كانت مرحلة الثلاثينات - فى القرن العشرين - تموج بالأزمات المالية، حتى أن أبواب التعيين لخريجى الأزهر كانت موصدة، لذلك حاول الكثير من الطلاب الانصراف عن الدارسة بعد المرحلة الابتدائية - التى كانت تساوى الإعدادية آنذاك - وبعد الدراسة الثانوية إلى البحث عن عمل بعيدًا عن الأزهر. وحدث فى هذه الفترة أن قبل أحد العلماء من خريجى الأزهر أن يعمل ساعيًا بمعهد الإسكندرية الدينى، وكتب الدكتور طه حسين مقالا فى صحيفة «كوكب الشرق» يصف فيه ما وصلت إليه حالة خريجى الأزهر من هوان، فأحدث هذا المقال ثورة فى طلبة الأزهر، مما دفع الكثير إلى الانصراف عن مواصلة الدارسة للبحث عن مورد للرزق بعيدًا عن الأزهر. وكان من هؤلاء الطالب محمد بيصار – شيخ الأزهر بعد ذلك – حيث عاد إلى بلده تاركاً الدراسة بالمعهد، وكان والده حكيمًا بعيد النظر، فقال لابنه: هل عدت إلينا لنفاد ما معك من النقود؟ فقال الطالب: لا، إنما عدت لأفكر معك فى مستقبلى بعيدًا عن الأزهر، فقال الأب: ما بعثتك إلى الأزهر لتكسب النقود، وإنما بعثتك إليه لتتعلم فيه شئون دينك، فتنفع نفسك، وينتفع بك الناس، يا بنى إن الدين ليس سلعة تجارية، واتكل على الله حيث قال: «ومَا تَدْرِى نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا»، فاقتنع الشاب محمد بيصار وعاد إلى إكمال دراسته بالمعهد.