اختفي الدعاة وظهر الطغاة.. ذهب عمرو خالد وخالد الجندي وملكة زرار وسعاد صالح فجأة، وجاء حويني السلفية ويعقوب وشومان الذين قالوا وظنوا أنهم وحدهم المؤمنين. النظرية معروفة وأكيدة، ففي الأزمات عادة ما يملأ »حزب الله« الفراغ بينما تحتاج النتائج سنوات حتي تظهر وتتضح فتتكشف ألوان الشياه. العشرين عاماً الأخيرة كان عمر عبدالكافي وياسين رشدي وسيد عبدالظاهر ثم عمرو خالد وخالد الجندي نجوم المرحلة، ولما اتهمناهم ببث »تدين سطحي« ومحاولات تربح نجحوا فيها بتصدير الدين الشكلي.. قالوا اطلعوا من البلد. ما دفعنا به في الماضي ظهر في المستقبل، فبعد يناير خرج السلفيون من القمقم، فلا عاد لخالد تأثير وسطوة، ولا بات هناك حديث لعمرو. السلفية خطفوا الأضواء، وتداول الناس خطب الحويني وأحاديث شومان ونوادر الشيخ حسين يعقوب علي المقاهي وفي الأزقة، ومنتظر أن ترتفع أسهم الجلاليب القصيرة في سوق ملابس الشباب، بعدما هوت أسهم بدل عمرو خالد، وماركات بارفانات خالد الجندي وكانت موضة. لماذا اختفي الدعاة وظهر الطغاة؟ الإجابة: كل أزمة وظروفها، والمثل يقول: كل برغوت علي قد دمه، فغير أن أثر الدعاة لم يكن كبيراً كما بدا وقتها، لذلك خفتت نجومهم سريعاً بعدما ظهر البديل، فإنهم أيضاً تحصلوا مقاماً محمودا، مع أنهم لا قدموا »فقهاً جديداً« ولا كفوا عن بيع الشباب »وهم العودة إلي الله« علي طريقتهم. لماذا حذرنا من أضغاث خالد الجندي وعمرو خالد قبل سنوات اتهموننا في الدين، ولما تخوفنا من تلاعبهم بقصص التراث، وتفسيرات بعضهم الكارتونية لآيات القرآن، واحتكمنا للمنطق قالك: ضد الدين.. مع أنه لا عمرو خالد ولا خالد الجندي ولا الشيخ مجدي إمام كانوا هم الدين، بالعكس لعب بعضهم بالدين. لم يكن الدعاة فقهاء مجددين، لذلك طغي السلفية بعد يناير.. للسلفية فقه حقيقي، رغم التحفظات علي طريقة الاجتهاد، بينما الدعاة إياهم، لم يزيدوا علي كرات البينج بونج، خفيفة، بصوت وصدي عال، لجودة الصناعة لا لثقل المادة. الأزمة بعد يناير في فقه السلفية، لماذا؟.. لأنه إذا كان عمرو خالد وعمر عبدالكافي قد قلبا المجتمع في أقل من عشر سنوات، بضجيج بلا طحين، فإن أثر فقه السلفية خلال سنوات معدودة، كارثة، فالسلفية اختاروا الفقه الأشد، ولديهم في الوقت نفسه من الأدلة والبيانات ما افتقده الدعاة. حجج فقهاء السلف قوية، بينما كانت حجج الدعاة ضعيفة، قلب الدعاة قبل يناير المجتمع وسيشعل فقهاء السلف الدولة.. في فقه الدين عشرات الآراء، اختار السلفيون منها الأغلظ، نظريات الخروج علي الحاكم بالسلاح موجودة في كتب الدراسات الإسلامية، مثل ما تحوي الكتب نفسها آراء أخري بعدم جواز الخروج علي الوالي درءاً للفتن. التفريق بين المسلمين وغير المسلمين في الملبس والشكل موجودة هي الأخري في الكتب الشرعية، بينما الكتب نفسها تحوي آراء أخري في المشاركة والتسامح وقبول الآخر.. في كتب الشرع ما يوجب تغيير المنكر باليد، وفيها في الوقت نفسه ترك التغيير للحاكم إعمالاً لقاعدة درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح. أخذ السلف الأصعب مما سلف، ويبدو أنه كتب علينا التأرجح، إما بين »لا فقه« أو بين »فقه طغاة«، احتكروا الحقيقة واختاروا العسر رغم شغفنا لليسر. قبل يناير اختار الدعاة كاميرات التليفزيون وأضواء البلاتوهات، بينما اختار السلفية بعده قطع الأذن وهدم الأضرحة وتهديد الأقباط.. قبل يناير أزمة، وبعد يناير مصيبة ومقتاً.. وساء سبيلا. [email protected]