في مصر الآن حرائق مشتعلة في كل مكان.. وحكايات مفزعة من مخططات خارجية وداخلية لتخريب البلاد.. وفي مقابل هذا كله لا نجد للأمن الوطني وجوداً. قبل عامين كان ضباط أمن الدولة «الأمن الوطني حالياً» يفتخرون ويتفاخرون بأنهم يسمعون «دبة النملة» في مصر، ويعرفون الحدث قبل وقوعه. الآن اختفي الأمن الوطني ولم يعد له أثر، سوي أخبار متواترة حول سيطرة «خيرت الشاطر» علي قطاع الأمن الوطني واطلاعه علي كل صغيرة وكبيرة يصدرها. لماذا غاب الأمن الوطني عن المشهد؟.. وما حقيقة سيطرة «الشاطر» علي الجهاز الأمني الخطير؟.. ثم ماذا يفعل هذا الجهاز الآن؟ هذا ما رحنا نبحث عن إجاباته، وانتهي بنا البحث إلي معلومات خطيرة عن أخطر جهاز أمني في مصر. في معظم دول العالم توجد أجهزة للاستخبارات، جهاز الاستخبارات العسكرية، وجهاز الاستخبارات الخارجية مثل «cia» بالولايات المتحدة، و«mi6» بالمملكة المتحدة، و«الموساد» بإسرائيل، والمخابرات العامة في مصر، والنوع الثالث جهاز الاستخبارات الداخلية مثل «fbi» بالولايات المتحدة، وجهاز «mi5» بالمملكة المتحدة، وجهاز «الشاباك» بإسرائيل، وهي الأجهزة المناظرة لقطاع الأمن الوطني بمصر. وهذه الأجهزة تعمل وفقاً لقوانين تحدد اختصاصها وآليات عملها وتتمتع باستقلالية في تعيين وعزل موظفيها ولا تخضع في قراراتها للسلطة التنفيذية، ولا تخضع تلك الأجهزة سوي لمراقبة ومحاسبة جهات خاصة تكون في الغالب لجاناً متخصصة في مجلس النواب، كلجنة الأمن القومي، وبذلك تكون هذه الأجهزة تحت رقابة شعبية وقانونية. والأمن الوطني في مصر كما نص قرار إنشائه يهدف إلي حماية أمن وأمان المواطن المصري وكفالة الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، ومكافحة أعمال التجسس والإرهاب. ومنذ أكثر من عام تم وضع مسودة قانون خاصة بقطاع الأمن الوطني، تنص علي أن الأمن الوطني سلطة ملزمة للرقابة السابقة علي أعمال السلطة التنفيذية، وحدد القانون الاختصاصات والسلطات والتزامات قطاع الأمن الوطني، وشدد علي الفصل بين أعمال الضبط الإداري وأعمال الضبط القضائي، وحدد الجرائم والعقوبات. مسودة هذا القانون قدمها قطاع الأمن الوطني إلي المجلس العسكري الحاكم - آنذاك - عقب إنشاء القطاع، وتم تأجيل مناقشته حتي انتهاء انتخاب الرئيس.. والغريب أنها لاتزال حبيسة الأدراج! واختفاء مشروع القانون ليس هو العجيبة الوحيدة في قطاع الأمن الوطني، فعدد العاملين في القطاع يمثل لغزاً غريباً أيضاً.. فعندما كان القطاع يحمل اسم «أمن الدولة» كان عدد الضباط العاملين فيه 1500 ضابطاً، وبعد أن صار اسمه «الأمن الوطني» تم تخفيض عدد الضباط إلي 700 ضابط فقط. وأكد عدد من ضباط الأمن الوطني ل «الوفد» أن تأخر صدور القانون الخاص بالأمن الوطني هو السبب الرئيسي وراء عدم قيام هذا القطاع بدوره علي الوجه المطلوب، فضلاً عن تخوف أفراده من الدخول مرة أخري في المعادلة السياسية حتي لا يلقي نفس مصير جهاز أمن الدولة، وهو ما ظهر بوضوح خلال لقاء هشام قنديل، رئيس الوزراء، مع قيادات وضباط الأمن الوطني، حيث أكد لهم أن هناك معلومات قد وردت إليه بوجود ضباط بجهاز الأمن الوطني لديهم معلومات خطيرة، ولا يرفعون تقارير بها، ويتقاعسون عن أداء واجبهم في حماية الوطن، وطالبهم بالعودة للعمل مبدياً استعداده لتذليل كافة العقبات التي تواجههم أثناء تأدية عملهم.. هذا في الوقت الذي أكد لنا بعض العاملين بجهاز الأمن الوطني، أن الجهاز قد سبق أن حذر منذ أول ديسمبر الماضي من وقوع أحداث عنف علي يد شباب جماعة الإخوان وأنصارهم من الإسلاميين، إلا أن القيادة السياسية تجاهلت التقارير بالرغم من تحذيرها من أحداث العنف المتلاحقة التي شهدتها البلاد وكان من الممكن تجنبها لو تدخلت الحكومة بالشكل المناسب في وقتها، واستجابت لتقارير جهاز الأمن الوطني. وأكدت مصادر بالجهاز أن خيرت الشاطر، القيادي الإخواني، زار قطاع الأمن الوطني مرة واحدة خلال الفترة الأخيرة، وكان الغرض المعلن للزيارة تقديم واجب العزاء لأحد ضباط الجهاز. مدونة السلوك والأخلاق ولأن قانون جهاز الأمن الوطني لم يصدر بعد، لجأ ضباط الجهاز إلي تحرير مدونة أطلقوا عليها اسم «مدونة السلوك والأخلاق» للعاملين بهذا القطاع، التي تلخص كيفية عملهم. «الوفد» حصلت علي نسخة من المدونة التي تمثل قانون الأمن الوطني حالياً، وأهم ما فيها أنها تحظر علي العاملين الحاليين والسابقين استغلال العلاقات أو المعلومات المطلعين عليها بسبب أو أثناء العمل في تحقيق أية مصالح أو مكاسب شخصية. كما يحظر علي العاملين بالقطاع القيام بأي عمل من شأنه التأثير علي المناخ الديمقراطي أو الانحياز السياسي لأي جهة أو طرف.. كذلك المحافظة علي كافة الحقوق والحريات المنصوص عليها بالدستور عند التعامل مع المواطنين أثناء أو بسبب العمل، فضلاً عن ضمان الحقوق الدستورية والقانونية ومعايير حقوق الإنسان في التعامل مع المشتبه بتورطهم في قضايا تهدد الأمن القومي. كما تتضمن ضرورة التزام العاملين بالصدق والأمانة ومراعاة النزاهة والشفافية، مع الرقي في التعامل والحوار، وقبول الاختلاف مع الآخرين داخل وخارج نطاق العمل. وقالت المدونة: إن عدم حياد القطاع عن دوره، لن يتحقق إلا من خلال فصل السياسة عن الأمن، وتفعيل الدور الرقابي للسلطة التشريعية متمثلة في مجلس الشعب من خلال مراقبة ومساءلة الأجهزة التنفيذية للحكومة، ومن ضمنها وزارة الداخلية بكافة قطاعاتها، ومنها قطاع الأمن الوطني، كذلك تفعيل دور السلطة القضائية ممثلة في النيابة العامة في دورها الرقابي علي الضوابط القانونية لأعمال القطاع، هذا بالإضافة إلي إنشاء مجموعة خاصة للأمن الداخلي تتبع رئيس القطاع مباشرة وتختص بمتابعة سلوك العاملين داخل وخارج نطاق العمل للتأكد من التزامهم بمدونتي السلوك والأخلاق. العميد آسر نجم الدين.. مسئول التدريب بالأمن الوطني: الفجوة بين الشرطة والشعب تزداد يومياً.. والسبب الحكومة كشف العميد آسر نجم الدين، مسئول التدريب بقطاع الأمن الوطني، عن وجود عمليات تدريب مستمرة داخل القطاع، من أجل تغيير بعض المفاهيم لدي ضباط الشرطة.. وقال ل «الوفد»: عدد من يقومون بالتدريب لا يتعدي 7 مدربين. وأضاف: يملك ضباط الأمن الوطني من الكفاءة ما يؤهلهم لذلك، فضلاً عن الخبرة التي لديهم، ولكن في الوقت الذي يسعي فيه ضباط الأمن الوطني إلي تغيير الأساليب القديمة وبذل الجهد من أجل عودة الثقة بين المواطن والشرطة، يصطدم بأن سياسات الحكومة تحول دون تحقيق ذلك. وواصل: الفجوة تزداد يوماً بعد يوم بين الشرطة والشعب، وهذا هو ما يشعر به ضباط الأمن الوطني الذين صاروا يرفضون أن يكونوا مجرد أداة في يد السلطة الحاكمة. مفاجأة.. الكليات العسكرية لم تعد تطلب تحريات أمنية عن المتقدمين للالتحاق بها اللواء أركان حرب عصمت مراد - مدير الكلية الحربية - أعلن عن التحاق عدد من أبناء الإخوان بالكليات العسكرية مؤخراً.. وهذا الالتحاق يثير علامات استفهام كثيرة، فالمعروف أن شروط الالتحاق بالكليات العسكرية والشرطية، تشدد علي أن يكون المنضمون إليها لا ينتمون لأي تيار سياسي، وهناك معايير أمنية للالتحاق تتغير كل سنة يحددها المجلس الأعلي للقوات المسلحة والمجلس الأعلي للشرطة، كان من ضمنها عدم التحاق أي طالب له نشاط سياسي هو أو عائلته، وهو ما تغير الآن.. والخطير أن مصدراً مسئولاً بالأمن الوطني أكد ل «الوفد» أن الكليات العسكرية لم تعد تطلب تقارير من الأمن الوطني حول المتقدمين للالتحاق بالكليات العسكرية، وربما حدث هذا التغيير تماشياً مع الوضع الحالي، نظراً لانتماء الرئيس لجماعة الإخوان! مسئول بالأمن الوطنى: أيدينا مغلولة.. ونشعر بالظلم توقفنا عن متابعة نشاط الإخوان.. والتقارير القديمة للجماعة فى ذمة المجلس العسكرى سألت أحد خبراء الاستخبارات بقطاع الأمن الوطني: هل هناك أي نوع من التدخل المباشر أو غير المباشر في عملكم من قبل الوزير أو مؤسسة الرئاسة؟ فأجاب قائلاً: بطبيعة الحال قطاع الأمن الوطني هو أحد قطاعات وزارة الداخلية التي تخضع لإشراف الوزير، حيث يعرض القطاع تقاريره علي وزير الداخلية مباشرة، الذي يعرضها بدوره علي رئيس الدولة، إذن فنحن لا نعرض التقارير مباشرة علي الرئيس. سألناه: هل بصفتك ضابط أمن وطني تشعر بالظلم وأن ما تقوم به يمكن استغلاله لصالح جماعة معينة؟ - أجاب بقوله: نحن نشعر بالظلم وأيدينا مغلولة، لأننا نمتلك قدرات تمكننا من حماية الأمن الداخلي بصورة أكبر، خصوصاً في ظل تواجد الكثير من العناصر الهدامة داخل الدولة المصرية ولكننا نحتاج إلي آلية قانونية نستطيع من خلالها التحرك لإجهاض هذه المخططات وكشف الحقيقة أمام المجتمع أياً كانت هذه الحقيقة. هل يلتقي نائب المرشد برئيس القطاع وأين ذهبت تقارير الإخوان القديمة؟ - أعتقد أنه لا توجد صلة بين جماعة الإخوان والقطاع مباشرة، فتقارير القطاع تعرض مباشرة علي الرئيس، أما بالنسبة للتقارير القديمة فيسأل عنها المجلس العسكري، حيث سيطر علي مقرات القطاع في الفترة التي أعقبت حل جهاز مباحث أمن الدولة وحتي إنشاء القطاع الجديد، فالمجلس العسكري هو من بحوزته هذه التقارير وغيرها. هل توقف القطاع عن متابعة جماعة الإخوان وحزبها بعد تولي الرئيس «مرسي» منصب الرئاسة؟ - لا يتابع القطاع أي فصيل سياسي حالياً، حيث لا ينص قرار إنشائه علي متابعة العمل السياسي بل علي العكس يعمل علي فصل الأمن عن السياسة. هل هناك اتجاه أو محاولات لأخونة الداخلية بقطاعاتها المختلفة؟ - لا يوجد ما يعرف بأخونة الداخلية، فوزارة الداخلية هي إحدي الوزارات القليلة التي لم يكن يتواجد بها أي كوادر لجماعة الإخوان، وحتي الآن لم يلتحق بها أي من كوادر الجماعة، فكيف يمكن أن تتم أخونة الداخلية؟ أخيراً.. كيف يمكن لجهاز الأمن الوطني أن يكون لخدمة الشعب وليس لخدمة السلطة كما كان في الماضي؟ - يتحقق ذلك عندما يلتزم القطاع بدوره المذكور في قرار إنشائه لحماية الأمن القومي المصري من خلال 4 اختصاصات.. أولاً مكافحة الإرهاب والتجسس والتخريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود في إطار الدستور والقانون وحقوق الإنسان بغض النظر عن مصدر هذا التهديد وانتمائه لأي فصيل من الفصائل السياسية، فالهدف هو حماية الدولة المصرية بغض النظر عن النظام الذي يحكم. وأضاف أن التقارير التي يعرضها علي الرئيس الخاصة بالأحداث الحالية، يتم رفعها بمنتهي الشفافية بغض النظر عن انتماء مرتكبيها، طالما كانت تمثل تهديداً للمجتمع، وهنا ينتهي دورنا.