أعجب عندما اسمع البعض وهو متفاجئ من أحداث الفتنة الطائفية المفتعلة والخروقات الأمنية المتعددة التي تجري من حين لأخر في مصر بصورة تكاد تكون منظمة ومشبوهة ، وكأننا – بحسن نوايا المصريين المعتادة – نتصور أن أمريكا واسرائيل واعداءنا عموما ، سيتركوننا في حالنا نهنأ بثورتنا دون أن ينغصوا علينا حياتنا !. أحسبتم أن تترككم أمريكا واسرائيل بثورتكم تهنأون ، وتعرقلون مصالحهم في المنطقة بعد ثورتكم ، وتنشئون نظاما مصريا محترما قويا يتعامل مع واشنطن وتل ابيب بندية واضعا مصالح شعبه قبل اي إعتبار ، بعدما أنصاع لها النظام السابق وأصبح تابعا لهم ، واهدر مصالح مصر لخدمة مصالح خارجية أخري أملا في حفنة دولارات ومصالح شخصية !؟ أحسبتم أن يترككم الغرب والشرق ، وأنتم في مصر الموقع الجغرافي والاستراتيجي المميز في العالم ، لكي تقيموا نظاما ديمقراطيا حرا متسامحا مع الأديان ويشارك فيه كافة التيارات الاسلامية واليسارية والليبرالية التي حرمت سابقا ، بما يجعل مصر دولة كبري تقود منطقتها العربية والاسلامية مستقبلا تقدم نموذجا عربيا ديمقراطيا حقيقيا ، وتجهض مصالحهم في المنطقة ، دون أن يحاولوا أن يطوعوا هذه الدولة والنظام الجديد لمصالحهم ويضغطون عليه بشتي السبل ؟! ألم تعلموا أن هناك خططا استراتيجية أمريكية اسرائيلية منشورة – وما خفي كان أعظم – لتأجيج الفتن في مصر خصوصا الفتنة الطائفية كونها الأخطر تدميرا لمصر ، بعدما أغاظتهم صلاة المسلمين والاقباط معا أمام العربات المصفحة وخراطيم المياه أثناء الثورة ، ومساندة القبطية للسلفي في وضوءه ، ودفاع الاخواني عن القبطي في ميدان التحرير ؟ . الم تلاحظوا أنهم جربوا في البداية الوقيعة بين التيارات الاسلامية وباقي تيارات شباب الثورة والقوي السياسية اليسارية والليبرالية بعدما استشاطوا غضبا لتوحد هؤلاء خلال الثورة .. وعندما فشلوا جربوا الوقيعة بين الجيش والاخوان .. وعندما فشلوا ثانية سعوا للوقيعة بين المسلمين والأقباط مستغلين عوامل متفجرة مثل قضية كاميليا شحاته وعدم تعاون الطرفين (السلفيين والكنيسة) في نزع فتيل هذه القضية البسيطة ، مستغلين تعمق روح التدين لدي المصريين مسلمين ومسيحيين ؟! ألم تلاحظوا مدي الانزعاج والقلق الصهيوني من ثورة مصر التي وضعت القاهرة علي الخط الصحيح لقيادة المنطقة وعودة دورها الأقليمي القوي كما كان سابقا ؟ وهو التوجس الذي يترجم في لغة أجهزة المخابرات الصهيونية غالبا لخطط لتأجيج الفتن في مصر والدول العربية الأخري التي تخشي تل ابيب أن تتفرغ لها وتعاديها بقوة بعد التخلص من حكامها الفاسدين الذين كانوا ألعوبه في ايدي الصهاينة والأمريكان ، دون أن ننسي أن هناك خطط اسرائيلية إستخبارية موجودة من البداية وتنفذ ولكن حان الوقت لتنشيطها وتأجيجها ؟! . هل تتذكرون ما كشفه رئيس المخابرات الحربية الصهيونية (أمان) اللواء عاموس يادلين، خلال خطاب تنحية وتولي غيره في نوفمبر 2010 عندما قال أن " مصر تقع في القلب من أنشطة جهاز المخابرات الاسرائيلي، ولا تزال تشكل أحد أهم مسارح عملياته " وان التركيز يتم عبر تأجيج الفتنة الطائفية !!. ألم يقل الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الصهيونية (أمان)، أن «تل أبيب» - رغم توقيعها معاهدة سلام مع القاهرة - لا تزال تعتبر مصر هي "الملعب الأكبر لنشاطات جهاز المخابرات الحربية" ، وأن «إسرائيل» أحدثت «اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية وعسكرية في أكثر من موقع بمصر»، ونجحت ولا تزال في «تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة مصرية متصارعة ومنقسمة إلى أكثر من شطر؛ لتهديد المجتمع المصري» !. أحذروا الجهلة وأصحاب النيات الحسنة والجميل في كل هذا أن الجيش المصري يدرك هذه المؤامرات وسبق أن حذر منها المجلس العسكري في بيانات مختلفة ، ولكن المؤسف أن حفنة من الجهلة أو المتعصبين أو حسني النية من المسلمين والمسيحيين ينسون أن العدو ينتظر علي البواب أن نقتل بعضنا بعضا ويحرك عملاءه لتفجير هذه البؤر المشتعلة ، ولا نفكر في التعامل بهدوء مع هذه القضايا التي تتفجر واحدة تلو الأخري ومفروض أن نتوقعها ونطفئها بحكمة . المجلس الأعلى للقوات المسلحة سبق أن حذر (في بيانه رقم 45 علي موقع فيس بوك) من (وجود مواقع إلكترونية / مشبوهة ومجهولة الهوية / تحرض علي الفتنة الطائفية والعنف وتبث شائعات من شأنها زعزعة الاستقرار في مصر). واللواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة رجح أن تكون كل هذه الأحداث واعمال البلطجة مدبرة من قبل "فلول النظام السابق" و"جهات خارجية تهدف إلى انهيار مصر"، واتهم هذه الجهات بالوقوف وراء الانهيار الأمنى وأعمال الترويع والبلطجة الأخيرة . والحقيقة أن أحداث كنيستي أمبابة الأخيرة والمشاحنات الطائفية والهجوم علي أقسام الشرطة وأطلاق المجرمين منها ، وتحطيم المحاكم وترويع القضاه ، وحوداث النهب المنظم والترويع الأمني ليست كلها من فعل الخارجين عن القانون والبلطجية والمتطرفين المسلمين والمسيحيين معا ، وحدهم ، فهؤلاء مجرد أداة تستخدم وتوظف جهل وغباء أو حماسة وحسن نية هؤلاء لتأجيج الصراع وكاننا لم نتعلم من الماضي !. ليس هذا من قبيل نظرية المؤامرة ولكنها من حقائق علم الاستراتيجية ومتابعة تقارير الاستخبارات العالمية والخطط والمصالح الأمريكية والغربية التي نغفل عنها ، والأهم أن هذا من أهم فروع علم المستقبليات التي برعنا فيه سابقا وأصبحت الريادة فيه للغرب وأجهزة استخباراته تحديدا . يجب فورا تشكيل (مجموعة عمل لإدارة أزمات الثورة) تضم حكماء ولديها سلطات ، تكون وظيفتها هي نزع فتيل أي أزمة طائفية أو مجتمعية تظهر وأن ترصد هذه الازمات وتسعي لتبريد وإطفاء رمادها قبل أن تشتعل وتقع ،ولا تنتظر أن تنفجر المصادمات وتتحول مصر الي فوضي . ويجب أن يكون من صميم عمل هذه المجموعة ،لإدارة أزمات الثورة ، تنفيس أي إحتقان وكشف اي حقائق وعدم ترك الشائعات تكبر ، ومن الضروري أن تعاونها الجهات الدينية الكبري الرسمية وغير الرسمية من اصحاب العقول الراجحة الذين يفهمون سماحة الدين لا المتشددة . فلولا استمرار أزمات مثل كاميليا شحاته في التضخم بشائعات عديدة دون حسم من الكنيسة ومن الازهر لما تضخمت حالة الترصد من جانب بعض التيارات السلفية لفكرة إجبار الكنيسة مسيحيات أسلمن علي الاختفاء ، ولولا عدم الكشف عن حقيقة شائعات كثيرة عن "خطف" مسيحيات أغلبها يتم برغبة شخصية لأسباب تتعلق بالزواج والحب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية ، لما باتت هذه قضية تسعي جهات مشبوهة في الخارج لمطالبة الكونجرس والادارة الأمريكية ، بل والأمم المتحدة للتدخل في شئون مصر من أجلها !؟ مطلوب تحرك فوري من الثوار الحقيقيين الذين أطلقوا الطلقة الأولي في ثورة 25 يناير من المسلمين والاقباط لحماية الثورة من هذه المؤامرات الخارجية التي تنفذ – للاسف بايدي بعض المصريين في الداخل عن جهل أو حسن نية . أما الأهم – والهدف من هذا المقال – فهو ألا تحسبوا أن أعداء الخارج سيتركون ثورتنا تمضي بأريحية وسلام ، وأن تدركوا أن كل هذه المحن والاختبارات هي من سنن الثورات المحترمة القوية التي تنتصر للشعوب فقط ككل ، لا لحاكم أو فئة أو أقلية أو اغلبية ، فلا تيأسوا وتقولوا أن الثورة جلبت لنا المشاكل والمصائب وأن ما قاله الرئيس السابق من أن الأمن سينهار لو ترك الحكم ثبتت صحته !؟ لا تيأسوا وتلطموا الخدود ، وأن تتعاملوا مع هذه الحوادث وفق حجمها ، وتسعوا لجبر ما كسر وإصلاح ما أفسده العداء بجهل بعض أبناء الداخل او حماستهم الزائدة أو تصديقهم شائعات .. فلو تسرب اليأس لقلوبنا وبتنا نتحصر علي ثورتنا فسوف تشرب تل ابيب وواشنطن كأس الانتصار !. [email protected]