أذان يرفع وصلوات تتلى، وباحات يخيم عليها السكينة والرضا بالمقسوم من رب العزة والملكوت، حمائم بألوان بديعة بيضاء ورمادية وخضراء تحوم حول المكان تلتقط رزقها وتدور حول المصلين مصدرة هديل يشبه الصلاة، نحن البشر لا نعرف فك شفراته ولكننا مؤمنون أنها تصلى معنا. هذا الفضاء الاستثنائى اتفق عليه جموع المسلمين بأن يطلق عليه لفظ «المسجد»، والمَسْجِد أو الجامع عند فقهاء المسلمين هو دار عبادة المسلمين، وتُقام فيه الصلوات الخمس المفروضة وغيرها، كما ذهب البعض بتسميته مسجداً لأنه مكان للسجود لله رب العرش العظيم. لا أحد يعرف على وجة الدقة لماذا قرر الزاهد البصرى مالك بن دينار أن يشد رحاله إلى القارة الهندية قبل 1393 عاماً وتحديداً عام 629 ميلادياً؟، ولكن الكل يجمع أنه أول من بنى مسجداً فى الهند. فوراء جامع «مالك بن دينار» المعروف بإسم جامع «شيرمان جمعة» بولاية كيرالا على ساحل «مالابار» الهندى، أساطير وحكايات ترويها عجائز الولاية، ولا يمللن من ترديدها للأجيال الشابة، تقول إن الملك الهندوسى «شيرمان بيرومال»، الذى حكم جنوبالهند فى القرن السابع الميلادي. دخل الإسلام عندما رأى من حسن تعامل التجار العرب المسلمين الذين قدموا إلى «كيرالا»، بل وسافر الملك إلى شبه الجزيرة العربية ومكث عدة سنوات هناك لكى يستزيد من علوم القرآن والفقه، وعندما اعتزم العودة إلى بلاده، مرض ومات فى سلطنة عمان ولا تزال مقبرته هناك إلى يومنا هذا، وتحمل اسمه القديم، بجانب اسمه الجديد الذى اتخذه بعد الإسلام «تاج الدين». وقد كتب الملك «شيرمان بيرومال» أو «تاج الدين» قبل وفاته، وصية حملها أحد التابعين إلى مالك بن دينار ليوصلها إلى أقاربه فى ولاية كيرالا، يطلب منهم السماح للمسلمين أن يبنوا مسجداً فى الولاية، وهو ما تم بالفعل على يد مالك بن دينار الذى جعل مسجده على اسم هذا الملك الهندوسى سابقاً والمسلم الهندى فيما بعد تاج الدين. ومسجد شيرمان جمعة، لم يضم عند بنائه فى القرن السابع الميلادى أى مآذن أو قبة، رغم كونهما أبرز السمات التقليدية المميزة للتصميم المعمارى للمساجد، بل أدخلت فى تصميمه عنصرى المئذنة والقبة فى وقت لاحق عندما خضع لتجديدات كبيرة فى القرن الحادى عشر الميلادي. ولكن ما يلفت نظر مريدى هذا الجامع العتيق قنديل يضاء بالزيت يتدلى فى منتصف المسجد، يقال إن عمره من عمر بناء المسجد أى ما يزيد عن ألف عام، وقد ظل هذا القنديل يبعث النور والدفء فى المكان حتى عام 2020، حيث دأب مواطنو الهند من جميع الأديان على جلب الزيت للقنديل انطلاقًا من اعتقادهم بأن هذا يحمل فألاً طيبًا. أيضاً هناك بركة صغيرة أمام المسجد الذى يبلغ طوله 61 متراً وعرضه 24 متراً ويتسع لنحو 2000-2500 مصل. مسجد «جمعة هيرات» أما مسجد «جمعة هيرات» المتواجد بمدينة الهيرات فى ولاية هراة شمال غرب أفغانستان، فيأتى فى القدم بعد مسجد «شيرمان جمعة» الهندى، حيث إن عمره يبلغ حوالى 800 سنة. ويأتى ذكر أحداث ما وقع فى مسجد جمعة هيرات وكأنك تقرأ صفحة من صفحات التاريخ، فبعد عام فقط من تشييده سنة 597 ه على يد السلطان «غياث الدين محمد الغورى»، غزا القائد المغولى الأشهر جنكيز خان الأراضى الأفغانية ودمر المسجد ملحقاً به أضرار بالغة. وظل المسجد فى حالة تدمير حتى عام 642 ه استطاع «شمس الدين كارت» أن يعيد إنشاء المسجد مرة اخرى، وتم الانتهاء منه فى «عهد جلال الدين فيروز شاه». يتميز مسجد «جمعة هيرات» بالألوان والزخارف الفنية والأرابيسك المحفور عليه بعض الآيات القرآنية، إضافة إلى وجود 4 قبب للمسجد مطلية باللون الأزرق الفاتح، ومئذنتين بهما قبب صغيرة مطلية باللون الازرق الفاتح. مسجد ساوي لن نذهب بعيداً بصلاوتنا ودعواتنا وتهجدنا آناء الليل وأطراف النهار، فمنازل الوصل مع الله بين أفغانستانوباكستان ممدودة وعامرة، فلننطلق فى هذه الرحلة الإيمانية إلى مسجد «ساوي» فى مدينة مُلتان بولاية بنجاب الباكستانية. ومسجد «ساوى» من اقدم المساجد فى باكستان، حيث يعود اكتمال بنائه فى العام 1325 للميلاد، وكان من قبل يعرف باسم مسجد «عيدكاه» وقد حاولت أن أبحث عن معناها ولكنى لم أتوصل لنتيجة فربما ترجع إلى اللغة الأوردية والله أعلم. ويكسو جدران مسجد «ساوى» بحسب عالم الآثار الباكستانى وابن مدينة ملتان الذى يقع فيها المسجد «غلام محمد» اللون الشذري والأزرق ولأن أهالي مدينة ملتان يسمون اللون الشذري بالأخضر فأطلقوا علي المسجد اسم ساوي. من الأشياء الملفتة فى التصميم المعمارى لمسجد «ساوى» أنه محمول على 20 عموداً دون قبة أو سقف، وهو ما تعتبره الحكومة الباكستانية أثراً تاريخياً يجب الحفاظ عليه، لذلك تعمل كل عدة سنوات علي ترميمه من خلال تخصيص ميزانية قدرها 3 ملايين و200 ألف روبية باكستانية. «ساكا تونجال» وأخيراً سننهى دعواتنا وصلاوتنا لأمة محمد فى رحاب مسجد «ساكا تونجال» الذى يوجد فى مركز «جاوي» تحديدًا فى قصر «تامان سارى المائي» بمنطقة «بوروكيرتو» حيث غابات الصنوبر الكثيفة. يقول موقع «إندونيسيا اليوم» إن المسجد بنى فى القرن الثالث عشر، فى عام 1268، وتعنى كلمة «ساكا تونجال» أى العمود الواحد، وهى التى تمثل فلسفة إنشائه، حيث بنى على عمود واحد يدعم سقفه، وسبب اختيار العمود الواحد للتدليل على وحدانية الله. وهذا العمود الواحد الذى يرتكز عليه سقف مسجد «ساكا تونجال» ضم بعد ذلك أعمدة أربعة إضافية كدعائم صغيرة، ليكون مجموعها خمسة أعمدة تمثل المبادئ الخمسة لبانكاسيلا التى بُنيت على أساسها إندونيسيا، وصاغها الزعيم الإندونيسى سوكارنو فى 1945 لتكون مبادئ حاكمة لدستور إندونيسيا ليمثل تناغمًا وتعايشَا بين كافة أطياف المجتمع التى تضم خليطًا من الأعراق واللغات والأديان، حيث يعيش فيها 300 عرق واللغات فيها 250 لغة، كما يدين شعبها ب5 أديان أكبرها هو الإسلام الذى يدين به نحو 90% من السكان البالغ عددهم نحو 260 مليون نسمة.