أكد الاساتذة والخبراء أن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للأحزاب المصرية لم ترتق لمتطلبات الفترة القادمة. مشددين علي ضرورة بعض النقاط المهمة للمرحلة المقبلة لطرح كيفية الخروج من الوضع الاقتصادي المتردي الحالي. والتي يأتي علي رأسها عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات بما يتطلب ضرورة الاعلان عن برامج غير تقليدية لعلاجهما. مطالبين الاحزاب بحلول جذرية لمشكلة الدين العام الخارجي والداخلي الذي يمثل صداعا في رأس الاقتصاد المصري إلي جانب اقتراحات للقضاء علي ظاهرة البطالة التي بلغت 20% في الواقع العملي. يؤكد الدكتور محمد موسي عثمان استاذ ورئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة بنات جامعة الأزهر أن المتصدرين للساحة السياسية من مرشحين محتملين للرئاسة وكذلك الاحزاب السياسية بما فيها الاحزاب الاسلامية التي تصدرت البرلمان. لا تملك رؤية اقتصادية واضحة ومحددة. مشيراً إلي أن كل الاطروحات التي قدمتها هذه الاحزاب لن تجدي شيئا. خاصة أن مصر علي وشك كارثة اقتصادية بعد انخفاض معدلات الإئتمان. مما جعل الصندوق الدولي يرفض طلب رئيس الوزراء المصري الدكتور كمال الجنزوري اقراض مصر 3.2 مليار دولار. وقال ان الاطروحات القائمة علي الدين لا تصلح علي الاطلاق. فليس كل مشكلة أو قضية تصلح لها الفتاوي أو يصلح رجال الدين للتصدي لها. مطالبا بالرجوع إلي المتخصصين من خبراء واساتذة الاقتصاد عند التصدي للقضايا الاقتصادية الحيوية. استثمارات استهلاكية وانتقد عثمان فكرة استنساخ تجارب دول أخري لتطبيقها في مصر. مشيرا إلي أن هذا الطرح لا يصلح لمصر لانها تختلف عن هذه الدول. لذلك يجب أن تنحوا الاحزاب الاسلامية نحوا علميا عن التصدي للقضايا الاقتصادية. والاعتماد علي خبراء ومتخصصين حتي تخرج التوصيات والحلول علي اسس علمية. وأضاف اذا كان هناك من قيادات التيار الاسلامي. خاصة من الاخوان المسلمين. مثل حسن مالك وخيرت الشاطر. لديهم خبرة اقتصادية. لكن هذه الخبرة لا تعدو سوي خبرة استثمارية في مشروعات استهلاكية. واصفا هذه الاستثمارات بالوهمية. حيث انها لا تعتمد علي الصناعات العملاقة التي تجعلنا في صدارة الدول. وهي حسب وصفه مشروعات لا تبني أمة ولا تحقق الهدف المنشود. وقال: المشكلة الحقيقة ان كل شخص يعتقد انه الاصلح لحكم مصر. وكل تيار أو حزب يظن انه الافضل لقيادة الوطن. دون ان يقدم رؤية شاملة وواضحة لجميع المشاكل التي تمر بها مصر. رافضا حالة اللغط التي تمر بها مصر والتي ادت إلي انقسام داخلي في المجتمع قد ينذر بكارثة مستقبلية. وطرح عثمان رؤيته لحل المشكلة الاقتصادية مطالبا بالرجوع للنموذج الغربي بعد الثورات التي كانت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. التي اسفرت عن توحد اوربا اقتصاديا. فبعد الاتحاد الأوربي نجحت في اصدار العملة والموحدة وغيرها من المشروعات الاقتصادية الكبري. مشيرا إلي أن مصر تملك من مقومات النهضة الاقتصادية الشاملة. فهناك علي سبيل المثال أكثر من 19 مليون فدان صالحة للزراعة يجب توزيعها علي الشباب لزراعتها. مؤكدا علي ضرورة الاهتمام بالمشروعات ذات البعد العملي التي يمكن أن ننهض بها ونتقدم دوليا. غير متكاملة الدكتورة عالية المهدي العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أكدت أن الرؤي الاقتصادية في برامج جميع الاحزاب المصرية الموجودة علي الساحة وليست الاسلامية فقط. ليست متكاملة. واغلبها قائمة علي أمنيات. فلا توجد فكرة شاملة. بمعني أن اغلب هذه الاحزاب عندما طرحت برامجها. لم تقدم اي بيانات أو خطط أو ملامح عن كيفية تنفيذ افكارها. وما هي البداية. وما هي الخطات. فعلي سبيل المثال قضية تمويل التعليم وتطويره. التي تمثل أكثر المشكلات أهمية وتعقيدا. نجد جميع الاحزاب لم تقدم رؤية واضحة لهذه القضية التي هي أساس اية نهضة اجتماعية واقتصادية. وقالت: الرؤي الاقتصادية للاحزاب لم تختلف كثيرا عما كان يطرحه الحزب الوطني في السابق. وهذا لا يعني أن كل الافكار المروحة سيئة. لكن المشكلة تكمن في اليات التنفيذ وعناصر ومراحل هذه الأفكار. مشيرة إلي أن حزب الحرية والعدالة الزراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين وكذلك احزاب الكتلة المصرية التي تمثل اليمين كلها لديها افكار اقتصادية واحدة ولا يوجد فروق جوهرية فيما بينها حتي ان الاحزاب اليسارية أيضاً لا تختلف رؤيتها الاقتصادية والإجتماعية. فأغلب هذه الاحزاب تشجع الاستثمار. لكن لم تحدد كيف يكون الاستثمار. واشكاله. وهذا يعني انها غير واضحة المعالم. وعبرت الدكتورة عالية عن قلقها من عدم وضوح الرؤية عن جميع الأحزاب. مما يمثل اشكالية كبيرة عند تنفيذ هذه المشروعات. فنصطدم بالواقع. ونعود الي ما كنا عليه. بل قد تكون المشكلة أكثر تعقيداً. نسخ كربونية ويتفق معها في الرأي الدكتور رشاد عبده استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة. مؤكدا ان 90% من الاحزاب الجديدة أخذت برنامج الحزب الوطني نصا. مستغلة غياب الوعي وعدم اهتمام المواطنين بقراءة برامج الاحزاب. لكي توهم ان الناس لديها افكار وبرامج تسعي لتنفيذها لكسب تأييد الجماهير خلال الانتخابات. وقال: من خلال استعراض برامج الاحزاب المتصدرة للساحة السياسية نجد برامجها نسخة واحدة. لا اختلاف جوهري فيما بينها. وبالأخص البرنامج الاقتصادي وهو ما يعرف بالطريق الثالث الذي يأخذ افضل ما في الرأسمالية والاشتراكية بتطبيق اقتصاد السوق وتطعيمه ببعد العدالة الإجتماعية بعد الفشل الاقتصادي للإشتراكية وتوحش الرأسمالية. وهي معادلة يمكن تحقيقها بوضع حد أدني واقصي للأجور والاهتمام بحقوق العاملين ووضع قوانين التي تمنع الاحتكار واستبداد التجار في رفع الاسعار بالاضافة لما يعرف عالميا بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال ورجال الأعمال في تقديم المشروعات الخدمية والذي يجب ان يكون الزاميا من خلال القوانين التي تفرض علي الشركات الكبري تخصيص نسبة من ارباحها تذهب الي المشروعات الإجتماعية. الاختيار الصعب ويؤكد الدكتور عبدالرحمن محمود عليان عميد المعهد العالي للاقتصاد ان المحك الحقيقي لمدي مصداقية الخطط والبرامج المعلنة لهذه الاحزاب هو التنفيذ الذي يكشف مدي جاهزيتها لتنفيذ افكارها. مشيراً الي ان هناك بعض الاحزاب عرضت بعض الرؤي والبرامج يمكن ان تحقق طفرة اقتصادية اذا تم تنفيذها وفق الخطط الموضوعية. وقال ان الدعوة التي اطلقتها الاحزاب الإسلامية لإمكانية تطبيق التجربة الماليزية أو التركية. يمكن ان تنجح في مصر. لانها ما هي الا سياسات اقتصادية عامة يمكن ان تطبق في اي مجتمع. مع مدي جاهزية المسئوليه عن هذه البرامج. مؤكداً ضرورة توافر قواعد عديدة لتنفيذ هذه السياسات والتي يأتي علي رأسها تحقيق الأمن. حيث ان رأس المال يبحث عن الأمن. وان يشعر المستثمر سواء الأجنبي أو المحلي بالاستقرار الاقتصادي. بحيث يتأكد أنه لا اتجاه للتأميم أو المصادرة. اضافة إلي عدم فرض اي قيود تعيق حركة الاستثمار. أضاف: يجب أن نرقي بالخدمات الاساسية للنشاط الاقتصادي. ومنها الاهتمام بالتعليم والصحة والتي علي اساسهما يبني الاقتصاد السليم. مطالبا الاحزاب بالرجوع إلي الخبراء والدراسات التي اعدت في هذا الشأن لبحث مدي إمكانية الاستفادة منها. مؤكداً إن هناك العديد من الدراسات والابحاث العلمية بمختلف الجامعات المصرية قدمت حلولاً شاملة لمشكلات مصر الإقتصادية. والتي لو طبقت لأغنتنا عن أية تجارب مستنسخة. ودعا إلي اقرار نظام قانوني وتشريعي واضح وثابت للمستثمر. ووضع دراسات جدوي حول نوعية الاستثمار الذي يصلح لمصر خلال الفترة المقبلة إضافة إلي إعداد دراسات لوجستية للمشروعات العملاقة كممر التنمية الذي طرحه الدكتور فاروق الباز. البعد الإجتماعي وفي تقيمه للبرنامج الإجتماعي للأحزاب الإسلامية يري الدكتور فرغلي هارون الباحث في علم الإجتماع السياسي. إن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية نشطت في الحديث عن طرح أفكار جديدة إجتماعية وسياسية وإقتصادية مستمدة من الشريعة الإسلامية للنهوض بالبلاد وتحقيق التنمية التي طال غيابها عن مصر. كما نشطت الأحزاب الأخري ذات التوجهات الليبرالية والاشتراكية وغيرها أيضا في طرح أفكار مضادة تري أنها السبيل للخروج بالبلاد من حالة التدهور الاقتصادي والاجتماعي إلي مصاف الدول المتقدمة. ولكن كل هذه الأحزاب سواء كانت ذات مرجعية إسلامية أو ليبرالية أو غيرها. رغم ما أعلنته من برامج وما طرحته من أفكار. إلا أنها جميعاً لم تقدم برامجاً عملية. أو مخططات عمل. لتحقيق هذه الأفكار علي أرض الواقع. بل أن أغلب هذه البرامج جاء كالنسخ المتشابهة. فكلها تتحدث عن النهضة والتقدم والإصلاح. وضرورة إصلاح الاقتصاد وأحوال المجتمعا. ولا تخلو بالطبع من مغازلة الفقراء بالحديث عن ضرورة انتشالهم من هوة الفقر والارتقاء بأوضاعهم المعيشية والاقتصادية. مع طمأنة الأغنياء بأنها لن تنال من ثرواتهم ولا مكتسباتهم الحالية!!.. أضاف: لم نجد حتي الآن حزبا واحدا يقدم لنا خطة عمل واقعية يمكن تطبيقها فور التحقيق ما ورد في عباراتهم الرنانة من أحلام. معتقدا أن ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية في مرحلتيها الاولي والثانية من هيمنه التيار الاسلامي علي مقاعد البرلمان. سوف يفرض علي هذا التيار العمل علي الخروج ببرامجه الانتخابية من إطار البلاغيات الإنشائية إلي إطار العمل الواقعي والميداني. ليثبت فعليا إذا ما كان لديه حلول لمشكلات البلاد الإقتصادية والإجتماعية أم لا. ولم يعد أمامنا إلا الانتظار لرؤية ما ستسفر عنه الأيام المقبلة والتي ستضع موضع الاختبار تلك المقولات. لتثبت صلاحيتها أو فشلها.