لم يتخيل المصريون أن يصلوا إلى حالة من البؤس الشديد بعد أكثر من عامين على ثورتهم التي استطاعوا من خلالها إجبار أحد أعتى الأنظمة العربية على الرحيل والتخلي عن الحكم بعد رحلة استمرت ثلاثة عقود، ذاق فيها المواطنون مرارة العيش وضيق الصدر لانعدام الحرية السياسية وغياب الكرامة الإنسانية وفقدان العدالة الاجتماعية. ظن أهل مصر يوم 11 فبراير 2011 أنهم تخلصوا من كابوس الديكتاتورية إلى الأبد وأنهم على أبواب عصر جديد تبنى فيه مصر على أسس حديثة تجعلها إحدى الدول المتقدمة، خاصة أنها لا تخلو من أصحاب الخبرات والكفاءات، وتزخر بشباب تملؤهم الحماسة والإخلاص لهذا البلد، ولكنهم يحتاجون إلى من يحسن توظيفهم في خطط تأخذ بيد مصر إلى المستقبل. اكتشف الناس أن الطريق إلى المستقبل مليء بالأشواك والعراقيل التي تحول دون أن يغادر هذا البلد ماضيه القريب، لذا سعى المستفيدون من النظام السابق إلى وأد الثورة بكل السبل الممكنة، لكن الثورة لا تموت، لأنها تحمل داخلها الطاقة الوافرة للاستمرار، لكنها تحتاج إلى من يقودها نحو أهدافها. ومن سوء حظ الثورة أنها صادفت من لا يصلحون لقيادة الوطن فأخذوا السفينة في اتجاهات لا تنجو بها، وجعلت أهلها يتصارعون فيما بينهم، ونسوا أنها تواجه المخاطر وسط الأمواج المتلاطمة. مصر مليئة بأصحاب الأفكار التي لو أخذ القائمون على الحكم ببعضها لجنبوا البلاد المتاهات التي دخلت فيها. وهناك العديد من العقول المخلصة القادرة على وضع الخطط الواضحة والسهلة للخروج من النفق المظلم، ومن هؤلاء الكاتب عاطف الغمري الذي ينظر إلى الوطن بعين تحلل الواقع من الداخل وتربطه بالخارج، إذ لا يمكن فصل مصر عن واقعها الخارجي حتى تأخذ موقعها الملائم، وهذا يجعلنا في حالة انتباه لما يريد البعض أن نكون عليه، وفي الوقت ذاته نطلع على التجارب الناجحة للدول الأخرى، سواء منها ما واصل طريق التقدم، أو انتقل من حالة التخلف المماثلة لما نحن عليه إلى حالة التقدم والرقي في سنوات معدودة. يواصل «الغمري» الربط بين الداخل والخارج في كتابه الجديد «الثورة والمؤامرة» الصادر عن دار نهضة مصر، ويحمل عنوانا فرعيا هو «25 يناير.. بداية الطريق للتغيير» ويحلل فيه الفترة منذ الثورة حتى الآن، ويضع أيدينا على وسائل الخروج من النفق المظلم. عاطف الغمري في سطور: - كاتب متفرغ في جريدة «الأهرام». - عضو المجلس المصري للشئون الخارجية. - عمل مديرا لمكتب الأهرام في الولاياتالمتحدةالأمريكية من عام 1995 إلى عام 2000. - عمل نائبا لرئيس تحرير «الأهرام». - عضو مجلس إدارة عدد من المراكز البحثية السياسية. - من كتبه: الشرق الأوسط الكبير- 2004، الإصلاح السياسي.. من أين نبدأ؟- 2008، أمريكا في عالم يتغير- 2009، القرن الآسيوي.. الصين تغير ميزان القوي العالمية- 2011، مصر تستعيد روحها: ثورة 25 يناير وإعادة بناء الدولة- 2012. الصورة المثلى للحكم يرسم المؤلف عبر صفحات الكتاب الصورة المثلى للحكم كما تبدو في دول العالم المتقدمة، وهي الصورة التي يرجو أن تتحقق في هذا الوطن الذي ابتلي بالسياسات الخاطئة قبل الثورة وبعدها، ويقدم استراتيجية واضحة للخطوات التي يجب أن تتبعها الدولة للوصول إلى بر الأمان وتحقيق آمال الشعب في حياة كريمة يشارك الجميع في بنائها دون إقصاء طرف لصالح طرف آخر. يشير «الغمري» إلى أن القراءة في تجارب الدول الصاعدة اقتصاديا تدلنا على أن أهم أسباب نجاحها هو الاعتماد على الوضوح التام في سياسات الحكم والأهداف والرؤى والبرامج التنفيذية، وأنها لا تتخذ إجراءات دون تقديم الأسباب، إضافة إلى الالتزام بالقانون دون انحياز لجهة أو تحايل على أخرى. ولو طبقنا هذه الأسس –التي قدمها الغمري- على مصر قبل الثورة وبعدها نجد أنها لم تتحقق حتى الآن، ولذلك حدث التخبط في السياسة، وهو ما انعكس على الأمن والاقتصاد، وأثر على الأوضاع المعيشية للمواطنين، وأدى إلى شعور عام بالإحباط لفقدان أهم مقومات الحياة «الأمن والمعيشة الكريمة والحرية الإنسانية» وهي المطالب التي انطلقت بها حناجر الشعب عندما انطلق في الشوارع والميادين ثائرا على النظام السابق، ولكن النظام الحالي انتهج السياسات الفاشلة نفسها، دون قراءة واعية لما حدث في الداخل أو ما يحدث في الخارج. ويوضح «الغمري» أن من أهم شروط نجاح الثورة أن تكون لدى من يتولى المسئولية بعدها رؤية واضحة للمستقبل، والانتقال بهذه الرؤية من الإطار النظري إلى التطبيق العملي، وهذا الشرط يرتبط به ويبنى عليه شرط آخر هو التفاف الجماهير حول النظام الجديد، وهو ما يحدث عندما تجد مؤشرات تدعوها إلى الثقة في هذا النظام، لكن «إذا لم يتحقق ذلك تبدأ معاول هدم النظام فعلها من داخلها؛ لأن نظاما تنبع أفكاره من ذاته أو من مجموعة محدودة ينتمي إليها، ولا تمثل المجتمع بتنوعه الفكري والإنساني، هو نظام غير ديمقراطي حتى ولو حصد الأغلبية قبلها في صندوق الانتخابات». الثورة المضادة ويتناول المؤلف الثورة المضادة التي تحالفت فيها قوى محلية وعربية ودولية، ويلقي الضوء على ما رصدته تقارير ودراسات المراكز والمعاهد الدولية، ويشير إلى أنها اتفقت مع ما رآه المصريون المخلصون للثورة، فقد «كان تحليلهم أن للثورة المضادة هدفا مركزيا هو أن تستهلك ثورة 25 يناير طاقتها، بحيث يتهاوى المشهد بكامله»، ورغم ذلك فإن الثورة صامدة ومستمرة لتحقق أهدافها. ويشير «الغمري» إلى أن من سلبيات المرحلة الانتقالية استبعاد خبرات لها مواقف وطنية في معارضة سياسات النظام السابق، ومنهم قضاة ورجال قانون وأساتذة في العلوم السياسية والطب والإعلام وغير ذلك، وكانت النتيجة حرمان مصر من هذه الخبرات. ومن أهم المشكلات التي ما زالت عالقة كيفية إصلاح الأخطاء المتراكمة التي ارتكبها النظام السابق والتي أوجدت نظاما معاقا في الاقتصاد والتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية وغيرها من المجالات، ويضاف إلى هذا نشر ثقافة «فاسدة مفسدة» أعاقت خطط الإصلاح، وما زالت هذه الثقافة مسيطرة على بعض العقول التي ما زالت تحتل مواقع حساسة في الدولة. ومثلما أشار «الغمري» إلى أعداء الثورة في الداخل، ذكر أهم أعدائها في الخارج، الكيان الإسرائيلي؛ الدولة التي لا تريد لمصر أن تكون من الدول المتقدمة، لأن التحول إلى الديمقراطية في المنطقة يمثل خطرا عليها، بل إنه –في تصورها- كابوس مخيف يعمل على تحويل ميزان القوة ليكون في صالح العرب، وهذا ما جعل الصحفي الإسرائيلي أوفر شيلاح يكتب مقالا بعنوان «الديمقراطية ليست للعرب» يحذر فيه من أن ينتج عن الثورة المصرية تطبيق الديمقراطية، وقال في مقاله: «لا يوجد عاقل في إسرائيل لا يخاف من عواقب ثورة مصر، وقد سمعت كثيرا من المتحدثين في الدولة ومن قطاع كبير من الرأي العام أن الديمقراطية ليست للعرب فهم لا يستحقونها، وأن ما تحتاجه إسرائيل هو نظام عربي ليس ديمقراطيا، وباختصار نريد حكاما عربا ديكتاتوريين، ومن مصلحتنا أن تكون بعض الدول العربية متخلفة تحت حكم ديكتاتوري». الموجة الرابعة للديمقراطية ويوضح «الغمري» أن 17 خبيرا في معهد بوكنجز للبحوث السياسية في واشنطن عقدوا ندوة اتفقوا فيها على أن الثورة المصرية هي بداية الموجة الدولية الرابعة للديمقراطية. جاءت الندوة بعنوان «البداية من مصر: الموجة الرابعة للديمقراطية»، وأشاروا إلى أن هناك ثلاث موجات للديمقراطية؛ الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، والثانية بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1989، والثالثة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وأكدوا أن الموجة الرابعة تتشكل بعد ثورات الربيع العربي وفي المركز منها مصر. وأوضحت الندوة أن الثورة المصرية قضت على الخرافة التي كانت تصف المصريين بالسلبية وعدم رغبتهم في الثورة «وكان المصريون أنفسهم أول من فوجئوا بالثورة، ويومها اكتشفوا قدرتهم على الإمساك بزمام أمورهم في أيديهم وقهر الخوف من الشرطة والوقوف بشكل جماعي ضد النظام، وذلك منذ الأيام الأولى للثورة التي تصاعدت قوتها مع زحف مليون شخص على ميدان التحرير يوم أول فبراير، حينئذ اكتسبوا شعورا فياضا بقوتهم، وهو ما برهنوا عليه بإصرارهم على إسقاط النظام». مواصفات الرئيس الناجح ويورد «الغمري» مجموعة من المواصفات للرئيس الناجح استخلصها من دراسات أكاديمية وآراء لرؤساء سابقين وزعماء تاريخيين، مثل: ديجول، مانديلا، هافل، أيزنهاور، وغيرهم. ومن هذه المواصفات: أن يمتلك الرئيس رؤية واضحة ونظرة استراتيجية لمجمل الأوضاع والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن يستعين بفريق قوي من المعاونين ذوي العلم والخبرة، يقدمون النصيحة للرئيس حتى ولو كانت مختلفة عن آرائه، وأن تكون شخصية الرئيس ملهمة تدفع الآخرين إلى إطلاق ما لديهم من أفكار وإبداعات، وأن يخرج بحواراته من الإطار الضيق لمجلس الوزراء وقيادات حزبه، ليستعين بأحزاب المعارضة وأصحاب الخبرة من خارج مؤسسة الحكم، وأن يكون تاريخه دالا على أنه لا يجمع بين الرأي والرأي المضاد، مع المرونة في سياسة الحكم، وأن يكون لديه قدرة على بث الطمأنينة في نفوس المواطنين باتخاذ القرارات دون بطء وأن يغوص في عمق المشكلات ولا يقتصر على ظاهر الأشياء، وأن يكون قادرا على مقاومة «عوارض ميكروب كرسي الحكم» التي تؤدي إلى نتائج خطيرة، من أهم مظاهرها أنها «تنقل إليه علة الغطرسة، وتغرس في نفسه بذرة الاستبداد، فيعيش خيالات التصور بأنه هو والدولة شيء واحد، فيعتبر المعارضين له خونة، وتضيع من عينيه الرؤية السليمة، فيكذب على نفسه، بعد أن كذب على الآخرين، ويتجمد تفكيره في قوالب نمطية، بحيث يظل يكرر الممارسات نفسها، حين يتعرض لظروف متغيرة، ويكون هذا طريقه إلى السقوط النهائي». ويضرب «الغمري» مثالا لأحد الرؤساء الناجحين الذين نقلوا بلادهم من التخلف إلى التقدم، ومن شظف العيش إلى الرفاهية، هذا النموذج هو الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، وكانت البلاد في فترة التسعينيات قبل توليه المسئولية تعاني من الفقر الشديد إلى درجة أن 18٪ من المواطنين يعيشون بلا مأوى، وكان عددهم يقدر بنحو 32 مليون مواطن. وفي عام 2002 أصبح «داسيلفا» رئيسا للبرازيل، ليصنع المجد في 7 سنوات فقط، وينقل البلاد إلى إحدى الدول المتقدمة التي تتمتع بالثراء، واحتل اقتصادها المرتبة الثامنة على مستوى العالم، وانتشل هذا الرجل 20 مليون مواطن من تحت الفقر، ليستحق جائزة رجل دولة عالمي في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2010. استراتيجية التنمية الاقتصادية وينتقل «الغمري» للحديث عن أهمية وضع استراتيجية للتنمية الاقتصادية، لأنها البداية لحل كل المشاكل، مع الانتباه إلى أن صناعة التقدم علم له أصول وقواعد، ولكي يحدث التقدم لا بد أن تلجأ مصر إلى طريقة تفكير مختلفة عن طريقة النظام السابق، ويجب أن تتوافق هذه الطريقة مع العصر الذي نعيشه ولا تتصادم معه، وهذا يتطلب إعداد مشروع متكامل يراعي جميع المواطنين في كل بقعة على أرض مصر دون تفرقة بين أحدهم والآخر على أساس المستوى، وأن يتم بعث النشاط في كل قطاعات الدولة، ولا يمكن يتحقق ذلك دون اللجوء إلى أصحاب الآراء والخبرات ليحدث التفاعل الذي ينتج عنه رؤية تشعل شرارة التقدم في جميع قطاعات ومؤسسات الدولة. والدول الناجحة هي التي وضعت التقدم الاقتصادي في مقدمة أهدافها، وهو ما «يستحثنا على أن نبدأ بإنجاز التنمية الاقتصادية ليس بخطوات مجزأة؛ فذلك لم يعد هو أسلوب العصر، بل عن طريق وضع استراتيجية شاملة تستنهض الصحوة في كل مرافق الدولة من التعليم والصحة إلى الثقافة والفنون». أسس التقدم الاقتصادي ويعرض «الغمري» خلاصة ما توصلت إليه الدراسات حول أسباب نجاح بعض الدول في الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة وتتابع الأزمات الاقتصادية في دول أخرى متقدمة. ويمكن الخروج من هذه الدراسات بعدة أسس تحقق التقدم الاقتصادي، ومن ذلك أن الإصلاح السياسي هو البداية وحجر الأساس للإصلاح الاقتصادي، وهو ما يستلزم اختيار أصحاب الكفاءة للمناصب القيادية وعدم الاعتماد على الانتماء الحزبي، وأن يلي ذلك المتابعة والمحاسبة لتفعيل دولة القانون، ومن أهم مظاهر الإصلاح السياسي «إقرار الأمن الداخلي وسيادة دولة القانون، وحفظ كرامة المواطن، وترسيخ الديمقراطية، وتبني دستور توافقي متوازن يعبر عن المصريين جميعا». ويقتضي تحقيق التقدم الاقتصادي اللجوء إلى التعددية في واضعي الخطط ومنح الفرصة لمن لديهم ملكة الابتكار. ولا غنى عن تطوير المؤسسات السياسية للدولة تطويرا شاملا وإتاحة الفرصة للمواطنين لإظهار مهاراتهم وإبداعاتهم، حتى تستفيد من كل عنصر في الوطن، بما يؤدي إلى التقدم في النهاية. ويجب التخلص من تراث النظم الاستبدادية التي تقوم على تنفيذ ما يريده الرئيس الفرد، وهي السياسات التي تحول دون إبداع المواطنين وبالتالي لا يتحقق الرخاء والازدهار. والنمو الاقتصادي لا يمكن أن تنجزه دولة انقطعت عن الزمن ولم تطلع على تجارب الدول الأخرى وما حققته من تطور وتجدد في الأفكار والنظريات والمفاهيم السياسية والاقتصادية. وتنتهج الدول الناجحة سياسة تعرف ب«هندسة الرخاء» تقوم على الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، وفي الوقت نفسه تكون ذات جاذبية للجماهير، لأن اقتناع الشعب يمنح قوة داعمة لخطط التنمية. ولكي ينجح النظام لا بد أن يكتسب ثقة شعبه، وذلك بالوضوح والشفافية، وهذا هو السر في اكتساب الدولة هيبتها ويمنحها القدرة على القضاء على محاولات إثارة الفوضى، وإرساء قيم العدالة الاجتماعية ينتج عنه رضا عن سياسات النظام يؤدي إلى نجاحه في تحقيق الخطط ويجعل الشعب مدافعا عن هذا النظام. وهذا التقدم الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون الوصول إلى «التكامل الفعلي بين التعليم والإنتاج إيجاد مشاركة بين المؤسسات الإنتاجية والمؤسسات التعليمية، عن طريق استجابة مناهج التعليم لاحتياجات السوق، وتكامل جهود البحث العلمي بينهما، مع إسهام المؤسسات الإنتاجية في برامج للتدريب والتنمية البشرية». ويقوم الإصلاح الاقتصادي على إعادة صياغة الفلسفة الاقتصادية للدولة، وأن يكون الهدف زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي والتخلص من «ثقافة العمولات» التي أرساها النظام السابق وهيمنت عليها الطبقة الحاكمة وأدت إلى تخريب الاقتصاد المصري ونشر الاستيراد العشوائي وتحويل مصر إلى دولة مستهلكة. وقبل البدء في الإصلاح الاقتصادي لا بد من تشخيص أوضاع مصر الاقتصادية لتكون لدينا رؤية واضحة عن الأهداف التي نصبو إلى تحقيقها، مع الاستفادة من تجارب الدول الناجحة ومراعاة «أن مصر بطبيعتها دولة يمتد عمقها الاستراتيجي إلى اتجاهات متعددة ومتنوعة، وتتطلب احتياجات أمنها القومي أن تمد جسورا في هذا العمق: في إفريقيا جوارها الاستراتيجي، وفي آسيا الصاعدة بقوة، وفي العالم العربي، حيث انتمائها القومي، وذلك وفق فلسفة سياسية متطورة». مقتطفات من الكتاب الصندوق المغلق: لقد كان في مقدمة أسباب اضمحلال النظام السابق، قبيل سقوطه في 25 يناير 2011، أنه سجن نفسه بغير وعي داخل صندوق مغلق مغمضا عينيه عن تحولات تجتاح العالم من حوله في إدارة السياسات وفي النظريات السياسية والاقتصادية، غافلا عن صحوة وعي وطني تبزغ في صفوف شباب الطبقة الوسطى بعد أن وفرت لهم تكنولوجيا ثورة المعلومات وسائل التواصل مع العالم، والاطلاع على ما يجري فيه من تحولات؛ فصاروا هم متقدمين عليه بمسافات هائلة في الفهم والاستيعاب والتقدير السليم للأمور، حتى أن علماء السياسة في العالم وصفوا هذا التحول بأن نتائجه لا تقل تأثيرا عن نتائج الثورة الصناعية التي بدأت في منتصف سبعينيات القرن التاسع عشر. حنكة الأحزاب الحاكمة تتطلب الحنكة السياسية سعى الحزب الحاكم صاحب الأغلبية إلى تثبيت وجوده، بمشاركة مختلف القوى والتيارات المتنوعة، والاستفادة مما تضمه من أصحاب الخبرة والعلم والفهم لقوانين السياسة، وتجنيب الحزب الحاكم الوقوع في خطأ تضييق رؤيته في حدود زاويته الحزبية فقط، مما يحرمه رؤية المشهد الوطني بأكمله. الدول الناجحة الدول الناجحة تضع استراتيجيات لإدارة شئون الدولة الداخلية، وسياستها الخارجية. وللاستراتيجية شروط يعرفها من يقودون الدول الناجحة، من أهمها: الوضوح الكلي لأهداف نظام الحكم، سواء أمام عيون أجهزة الدولة، أو بالنسبة للدول الأخرى التي يتعاملون معها، وهذا الوضع يتطلب ألا يكون الهدف المعلن للناس مخالفا لما وراءه من نوايا وأهداف غير معلنة. خطأ شباب الثورة إذا كان شباب الثورة قد خرجوا إلى العلن بلا قيادة، فقد وقعوا في خطأ عدم الإمساك بزمام موقف هم صانعوه، وفرض مطالبهم في لحظة تاريخية، كانوا هم فيها محور الموقف، وذلك بأن يختاروا شخصا من أصحاب الخبرة والموقف الوطني المنزه عن الهوى، ليكون متحدثا باسمهم ومنسقا لعملهم. مفتاح التوازن التوافقية هي مفتاح ضمان التوازن داخل المجتمع، والتي تتحقق عن طريق توافق واسع النطاق وملزم على معايير السلوك والقيم والقواعد والقوانين التي ترتقي بالدولة وتحافظ على النظام الاجتماعي، ومن يخرج على هذه المعايير يعتبر خارجا على المجتمع وعلى الدولة. رجفة جسد متهالك ستبقى الضربات الشريرة من عناصر النظام القديم، وقوى الثورة المضادة، عبارة عن رجفة جسد متهالك يعاند حركة التاريخ، ويقاوم إرادة شعب، لكنها تصرفات ثبت تاريخيا أن مآلها إلى التلاشي والاضمحلال. رئيس يتجنب الكوارث: الرئيس الناجح هو الذي يحيط نفسه بفريق قوي من المعاونين، وينظم عملهم بطريقة تطلق أداءهم إلى المدى الذي يسمح لهم بإعطائه ما يحتاجه من علم ومعرفة بالمشكلة المعروضة أمامه، وأن تكون النصيحة المقدمة منهم قاطعة، لا يتخوف مقدمها من اختلافه مع آراء الرئيس، فهذا هو الضمان لحماية الرئيس من الانزلاق إلى قرار قد يجلب الكوارث عليه وعلى شعبه. خريطة معلوماتية أي مشروع يهدف إلى التقدم والازدهار والنهضة يجب ألا يخلو من خريطة معلوماتية؛ حتى لا تبدد جهود بذلت في مصر عبر عشرات السنين الماضية، وأنتجت دراسات وتجارب ومشاريع للنهوض بالزراعة والتصنيع، واستخدام الموارد المتاحة لإنتاج الطاقة وغزو الصحراء وابتكار أفكار لاقتحام مجالات لم يسبق لنا أن اقتحمناها لقيام زراعات وصناعات غير مألوفة تضيف لنا إنتاجا وثروة وخبرة.