إمتدت على 20 صفحة و عنونها ب " في الردّ على مشروع مبادرة حزب العمل الوطني الديمقراطي " و قد حملت تاريخ 24/12/2004 و التي أشار فيها أساسا :
- " نقاش مضمون التنظم من هويّة الحزب و مرجعيته و برنامجه السياسي يجب أن يكون على أوسع نطاق ممكن بين المناضلات و المناضلين " (ص2/3) لأن هكذا نقاش و حوار و صراع هو القاعدة الحقيقية لعملية التعبئة و الفرز السياسي و الفكري و التنظيمي .. علاوة على ذلك أشار إلى ضرورة " أن يكون هذا الحوار و النقاش مكتوبا و موثقا ... " (ص2)
- قضيّة القانونية و تقديم مطلب تأشيرة - و التي قدّم فيها الرفيق الشهيد موقفا نقديا لاذعا جدّا – و قد تمسّك بها " جماعة حزب العمل و اعتبروها ( حينها ) شرطا أوّليا لكلّ نقاش .." (ص3) مميّزا في ذات السياق بين السريّة و العلنيّة و بين القانونيّة ..
- نقد الطرح المشوّه الذي تقدّم به " جماعة حزب العمل " لتاريخ الخط الوطني الديمقراطي و واقعه (ص6) منتهيا في الصفحة السابعة إلى اعتبار أن جماعة حزب العمل الوطني الديمقراطي ليست سوى إمتدادا للشعلة و التي لا علاقة لها أصلا - لا من حيث النشأة و لا من حيث المضمون - بالخط الوطني الديمقراطي المعبّر عن نفسه علنا في 23 أفريل 1975 من خلال " البيان السياسي لحركة الطلبة الوطنيين الديمقراطيون بالجامعة " و هي ذاتها الشعلة التي ستجد تمظهراتها في ما بعد في لجان المبادرة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل (ص7) ...
- الإشارة إلى موقف الجماعة من نظام 7/11 و ذلك من خلال " غياب لأيّ تحليل أو تحديد طبقي لنظام الحكم في تونس بعد قيام دولة الإستعمار الجديد فلا نجد و لو بالإشارة المضمون الطبقي للدولة و لم يقل لنا الجماعة من تمثل هذه السلطة ... " (ص6)
ليتواصل تحليل الرفيق الشهيد لهذه المبادرة والردّ عليها في مستوى مراجعها الفكرية و برنامجها السياسي و قراءتهم للمرحلة الجديدة و المهام المطروحة كما في الردّ على " القانون الأساسي لحزب العمل " (ص12) مرورا بتسميّة الحزب و تعريف الجماعة لحزبهم فأهداف حزب العمل " (ص14/15) منتهيا في الصفحة 16 للقول " إذن نحن أمام خطاب عائم مائع متفسّخ يحمل في طيّاته القطع مع المنظومة الماركسيّة اللينينيّة و الوقوف على أرض ليبرالية بحتة ذلك أن المطالب الواردة أعلاه شكلت الأدنى المشترك و لا يمكن أن تكون هي الأساس الذي يتأسس عليه حزب الطبقة العاملة ." معتبرا في ختام ردّه أن الوطد يعملون بإخلاص و جدّ من أجل خوض النقاش و الصراع البنّاء حول هذه القضيّة و " يعتبرون هذا الكرّاس / الردّ مقدمة و إطارا لها بعيدا ثقافة الزوايا المظلمة و الإفتراءات المغرضة ." (ص20)
( 4 )
تأتي بعد ذلك مجموعة من النشاطات و المساهمات و المشاركة في العمل السياسي والجمعياتي في تونس منها البيان الصادر في 2005 على هامش إحتفال " الطغمة الحاكمة بالذكرى 18 لإنقلابها " و هو بيان صادر بمبادرة من " يساريين مستقلين + مجموعة من الشيوعيين الثوريين + الوطنيون الديمقراطيون " و قد أمضى عليه الرفيق الشهيد بصفته محاميا و الرفيق عبد الناصر العويني بصفته طالبا ... ليتواصل نشاطه و عمله السياسي سواء من خلال مهنته كمحامٍ أو بصفته السياسية كواحد من أبرز وجوه الوطنيين الديمقراطيين و رموزه ليجد حضوره اللافت في الدفاع على أبناء التيار السلفي المحاكمين تحت طائلة قانون الإرهاب ( وهو الأمر الذي لم يجرأ عليه محامي النهضة حينها ) كما حضوره الأبرز في الدفاع على أبناء الحوض المنجمي المعتفلين على خلفية تحركاتهم و احتجاجاتهم مطالبين بحقهم المشروع في التنميّة و التشغيل وفي نصيب جهتهم من الثروة و من نتاج الثروة الوطنية ، هذه الانتفاضة بما رفعته من شعارات و ما نادت به من مطالب و قدّمته من تصوّرات و ما شهدته من تنامي و إتساع و تواصل و تنوّع في أشكال النضال و صمود .. كان قد مثل الأرصيّة النضاليّة الفعليّة و المقدّمة التاريخية لهبّة جماهير شعبنا إبّان ثورته العارمة لا حقا ، و إنّ إنخراط الرفيق الشهيد في هذه المعركة كما في جلّ المعارك السابقة ، سيمكّنه من أن يكون على أتمّ الجهوزيّة إبّان ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي و منذ إنطلاق شرارتها الأولى كمحامي رفقة العديد من زملائه المحامين الذين لعبوا دورا متميّزا سواء في دفع الانتفاضة إلى أقصاها و تحقيق أفقها الثوري و رسم سقف مطالبها السياسية ، أو بما شكلوه من سند و دعم معنوي و سياسي هائل لجماهير شعبنا المنتفضة .. و ليكون الرفيق الشهيد واحدا من أبرز قادتها و ليكون - مرّة أخرى – من أوّل المنادين بضرورة حلّ مجلس النواب و أنتخاب جمعيّة تأسيسية تصوغ دستورا جديدا للبلاد ، كما نادى بالصوت العالي المعهود بضرورة حلّ التجمّع الدستوري الديمقراطي و مصادرة جميع أملاكه و أمواله و تأميمها لصالح الدولة بإعتبارها أموال الشعب و ممتلكاته التي نهبت منه ، ثمّ مباشرة و بعيد هروب المخلوع إلى إصدار بيان بتاريخ 19 / 01 / 2011 – كان قد ناقش محتواه مع مجموعة محدودة من الرفاق – بيان يحمل و لأوّل مرّة إمضاء حركة الوطنيون الديمقراطين / الناطق الرسمي شكري بلعيد ، و عنوانه " لنحمي ثورة الحريّة لنتصدّى للإنقلاب " وقعت الإشارة فيه إلى الإنقلاب الحاصل على الثورة و الدعوة إلى " الإعداد لتنظيم إنتخابات حرّة ديمقراطية ... لمجلس تأسيسي يكون دوره الأساسي إنجاز دستور ديمقراطي جديد " إلى غير ذلك من النقاط الواردة فيه ، يلي ذلك المساهمة في تأسيس جبهة 14 جانفي و ذلك في إطار بيان صادر بتاريخ 20 جانفي 2011 ( ضمت في بدايتها 8 أحزاب و حركات يساريّة حددت لنفسها 14 مهمّة إعتبرتها " المهام الملحّة لهذه الجبهة " في الأثناء تندلع الثورة في مصر و تصدر حركة الوطنيين الديمقراطيين بيانا صدر بتاريخ 12 فيفري 2011 ( لا يحمل هذه المرّة إمضاء الناطق الرسمي ) عنوانه تونس / مصر : ثورتان و مصير واحد ... و كان قد إنطلق اعتصام القصبة واحد بتنسيق و تهيئة و إعداد من قبل القوى اليسارية و الفعاليات النقابية و الحقوقية و المدنيّة عامّة و يحدّد مطلبه الأساسي في إسقاط الحكومة و الدعوة لإنتخاب مجلس تأسيسي ، و في تناسق تام مع برنامج جبهة 14 جانفي ... في أثناء ذلك يجري الإعداد حثيثا لتأسيس " حركة الوطنيين الديمقراطيين " و يقود الرفيق الشهيد شكري بلعيد هذه الحركة و الإعداد لها و يتكفل بالتنسيق لها مركزيا و جهويا قطريا و فوميا و عالميا ...
( 5 )
حركة الوطنيين الديمقراطيين ...
هي اللحظة الأهمّ ليس فقط في حياة الرفيق الشهيد ، و في جانبها التنظيمي و الحزبي خاصّة ، بل و أيضا في منظور الآلاف من المنتمين للخط الوطني الديمقراطي و الملتزمين به ، لحظة مرصودة منذ أجيال عديدة و حلمها ، لذلك حظيت بإهتمام كبير على الصعيدين الخاص المتعلق بعموم الوطد و العام اليساري و الديمقراطي ، و كان المرور السريع إلى التأسيس مرورا ضاغطا تتحكم فيه اللحظة السياسية و التاريخيّة و في نفس الوقت واعي بمتطلباتها و مستلزماتها ، لذلك عُقد إجتماعين متتاليين ضمّ مجموعة مبادرة ناقشت البيان التأسيسي و القانون الأساسي و شكلت هيأة سياسية كلّف فيها الرفيق الشهيد بمهام الناطق الرسمي و المنسّق العام .. و تمّ الاتفاق بين الجميع على أن تكون الحركة حركة بالفعل تؤطّر الصراع النظري و السياسي ، و حركة ضدّ الجمود العقائدي و في تفاعل حيّ و مرن و ثوري مع الواقع ، و حركة في حيوتها التنظيميّة الداخلية و قدرتها على استيعاب الكلّ الوطني الديمقراطي و لما لا الانفتاح على الساحة اليساريّة الثوريّة ( تأسيسا على وثائق سابقة سواء للوطنيين الديمقراطيين أو للرفيق الشهيد في ردّه على حزب العمل الوطني الديمقراطي .. ) و سرعان ما تأسست رابطات و فروع للحركة في الداخل القُطْري كما في الخارج ، و نجحت في ظرف قياسي في فرض نفسها في الساحة السياسية و في كسب الانصار و ضمّ المناضلين ، و إنخرطت بالكامل في السياسي اليومي ، الأمر الذي بدأ تدريجيا يغيّب و إلى حدّ بعيد النواحي التنظيميّة الثوريّة و فهم التنظيم على أنّه مسألة سياسية و نظريّة من أهمّ المسائل الملقاة على الثورة ، و هو المتوسط الضروري بين نظريّة ثوريّة تفهم الواقع و تقرأه و تحدّد الأهداف الثورية و المهام الممكنة و الملائمة للواقع و لقدرة الجماهير و درجة وعيها و مستجيبة لمطالبها و مدافعة على مصالحها الحقيقية ( و ليست مجرّد فكرة متعلفة بواقع إفتراضي أو تبحث لها عن مشروعيّة في كتب مراجع تمثل الفكر الثوري و لا تنوب عن النظرية الثورية ) و بين الممارسة الثورية المستنيرة بتلك النظرية و المطوّرة لها في آن واحد ... هذه النواحي التي غمرها تصوّر تقني عن التنظيم و نقل لتجارب تعاطي نقابي لا يتلاءم مطلقا مع ضرورات التنظيم الثوري و متطلباته ، و هو ما أضاع فرصة تحويل الحركة إلى تنظيم ثوري حقيقي و جعلها مجرّد تجميع لحلقات متناثرة لا رابط تكتيكي أو برنامجي سياسي بينها و تفتقر لوحدة الهدف و وحدة الآليات و تحديد الخطوات الواجب قطعها لبلوغ الهدف ... لتدخل الحركة معترك انتخابات المجلس التأسيسي بوهم عن الواقع الذاتي و الموضوعي كنّا جميعا مشاركين فيه ، و هو ما تتطلّب بعد الفشل في الانتخابات ، ضرورة التقييم ، تقييما ثوريا قال عنه الرفيق في أحد الوثائق السابقة ( في 2002 ) " تقييم جدّي و شامل لكامل المرحلة السابقة ... و التحديد الواضح و الدقيق للمسؤوليات .." و لكن شاءت الظروف و مرّة أخرى أن تفلت منّا اللحظة التاريخية و أن نحوّل أسباب فشلنا إلى مصدر قوّتنا بأن نقف على الأخطاء في فهمها التنظيمي لا الشخصي / الفردي و نطوّر قدراتنا على الفهم و التعاطي مع الواقع و نرسم البدائل الثورية و نضع الحلول و نحدّد الأهداف و نرسم بالوضوح الكافي و اللازم الخطوات الواجب قطعها لبلوغها ... ثمّ كانت تجربة حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد ، و التي أُغتيل الرفيق الشهيد و هو يضطلع بمهام أمينه العام لمدّة تقارب الأربعة أشهر – مدّة لا يمكن أبدا أن تختصر أو تحجب ما يزيد على ثلاثة عقود من البذل و العطاء و النضال و الجهد و الصراع و الخلاف و الإختلاف و المبادرة و القيادة و الريادة ... تجربة لا زالت مفتوحة للقراءة و التحليل و قد يكون لنا موعد معها في تناول تقييمي للتجارب التنظيميّة و الحزبية لليسار الثوري في تونس بعد 14 جانفي 2011 و في علاقة به ... سيكون لنا حينها كلمة لابدّ منها .
الأستاذ حبيب الزرقي
الوثائق المعتمدة في كتابة هذا النص :
- ش . بلعيد : من أجل بديل ديمقراطي شعبي - من أجل الجمهوريّة الديمقراطية جانفي 2001
- ش. بلعيد : المؤتمر الاستثنائي : تصحيح أم ترتيب البيت البيروقراطي 2002
- ش . بلعيد : في الردّ على مشروع مبادرة حزب العمل الوطني الديمقراطي ديسمبر 2004
إلى جانب مجموعة بيانات صدرت في محطات نضالية مختلفة سواء كان الرفيق الشهيد مساهما فيها أو راجعة له أساسا و ممضاة باسمه ، مع طبعا مرافقتي له إبّان الأحداث الأولى للثورة و اعتصامي القصبة الأول و الثاني و تأسيس حركة الوطنيين الديمقراطيين و المسار المصاحب و اللاحق لذلك ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.