لن أكتب اليوم عن رأي شخصي، ولن أحتاج إلي كلمات النخبة المثقفة «المفلطحة»، لكني سأنقل وبلسان مواطنة مصرية بسيطة، لا تنتمي لأي حزب وليس لها أي توجه ولا تعرف إلا إنها مصرية «وتموت في تراب هذا الوطن»، هكذا صرخت بوجهي سيدة في العقد الخامس من العمر عندما كنت أسألها عن أحوالها وعن رأيها فيما يدور حولها، نظراتها إليّ تقتحم الصلب، إنها تجسد أكثر من مأساة، وكلمة أبكتني، لن تصف حال من يراها، صرخت قائلة: «يا ناس يا هووووووه. دا حتي العيش الحاف مش طايلينه»، خدعونا باسم الدين والإسلام وانتخبناهم ودلوقت لا عدل ولا سماحة!، تتساءل المرأة بعفوية: فين الخير؟ الإسلام اللي عرفناه ينصف الفقير ويخفف حمله مش يخطف منه لقمة العيش!، أنا يا ابنتي وكثير من هذا الشعب نعيش أحيانا علي العيش الحاف، ولما يحددوا لنا 3 أرغفة في اليوم نعمل إيه؟ ظلت السيدة الطيبة تتحدث بلا انقطاع، كأنها تقول، اسأليهم سؤال هل الإسلام في عرفهم هو ان نموت من الجوع؟ أم نحيا في سجن احتياجاتنا؟! لا أنكر، التهمني الصمت والألم وشعرت بفداحة ما نحن فيه من استخفاف بعقولنا واللعب باحتياجاتنا، عندما يخرج علينا أصحاب الابتسامات الباردة والأقنعة الناعمة كالسيراميك، علي بعض شاشات الفضائيات، وبخيالهم الوردي المصنوع يحاولون فاشلين في نفي كل الأزمات الكارثية من أول رغيف العيش مرورا بأزمة السولار والبنزين والارتفاع الجنوني في أسعار الكهرباء والمياه والغاز والمصانع التي تعلن إفلاسها وبالتالي زيادة معدل البطالة وزيادة نسبة الجريمة والانفلات في حين يؤكد المسئولون أنها أزمات مفتعلة ولا وجود لها!، من هنا تتأكد لنا الهوة الواسعة بين النظام الحاكم الآن وبين الشعب ومشاكله واهتماماته فهذا التجاهل المتعمد إن قرنّاه بالواقع المرير الذي نعيشه تجعلك في حالة من الاستفزاز والأسي فهذا هو مشروع النهضة الوهمي وفضيحة المائة يوم وعهد الإنجازات الذي وعدوا به الشعب المصري ولم يأت من ورائه إلا الإفلاس والدمار والفقر وصناديق الأموات وعويل الأمهات، أما علي المستوي الخارجي فالمصيبة والكارثة بل الفضيحة أكبر حين تهتز دولة في منزلة وعراقة مصر، التي علمت العالم وأسست أقدم حضارة في شتي العلوم والفنون والأدب والقانون الذي ضرب به عرض الحائط «ليتجشأ» الرئيس إعلانا دستوريا يحصن الديكتاتورية من المثول أمام القضاء! ودستور تجاهل انسحاب أطراف لا يستهان بها وتمت الموافقة المسلوقة عليه، في ظل عمليات تدليس وتزوير فجة شهدها العالم، فلا تزال السلطات الغاشمة تجعل من رجال الأمن الأداة والضحية التي تتحمل «عنوة» في النهاية خطايا وفشل كل المؤسسات، مما يجعل منها العدو الأول والأخير للمواطن وها نحن شعب مصر أحفاد أيوب تفوقنا في الصبر عليه وثقل بنا الحمل، ورغم ذلك فما بين برودة الوجوه الرخامية وابتساماتهم المصنوعة ببلاهة، وما بين نور جروحنا وعطر دماء ضحايانا.. ستظل «الثورة مستمرة» لتمصير مصر ولو كره السارقون.