فقد لوحظ لكل صاحب بصيرة أن كل يوم يصدر قانون، وفي الغد ينسخ هذا القانون بآخر، بما يكشف عن أن مؤسسات الدولة مازالت في المهد وغاب عنها صحيح القانون وفلسفته ومراقبه وعدم احترام المبدأ القانوني وقاعدته ولا يعذر أحد بجهله القانوني. والآن في عالمنا السياسي الصاخب واللامسبوق في علاقة السياسة بالقانون، وأيضاً بالعقيدة الدينية وأيضاً بالاتفاق ثم الاختلاف حول قاعدة قانونية وحده نرى بصددها أكثر من تفسير قضائي أو فقهي، وآية ذلك ما نراه - ولم نر له مثيلاً معه من قبل في حياتنا العامة، أن يصدر حكم قضائي، أو يصدر قرار جمهوري من صاحبه ثم نرى له بعد ذلك عدم تطبيقه والطعن عليه بكل صور الطعون مروراً بالقضاء الاداري ووصولاً في النهاية الى قمة القضاء في مصر المحكمة الدستورية العليا.. والذي حدث في عالمنا المعاصر عدم الاتفاق على مبدأ قانوني مستقر يقره جماعة الفقهاء دون اختلاف فيه أو بلغة الشرع والإجماع من الذي وجب أن يسوء في تطبيق المبادئ القانونية والوصول بها الى مرفأ الطمأنينة دون التمادي في تفسيرات مختلفة، اذ إن فقهاء هذا العصر البعض منهم ينتمي الى المدرسة الفقهية التقليدية.. مدرسة الشرح على المستوفي، باعلاء شأن مبدأ الشكلية في التفسير الضيق، والبعض الآخر أصحاب الفكر فهم يفسرون النصوص القانونية تفسيراً علمياً في ضوء مبدأ البحث عن مقاصد القانون وروح النصوص. LIESPRIR DE LOI وما نقول به اليوم يرينا زحمة في التفسيرات وكل تفسير حسب هواه، تفسيراً ضيقاً مختلطاً بالاتجاهات السياسية وهذا في منتهى الخطورة، حيث نرى أن من واقعة واحدة متعددة الاتجاهات وقد ظهر ذلك جدياً في فلسفة الحكم القائم من حيث القرارات الرئاسية وما ينطوي رأياً إلا بعد حين نراها تعدل عن هذا الرأي. والأمثلة شتى ولعل أهمها ما كان من أمر اغتيال مجلس الشعب الذي أطلق عليه مجلس الثورة ولم يمض إلا شهوراً معدودات وصدر قرار «لا ندري هل من المحكمة الدستورية العليا أم من مجلس قيادة الثورة الذي كان صاحب الأمر والنهي في دنيا التشريع»، واختلف الفقهاء وذهبوا شيعاً وأحزاباً، ما بين مؤيد ومعارض وإذ بالرئاسة تصدر قراراً بعودة المجلس الى ممارسة عمله، ولم تمض ساعات على اتخاذ القرار إلا وتم العدول عنه، وتأكد من ثم.. حل مجلس الشعب الوليد، والأدهى في الأمر أن نفس صور البطلان كانت قائمة أيضاً بالنسبة لمجلس الشورى، والذي ظل صامداً ضد أي صور للبطلان بل الأدهى والأمر «أن عصمة التشريع جاءت إليه طواعية»، وأصبح هو صاحب الكلمة العليا في «سن القوانين وتفسيرها وتطبيقها؛.. مجلس الشورى الذي كانت هناك آراء متعددة لإلغائه لعدم أهميته، وعدم الأخذ بمقياس قانوني وقضائي سديد انقلبت معه الأشياء وأصبح الأصل فرعاً والفرع أصلاً.. كل هذا يتم بنفس الصورة المعكوسة. وآخر ما تجود به علينا واقعات عدم وضوح الرؤية التشريعية ما كان من أمر الحديث عن انتخابات برلمانية آتية لا ريب فيها وحددت الرئاسة موعدها الموعود وتقسيمات أمامها وفتح الباب على مصراعيه أمام القوى السياسية المختلفة.. إلا أن القضاء المصري، ميزان الحق والعدل، أصدر قراره بعدم دستورية قانون الانتخابات وكأن التجربة السابقة لم تكن مصباح نور في فتح الحقيقة أمام واضعي هذا القانون، وعادت السيرة المبجلة ورجعت ريمة لعادتها القديمة في بطلان تشكيلات المجلس النيابي أم الأمة في تشريع راق يليق بنبوءة الأمة التي قامت، ولكن الجهل بالقانون وخلط القانون بالسياسة كانت وراء هذه.. الخلبطة التشريعية والسياسية، وكل كما قلنا مرارا وتكرارا يغني على ليلاه.. بمعنى المصطلح السياسي.. كل حزب بما لديهم فرحون.. أما الصالح العام، وأمل مصر في حرية نقية ديمقراطية حسناء فهى آتية - مع ذكاء الشعب المصري - قريباً.. قريباً.. ويرونه بعيداً بعيداً ونراه قريباً قريباً.. وتلك حكمة الأيام والسنين.. ودائما وأبداً إلى لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.