الأسماء الكبيرة ليست المعيار الأول للنجاح.. وشخصية «آمال» على مقاس صبا فى أولى تجاربه الروائية الطويلة، أثبت المخرج والمؤلف الأردنى زيد أبوحمدان أنه قادر على التميز، فهو ينتمى لمدرسة الفلسفة الإخراجية، وهى المدرسة التى لا تحتوى إلا على الإبداع دون الخروج عن قوانين السينما المتعارف عليها، وهذا ما لمسناه فى فيلمه الروائى الأردنى الأول الاستثنائى فى بداية مسيرته الاخراجية «بنات عبدالرحمن» الذى حصل على جائزة الجمهور فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى بدورته ال43 المنصرمة. وهو الفيلم الثرى فى مضمونه ورسالته ولغته السينمائية. رغم دسامة القضية التى يتناولها الفيلم وهى «أشكال القمع والإقصاء الممارسة تجاه المرأة»، لكن لا تخلو مشاهده ذات السمت الجمالى والدلالى المكثف، من مسحة فكاهية خفيفة تحدّ من شدة القضية، وهنا تظهر عبقرية المخرج فى إرساء عناصر الإبداع فى فيلمه. حول رسالة العمل ومضمونه الثرى، التقت «نجوم وفنون» المخرج زيد أبوحمدان للوقوف على التحديات والصعوبات التى واجهته خلال تنفيذ الفيلم الذى استغرق 5 سنوات حتى يرى النور، وتعامله مع الفيلم كمخرج وكاتب، والدافع الذى قاده للإبحار فى قضايا المرأة فى أولى أفلامه الروائية، ثم انتقلنا بالحوار عن خططه المستقبلية فى السينما.. وإلى نص الحوار: بداية ما الدافع الذى قادك لطرح قضية نسوية بحتة فى أولى أعمالك الروائية؟ - تشغلنى القضايا الاجتماعية، ودائمًا القضايا الاجتماعية الثرية تكون المتعلقة بالمرأة، اردت من خلال هذا الفيلم اعكس ممارسات الإقصاء والقمع التى تتعرض لها المرأة فى المجتمعات العربية رغم الانفتاح الذى نعيشه الآن لكن مازالت المراة تُعانى من هيمنة المجتمع الذكورى وتسلط الرجال، كما أن الفيلم عكس دور الأب فى حياته بناته بشكل كبير، فالفيلم يمس المرأة والرجل أيضًا. هل أردت أن تقول من خلال الفيلم إن الكتابة عن المرأة ليست حكرًا على النساء؟ - الأمر لا يرتبط بنوع الكاتب سواء رجلًا أو امرأة، هو متعلق بمدى إيمان الكاتب بالقضية التى يطرحها حتى يستطع التعبير عنها بشكل سليم، فى فيلم «بنات عبد الرحمن» كنت مؤمن بكل كلمة كتبتها على الورق، وعبرت عنها سينمائيا بلغة الصور والكادر. السيناريو حجر أساس العمل الفنى، ما المعطيات التى استندت عليها فى كتابة سيناريو الفيلم؟ - استندت على معطيات ذاتية واقعية، ما سردته من وحى الواقع والحياة التى نعيشها، حتى العبارات والكلمات التى استعنت بها متداولة فى الشارع الأردنى. كونك كاتبًا ومخرجًا للعمل هل صعب من حجم المسئولية عليك فى تنفيذ الفيلم؟ - إطلاقًا، كونى كاتبًا ومخرجًا للعمل ساعدنى على تنفيذ الفكر بالشكل الذى كان يدور بمخيلتى، وكان على كمخرج إظهار المشاعر على ملامح الفتيات الأربعة بحيث تعبر عن كل جملة كتبتها وشعرت بها وصدقتها وتخيلتها امامى. يتميز فيلم «بنات عبدالرحمن» بأنه مفعم بالحيوية ومتوقد المشاعر.. ولا تخلو مشاهده من مسحة فكاهية خفيفة رغم قضيته الجادة هل تعمدت ذلك؟ - أردت أن أرصد واقع حقيقى، حياتنا مزيج من الدراما والكوميديا، ونحن شعب عربى نتميز بفكاهتنا فى التعبير عن غضبنا، شخصيات الفتيات الأربعة فى الفيلم معقدة، أردت أن يحمل الفيلم مسحة كوميدية فكاهية لجذب المشاهد وزيادة تفاعله مع الأحداث. الفيلم حصد جائزة الجمهور فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته ال43، وشارك فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى بالسعودية.. هل ثمة مهرجانات أخرى تخطط للمشاركة فيها؟ - بالفعل، تم وضع خطة لتسويق العمل فى العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وسعيدة أن الفيلم حظى بإعجاب الجمهور وردود فعله تجاه الفيلم رغم أنه قضية نسوية بحتة. ولماذا لم تستخدم «اللهجة البيضاء» فى السيناريو لتقريب لغة التفاهم بين الناس، وبين الثقافات المتفاوتة للعقول بديلًا للعامية المحصورة على بيئتها حتى يتمكن جمهور الوطن العربى لفهم رسالة الفيلم بشكل أعمق وأدق؟ - نحن أمام فيلم أردنى يتحدث عن المرأة الأردنية المهدور حقها، لذا لابد أن تكون اللهجة معبرة عن طبيعة البيئة الشامية البسيطة، وأعتقد أن قصة العمل كفيلة لتفاعل الجمهور مع أحداثها حتى لو سقطت منه بعض الكلمات غير المفهومة لثقافته. الفيلم يضم أربع نجمات هل كان فيه مجال للمنافسة بينهن؟ - المنافسة الشريفة فقط لا غير، نحن جميعًا أسرة واحدة مؤمنون برسالة الفيلم، نعمل فيه بحب وإخلاص، اجتهدنا جميعا حتى يخرج العمل بهذه الصورة المرضية للمشاهد، لأن النجاح جماعى وليس فرديًا، فى الحقيقة الفتيات الأربع قدمن أداء استثنائيًا وحقيقيًا فى الفيلم. هل وجدت صعوبة فى إقناع الفنانة صبا مبارك لتقديم شخصية «آمال» نموذج المرأة المتدينة المقهورة الخاضعة لسلطة الزوج وطاعته؟ - إطلاقًا، بالعكس صبا تحمست كثيرًا للدور للدرجة التى دفعتها للمشاركة فى إنتاج الفيلم، وجدت فى شخصية «أمال» تحديًا كبيرًا لموهبتها، وثوبًا جديدًا لها استطاعت من خلاله تغير جلدها. هل أنت صاحب فكرة اللوك التى ظهرت به صبا فى ثوب شخصية آمال؟ - بالتأكيد، جمعتنا جلسات عمل كثيرة للوقوف على الشكل النهائى للشخصية ظاهريًا وباطنيًا، لهذا لجأنا للملابس الفضفاضة التى تظهر سمنتها كونها امرأة لا تعير اهتمامًا بمظهرها الخارجى ولا رشاقتها ولا ملبسها، فهى مثال للمرأة المقهورة الخاضعة طوال الوقت لأوامر زوجها. اختيارك للفنانة صبا مبارك هل جاء لشعبيتها الجارفة فى الوطن العربى حتى يسهل عليك عملية تسويق الفيلم؟ - لا شك أن صبا نجمة واسم كبير فى الوطن العربى وتحظى بشهرة واسعة، وهى مكسب وإضافة للفيلم، ووجود اسم كبير ومعروف فى الفيلم يساعد فى خطه تسويقه، ولكن الشخصية متفصلة على مقاس صبا لا يستطيع أحد تقديمها سواها لأن الدور جرىء ليس فى الفكر ولا الملابس، ولكن أن تتخلى المرأة عن جمالها أمام الكاميرا هذا يتطلب ممثلة ذكية وشجاعة وعاشقة للفن، وهذا ما تتميز به صبا. الأسماء الكبيرة عادة ليست المعيار الوحيد للنجاح ولكن ثمة عناصر أخرى لابد من توافرها، أولها الموهبة وقدرة الفنان على التأثير فى المشاهد ليتعاطف مع الشخصية ويصدقها، وهو ما راهنت عليه فى الفيلم من البداية، ورد الفعل فى الأيام الأولى من العرض كان إيجابياً. ما التحديات التى واجهتك خلال تصوير الفيلم؟ - ثمة صعوبات سببتها طبيعة القصة والأحداث، كان الشاغل الأكبر بالنسبة لى هو كسب تعاطف الجمهور مع الفتيات الأربع، وشعورهم بالقهر الممارس ضدهم، وأن ترى فيه كل امرأة عربية نفسها، وهذا ما حدث بالفعل الفيلم تعاطف معه الرجال قبل النساء، وأتمنى أن أكون نجحت ولو بجزء بسيط فى تغير نظرة المجتمع والرجال للمرأة. الفيلم يفضح السلطة الذكورية ويتمرد على العادات والتقاليد المقبولة ظاهريًا فى المجتمع ألم تخشَ من سيل الانتقادات الذى يكون فى انتظارك؟ - السينما مرآة عاكسة للواقع، تضع المشاهد أمام عوراته الفكرية، وهذا هو دور الفن المتمثل فى المقاومة، وتعرية المجتمع، لا أخشَى الانتقادات، لا أصنع فيلمًا حتى يحظى على إعجاب فئة معينة من النقاد، أصنع فيلمًا يرصد واقعًا يسرد حقيقة، يعبر عن واقع مؤلم تعيشه المرأة. الفيلم يشجع الفتيات بعدم الرضوخ للعادات والتقاليد البالية وهذا ما ظهر جليًا فى تمرد «آمال» التى انقلبت على زوجها ورفضت الانصياع لأوامره بعدم تزويج ابنتهما القاصر، وتمرد «زينب» على التنظير التى تواجه كفتاة عانس لم تتزوج بعد، تنازلت عن أحلامها لإرضاء المجتمع، وتمرد ختام التى ترغب فى العيش بالطريقة التى تراها مفضلة بالنسبة لها وليس بالنسبة للمجتمع، وهذا يظهر فى تمردها على الحجاب وشكل علاقتها المرفوضة اجتماعيًا مع حبيبها، وفى تمرد «سماح» تلك المرأة المتحررة المدخنة بشراهة التى تأبى العيش بين أربعة جدران. فى مشهد المكاشفة الذى عكس زمن الازدواجية الأخلاقية التى نعيشها وهو من أهم مشاهد الفيلم فى تصورى.. ما الرسالة التى أردت أن توجهها من خلال هذا المشهد؟ - إن البشر جميعهم ليسوا ملائكة، وكل شخص ينتبه لأخطائه ويحاسب نفسه على أفعاله قبل أن ينتقد الآخرين ويتربص لهم، هذا المشهد من أهم مشاهد الفيلم لأنه عكس توجه الفيلم، ورسالته المتمثلة فى تعرية المجتمع الذكورى العربى وتناقضاته وما يعتريه من ازدواجية أخلاقية. فى نهاية الفيلم قررت أن تنتصر للمرأة بعد استيفاق الأب من غيبوبة الأفكار الرجعية المتوارثة وضم بناته الأربع تحت جناحه.. حدثنا عن مشهد النهاية ورسالته؟ - الأب عندما تخلص من أفكاره الرجعية المتوارثة، وسمح لبناته العيش بالطريقة المناسبة لهن، هنا تظهر مشاعر الود والمحبة والألفة فى المنزل لأنهن وجدن الحب الذى يبحثن عنه وهو الأمان المتمثل فى الأب الذى عاد يحتضن بناته، ومشهد النهاية فيه إعلاء لقيمة الإنسان بعيدًا عن أى سلطة دينية أو دنيوية. «بنات عبدالرحمن» هو أول عمل روائى طويل.. لكن سبقه 5 تجارب للأفلام القصيرة.. ما الاختلافات التى وجدتها بين الأفلام الروائية القصيرة والأعمال الطويلة؟ - التجربة صعبة وكان فيها تحد كبير لى، كان على ضبط الإيقاع لضمان انجذاب المشاهد إلى العمل وعدم شعوره بالملل والرتابة عكس الأفلام القصيرة التى تعتمد على العناصر المهمة فى الفيلم، لهذا استغرق العمل 5 سنوات حتى يخرج للنور، وقمت بإعادة كتابة النص مرارًا وتكرارًا حتى وصلت إلى النسخة الأخيرة التى صورناها وشاهدها الجمهور. بعد «بنات عبدالرحمن» ما العمل الذى تعتزم تحضيره خلال الفترة المقبلة؟ - أقوم بالتحضير لفيلم أردنى جديد بعنوان «بومه».