اهتمام كبير بالمؤلفين الشباب.. واستعراض أمجاد العُمانيين فى سبر أغوار البحار فعالية خاصة احتفاءً بإدراج «أحمد بن ماجد» فى برنامج اليونسكو للشخصيات المؤثرة عالمياً يُسدل الستار اليوم «السبت» على معرض مسقط الدولى للكتاب فى نسخته السادسة والعشرين، بعد 10 أيام اتجهت خلالها أنظار العالم لأبرز فعالية ثقافية فى سلطنة عُمان.. وقد شهد المعرض منذ أن افتتحه «ذى يزن بن هيثم آل سعيد» وزير الثقافة والرياضة والشباب الخميس قبل الماضى وحتى اليوم، العديد من الفعاليات المتميزة والمتنوعة، كما شهد اقبالاً لافتاً من الزوار وخاصة فى المساء لمتابعة الأمسيات الشعرية المتميزة والندوات الثريّة، فى ظل إجراءات احترازية صارمة للحفاظ على صحة رواد المعرض.. ومع الفعاليات المتنوعة والعديدة التى توزعت بين أروقة المعرض، وحلقات العمل التى شارك فيها العديد من المهتمين، كان هناك فعاليات الموسيقى والترفيه للأطفال وكذلك للكبار، ليُصبح الجو احتفائياً جاذباً للعائلات حيث قضوا أوقاتاً ممتعة إلى جانب أطفالهم. تنوع واسع وقد أشاد عدد من المشاركين فى المعرض بالتنظيم الرائع، حيث كانت السمة المميزة لهذا العُرس الثقافى العُمانى هى التعاون والتكامل بين الأجهزة المعنية، وخاصة بين اللجنة التنظيمية للمعرض والجهات الأخرى، بما فيها وزارة الإعلام ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، وعدد من جمعيات المجتمع المدنى. كما تميز معرض مسقط للكتاب بالتنوع الواسع كمنصة ثقافية عالمية يسعى إليها القراء والمثقفون والأدباء والمهتمون، حيث شارك فى الدورة الحالية للمعرض التى تُختتم اليوم، 715 دار نشر من 27 دولة، فيما بلغت عدد المشاركات الرسمية من داخل عُمان وخارجها 41 مشاركة، أما عدد دور النشر فى قسم الكتاب الأجنبى فبلغت 33 دار نشر، وبلغت عدد العناوين 361230 عنواناً. وحول الإقبال على المعرض والكتب التى بحث عنها الزوار، قال وليد ناظم من الهيئة المصرية للكتاب، إن معرض الكتاب فى سلطنة عُمان يعد من المعارض القوية والكبيرة، لذلك يحرص على المشاركة والتواجد فيه، مشيراً إلى أن أكثر الكتب طلباً من الزوار كانت الروايات، وأكثر الزوار بحثوا عن الكتب الصادرة حديثاً والتى حازت شهرة مؤخراً.. كما قال أحمد ناجى من دار قطوف بمصر، أن معرض مسقط بشكل عام قوى سواء فى التنظيم أو القوة الشرائية، لذلك دائماً ما يشارك فيه. من جانبه، أشار ناجى مرزوق من اتحاد الناشرين بتونس، إلى أن أكثر الكتب طلباً كانت حول الموسيقى، وهذا يدلل على أن الشعب العُمانى موهوب ومتذوق.. كما قالت فاديا عبدالخالق من دار رسلان بسوريا، إن معرض مسقط يشهد إقبالاً واسعاً فى جميع دوراته. المؤلفون الشباب وطوال مدة معرض مسقط للكتاب، تم تنفيذ 114 فعالية ثقافية، منها 29 فعالية ثقافية كانت خاصة لمحافظة جنوبالشرقية (ضيف شرف هذا العام)، بالإضافة إلى 85 فعالية خاصة للأطفال. ومن أبرز الفعاليات التى شهدها المعرض فى أيامه الأخيرة، كانت جلسة نقاشية بعنوان «قراءة فى إصدارات المؤلفين الشباب»، نظمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب العُمانية ممثلة فى المديرية العامة للشباب، تم خلالها عرض عدة كتب صدرت بدعم من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، من بينها كتاب «صناعة المبدعين» الذى جاء ضمن مخرجات مشروع صناعة القُراء «مسابقة المؤلف الشاب»، والذى نفذته المديرية العامة للشباب ضمن برنامجها الاستراتيجى بناء قدرات الشباب، باستكتاب الشباب العُمانى المهتم بعملية التأليف من أجل الأخذ بأيديهم فى عدة مجالات، ودعمهم لتأليف أول إنتاجاتهم الفكرية.. كما تناولت الجلسة كتاب «الطاقة العُمانية والتقنيات الثورية» الصادر أيضاً عن وزارة الثقافة والرياضة والشباب ضمن مخرجات مشروع صناعة القُراء، ويتألف الكتاب من أربعة أجزاء استعرض فيها مفاهيم الطاقة ومكونات هذا القطاع فى سلطنة عُمان وتجارب شركات الطاقة العُمانية والعالمية فى إدخال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة فى عملها، إضافة إلى عرض نتائج دراسة محلية تتعلق بالتأثير المتوقع لاستخدام التقنيات الثورية على وظائف قطاع الطاقة فى السلطنة.. ومن الجدير بالذكر، أن مشروع صناعة القُراء «مسابقة المؤلف الشاب» الذى نفذته المديرية العامة للشباب تنافس فيه نحو 46 شاباً وشابة للحصول على هذه الفرصة، وخضعت جميع المقترحات لآلية تقييم من قبل لجنة علمية خارجية من داخل سلطنة عُمان وخارجها، لتقييم المخططات، واختيار أهم هذه المقترحات لتحظى بالدعم الفنى والمالى. دور ريادى كما شهد المعرض فى أيامه الأخيرة، محاضرة متميزة حول استدعاء أمجاد العُمانيين فى سبر أغوار البحار، وسلطت هذه المحاضرة التى حملت اسم «ثقافة علوم البحار لدى العُمانيين»، الضوء على الدور الريادى للعُمانيين فى ارتياد البحار وسبر أغوارها وتوثيقها واتخاذها منذ القدم جسراً للتواصل مع شعوب العالم. ورصد الشيخ حمود بن حمد الغيلانى - الذى قدم المحاضرة الثقافية بتنظيم من محافظة جنوبالشرقية ضيف شرف المعرض - مؤلفات ورؤية نواخذة السفن العُمانية من ملاك السفن والتجار وغيرهم، التى تخصصت فى علوم البحار وعلوم الفلك والتى تُدرج ضمن السير الشخصية التى وثقت مجالات علوم البحار.. وقدّم الغيلانى فى محاضرته عدة تعريفات لتلك المؤلفات والوثائق، أبرزها الرحمانيات وهى عبارة عن مرشدات بحرية تساعد ربابنة البحر فى الإبحار بأمان وسلام، وتدوينات وملاحظات يومية ترصد أخبار الرحلات، كما تعد موجهات وأنظمة تضبط عملية الإبحار فى البلاد.. وتطرق أيضاً، إلى الرزنامة وهى عبارة عن ملاحظات حول حالات المناخ وتغير الرياح، كما توثق بعض الأنشطة الاقتصادية كالبضائع والمؤن التى يتاجر بها ملاك ونواخذة السفن.. وتطرق كذلك إلى مؤلفات نواخذة السفن فى الأدب والشعر والمراسلات، مستعرضاً تداولهم فى العلوم والرياضيات إضافة إلى استعراض لنماذج من الرحمانيات. أسد البحار كما شهدت فعاليات المعرض الثقافية، جلسة حوارية احتفاءً بإدراج الملاح العُمانى الشهير «أحمد بن ماجد» فى برنامج اليونسكو للشخصيات المؤثرة عالمياً، تحت رعاية سعيد بن سلطان البوسعيدى وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، وبتنظيم من وزارة التربية والتعليم، ممثلة فى اللجنة العُمانية الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، وأدارها الكاتب نصر البوسعيدى.. وقالت آمنة بنت سالم الراشدية فى كلمة لها بهذه المناسبة: «تأتى مناسبة إدراج الملاح العُمانى أحمد بن ماجد فى برنامج اليونسكو للذكرى الخمسينية والمئوية للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالمياً، إذ يعد هذا البرنامج إحدى أهم الغايات التى تسعى اليونسكو من خلالها إلى الحفاظ على إبداعات الشخصيات المؤثرة، والتأكيد عليها واستدامتها»، مضيفة: «يأتى الاحتفاء بأسد البحار أحمد بن ماجد، ذلك الرمز الوطنى والشخصية الرائدة والمتفردة بعلومها كونه ترك آثاراً علمية تربو على أربعين كتاباً ومنظومة، لا تزال البشرية تستفيد منها إلى اليوم، فقد أبدع فى مجال المرشدات الملاحية (الرحمانيات)، وهى دفاتر صغيرة يدون فيها الملاحون ملاحظاتهم اليومية والمعلومات الملاحية والجغرافية والبيئية المهمة ليسترشد بها رجال البحر، بالإضافة إلى اختراعه آلة الوردة فى تحديد اتجاه الرياح فى عرض البحر، والخشبات الثلاث لتحديد قياسات النجوم، وكل ذلك شكّل رصيداً معرفياً وقواعد مرجعية لأسس الملاحة فى العالم اليوم، ولا تزال المكتبات العربية والأوروبية تزخر بهذه النفائس والكنوز المعرفية». . وأوضحت البلوشية أيضاً أن إدراج الملاح العُمانى الشهير فى برنامج اليونسكو للشخصيات المؤثرة عالمياً بمناسبة مرور 600 عام على ميلاده، يعكس الدور العظيم الذى قام به فى اكتشاف البحار والمحيطات، كما يعكس اهتمام سلطنة عُمان بالإرث الحضارى للرموز الإنسانية التى أسهمت فى إنتاج المعرفة والإنتاج الفكرى، وفى الوقت ذاته فإن هذا الإدراج يعزز جهود عُمان فى التعاون مع منظمة اليونسكو فى المحافظة على هذا الإرث العلمى بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وما هذا الإدراج إلا تأكيد على المكانة العلمية التى حظى بها أسد البحار، واعترافاً عالمياً بإبداعاته وعلومه. وقد شارك فى هذه الجلسة الحوارية عدد من الباحثين العُمانيين، بينهم الدكتور حميد بن سيف النوفلى الذى تطرق إلى الأسباب التى أوصلت الملاح أحمد بن ماجد إلى العالمية، وفلسفة اليونسكو فى إدراج الشخصيات فى برنامج الشخصيات المؤثرة عالمياً، بالإضافة إلى الإجراءات المتبعة لديهم عند تسجيل شخصية من الشخصيات العُمانية، والخطوات المتعبة ما بعد الإدراج، ومدى مساهمة تسجيل الشخصيات المؤثرة عالمياً فى تحقيق التنمية المستدامة. تأثير إيجابى كما تحدث الدكتور سعيد بن محمد الهاشمى عن تاريخ ابن ماجد، وقدم تمهيداً للأوضاع العامة قبل فترة أحمد بن ماجد فى المنطقة، متطرقاً إلى أبرز الأشكالات التى تدور حول شخصيته التى يكثر بها الجدل، وأعطى الهاشمى نظرة عامة عن توزع تراث ابن ماجد المخطوط وآليات العمل عليه، والتأثير الإيجابى له فى المنظومة الملاحية العربية واستمراريتها إلى يومنا الحالى. فيما تحدث الشيخ حمود بن حمد الغيلانى عن الملاحة عند أحمد بن ماجد، متطرقاً إلى كيفية تأثير البيئة التى عاش فيها ابن ماجد فى تقديمه كملاح متميز فى المنطقة، منتقلاً فى حديثه إلى إضافات أسد البحار الابتكارية والإبداعية فى مجال الملاحة البحرية، كما أعطى الغيلانى رؤية عن نظرة ابن ماجد فيما يتعلق بجوانب الملاحة الخاصة بالسفينة والربان والممارسات اليومية، وفنّد حديثه حول علاقة التطبيقات العملية فى علم الملاحة اليوم بالمنجز الحضارى لأحمد بن ماجد. أما الدكتورة هدى بنت مبارك الدايرية فقد أشارت فى مداخلتها فى الجلسة النقاشية، إلى الجغرافيا والبيئة عند أحمد بن ماجد، ومكانة الجغرافيا فى مسيرته فى عوالم البحار، واستفادة الملاحة البحرية من المعلومات التى قدمها بن ماجد فى المسالك الجغرافية فى المحيط الهندى، وتطرقت إلى كيفية إبراز العناية بالجوانب البيئية عند ابن ماجد، مروراً بتوظيف تراثه فى التعليم المستدام. مناسبة مهمة ويبقى القول، إن الفعاليات والأنشطة التى صاحبت معرض مسقط للكتاب، جاءت ثراءً وإضافة قدمها المعرض لزائريه، الأمر الذى جعل من المعرض مناسبة سنوية مهمة للكتّاب والأدباء والمثقفين والباحثين والطلاب وغيرهم من المهتمين بالفكر والثقافة، خاصة وأنه أصبح واحداً من أهم معارض الكتاب على المستويات الخليجية والعربية والإقليمية.. وهو الأمر الذى أكده الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصى وزير الإعلام العُمانى، حينما قال إن السلطنة أولت الثقافة اهتماماً كبيراً بدءاً بالإطار الثقافى الذى وضعه النظام الأساسى، ومروراً بفتح باب تشجيع الإبداع والفكر، وصولاً إلى المؤسسات الثقافية والتعليمية وإنشاء الجوائز الأدبية. وقد أثبت معرض مسقط للكتاب بالدليل القاطع أنه معرض دولى بصبغة ونكهة عُمانية خالصة، فهو لا يقل تنظيماً وأهمية عن أى معرض عالمى إلى جانب دوره فى تعزيز دور السلطنة الثقافى وإثبات ريادتها فى احتضان المهرجانات الدولية المختلفة.