كان الإمام المراغى مستمسكًا بالحق، حريصًا على الأمانة والصدق، وقد تعرَّض فى هذا لمحن عديدة كادت تكلفه حياتَه، منها أن قضية هامة تتعلق بملايين الجنيهات عُرضت عليه وهو رئيسٌ للمحكمة الشرعية العليا، فلوَّح له بعضُ أصحاب النفوذ بأن الحكم يجب أن يصدر لصالحِ فرد معين على أن تكون المكافأةُ على ذلك مبلغًا ضخمًا من المال يسيلُ له اللعاب، فرفض فى شممٍ وإباء، فعمل أصحاب الشأن على منعه من نظر القضية فاستأجروا من يقتله، فتربص له المجرمُ وألقى عليه ماء النار، ولطف الله به، فأصابت النار عنقَه وأجزاء من جسمه ولم يصب منه مقتلًا. ووصف الشيخُ المجرمَ وصفًا دقيقًا، فتم القبض عليه وعلى من حرَّضَاه على القتل، وحكم على المتهمين الثلاثة بالسجن أربع سنوات وبألفى جنيه تعويض. ورفع المتهم الأول بالتحريض نقضًا للحكم وبذل هو وأعوانه من كبار الأثرياء جهودًا جبارة، واستعملوا الشريف وغير الشريف من الوسائل، وعلم الشيخ بما يدور من دسائسَ ومؤمراتٍ، ونصحه أصدقاؤه أن يكشف هذه المؤامرات لكبيرٍ مسؤولٍ من ذوى السلطان فرفض، وقال: «أنا لا أشكو قضاءً مصريًّا... ولو فعلت لكانت أكبرَ حجة عند الإنجليز، فليحكموا بما شاءوا». وقبلت محكمة النقض الدعوى وأعيدت المحاكمة وتم تخفيضُ الحكم من أربع سنوات إلى سنة ونصف، وكان صاحبُ الشأن قد قضاها فى السجن وبتعويض ألف جنيه حوّلها الإمام إلى ورثةِ محاميه الذى كان قد مات بعد المرافعة، وقد اشتهرت هذه القضية باسم (قضية هنرى سكاكيني).