سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد حسانين باشا مكتشف الصحراء الغربية.. هو الجزء المجهول تاريخيًا بالنسبة للمصريين غواية الصحراء تطول السفير والروائى محمد توفيق فيكتب عن فضائها همس العقرب
«صراع الحضارات» قضية عالقة فى المشهد الروائى العربى دبلوماسيون، مثقفون، صحفيون وأدباء يتقدمهم السفير المخضرم عبدالرءوف الريدى، قرروا أن يتركوا شعورهم اليومى بصخب المدن ونشرات أخبارها السريعة والمتلاحقة، ومعمار مبانيها الذى لا يترك حرمة للمكان أو فضاء للتأمل، ليعودوا بالزمن مائة عام من مجلسهم فى القاعة الرئيسية لمكتبة مصر العامة، فالكل لدية شغف بما سيرويه السفير محمد توفيق عن نداهته الجديدة الصحراء الغربية التى سجل غرامه بها، وفك أبجديتها وطلاسمها وعالمها الغرائبى فى روايته التى صدرت حديثًا عن دار العين للنشر «همس العقرب». الجميع يريد أن يعرف وقائع ما حدث فى الرحلة العجيبة التى قام بها شاب مصرى وامرأة إنجليزية عام 1920 ميلاديًا فى دروب الصحراء الغربية وصولًا إلى واحة «الكُفرة» على ظهور الجمال، يحيط بهما من كل جانب صوت الرياح وهيبة الجبال وسكون أقرب إلى أحاديث الوجود، ويفصل بينهما قرون من الاختلاف الثقافى والحضارى والاجتماعى. على الرغم من عدد المبدعين الذين اتخذوا من الصحراء عالمًا لأعمالهم، يتفاوت فى ذلك الكتاب المصريون والمبدعون العرب وكذلك الروائيون العالميون، إلى أنه ما زال حتى الآن عندما تصدر رواية حديثة تطأ أقدام أبطالها الصحراء، يوصف الكاتب بأنه يسلك دربًا جديدًا فى الكتابة. ولا تجنى فى ذلك على الأسبقين فى هذا النوع من الإبداع، إنما هى هيبة الصحراء، ودلالها فى البوح لمن يجوبونها، ما يجعلها عزيزة مهما كتب عنها المبدعون. فالصحراء ليست كالحُب؛ كلما دقت عقارب الساعة دقت تروس المطابع ألف رواية عنه. بينما الروايات التى تحتفى بصحراوات العالم، فقد تصادفنا كل عقد أوعقدين من الزمن، وأقل من ذلك العدد هى تلك الروايات التى استطاعت أن تثبت أهميتها على أرفف المكتبة المصرية أو العربية، مثل «فساد الأمكنة» للكاتب الكبير صبرى موسى، «واحة الغروب» لبهاء طاهر، «الخِباء» لميرال الطحاوى، «رحلة الضِباع» لسهير المصادفة، «التبر» لإبراهيم الكونى، «النهايات» عبدالرحمن منيف، «القناص» لزهران القاسمى. ربما تكون هذه الندرة الظاهرة فى هذا النوع من الإبداع، هو ما جعل السفير عبدالرءوف الريدى رئيس مجلس إدارة مكتبة مصر العامة، يصف الكاتب محمد توفيق بأنه سلك دربًا جديدًا فى الكتابة خلال تقديمه للأمسية الثقافية التى أقامتها المكتبة؛ لمناقشة «همس العقرب». بدأ السفير الكاتب عبدالرءوف الريدى حديثه عن «همس العقرب»، مؤكدًا أهمية مشروعى السفير محمد توفيق الدبلوماسى عندما كان سفيرًا لمصر فى واشنطن، وكذلك الأدبى بإصداره عددًا من العناوين الروائية أثبتت وجودها وسط زخم الإصدارات المتواجد الآن. ثم انتقل إلى «همس العقرب حديث الندوة» ليقول عنها: «هذه الرواية لابد وأن تُقرأ أكثر من مرة، حتى يستطيع القارئ أن يُلم بكم المعلومات الهائل الذى تأنس به هذه الرواية». كدبلوماسى متمرس بقلب مصر، استطاع «الريدى» أن يمسك بقلب الرواية وهى «الكُفرة» البطل المكانى للعمل ومسرح الأحداث، وهى جزء من حدود صحراء مصر الغربية، ليشير السفير عبدالرءوف الريدى إلى أننا عندما نتحدث عن الصحراء المصرية فى رواية، فنحن نتحدث عن خمسة وتسعين فى المئة من أرض مصر، كذلك لفت إلى جمال اللغة ودقة الكاتب فى وصف المشاعر، كما أشار إلى مغزى الرواية المتمثل فى صراع الثقافات، الذى يطرحه العمل من خلال البطلين «حسين» الشاب المصرى، و«روز» المرأة الإنجليزية، واللذين التقيا معًا من خلال رحلة صحراوية فى مصر. كذلك ألقى «الريدى» الضوء على نقطة مهمة فى العمل، وهى أن شخصية البطل مستوحاة من شخصية أحمد حسانين باشا رئيس الديوان الملكى فى عهد الملك فاروق عام 1940، منوهًا إلى أن حياة «حسانين» فى بداية القرن العشرين وقت ولعه بالصحراء، وتوغله فيها ومحاولة اكتشافها والكتابة عنها، هو الجزء الأقل معرفة لدى المصريين والعالم عنه. وأضاف «الريدى»: «لذلك فعل الكاتب محمد توفيق خيرًا حين وثّق لهذه الفترة من حياة أحمد حسانين وهو الجزء المجهول تاريخيًا بالنسبة للمصريين، حيث إنه يعتبر مكتشف الصحراء الغربية فى مصر. بعدها دارت دفة الحديث ناحية السفير محمد توفيق، للكشف عن كواليس روايته، لكنه آثر فى البداية أن يشكر جهود السفير «الريدى»، فى تطوير مكتبة مصر العامة، وتحويلها إلى سلسلة مكتبات مهمة فى كل أنحاء مصر، خاصة محافظات الحدود؛ الواحات، سيوة، والقنطرة شرق. وبالعودة إلى أجواء كتابة «همس العقرب» أشار الكاتب محمد توفيق إلى أن رواياته الثلاث الأولى تعرضت لتاريخ مصر خلال القرن العشرين من 1900 إلى 1999، وإن كتابة هذه السلسلة تطلب منه تجهيز بحث مطول يضم معلومات شافية عن تاريخ مصر. وأضاف«توفيق»: «أثناء إعداد هذا البحث واجهتنى جملة عدة مرات وهى (الرحلة التى قام بها أحمد حسنين مع المرأة الإنجليزية)، فى الحقيقة أنا اعتبرت تكرار هذه الجملة أمامى هو إشارة لشىء ما، وبالفعل بدأت تتضح هذه الإشارة عندما قرأت جملة بعدها لأحد المؤرخين قال فيها (يجب أن يكتب أحد رواية عن رحلة أحمد حسانين والمرأة الإنجليزية)، وبعدها ظلت الفكرة تزورنى من وقت لآخر، لكن عندما تعمقت أكثر فى الفكرة وبدأت أبحث عن مراجع تخصها، اكتشفت أن أغلب الذين كتبوا عن هذه الرحلة ركزوا بشكل كبير على علاقة أحمد حسانين بالمرأة الإنجليزية، خاصة وأنهما أدعيا كذبًا أنهما متزوجان، وأن «روزيتا» اعتنقت الإسلام وبالطبع أقاما فى منزل واحد معًا، ووجدت أن هذه هى النقطة الوحيدة التى أثارت خيال كل منْ تعرض لهذه الرحلة بالتحليل، والأكثر من هذا أن هذه السيدة بالفعل كانت تعمل على تطوير علاقتها بأحمد حسانين عاطفيًا لكنه رفضها، وهو ما قدّره له المصريون عندما شاع الخبر، لأنهم شعروا أن روح الأزهر التى نشأ عليها ابنهم بين يدى والده وجده، انتصرت على روح أكسفورد التى تخرج فيها». وواصل «توفيق»: «ربما هذا ما جعلنى أشعر أن هذه الرواية تستحق أن تُكتب، فالصراع فيها ليس فقط بين حضارتين من خلال شخصين، إنما هو صراع حضارتين داخل الإنسان الواحد أيضاً، فنحن هنا أم أمرأة تحمل حضارة غربية، ورجل أصبح لديه حضارتان شرقية وغربية، ذهبا فى رحلة ليعيشا وسط جمع من الناس لم يعرف شيئًا عن هذا ولا ذاك، فى الحقيقة أن هذا المزج لمس بداخلى رغبة كبيرة فى خوض هذه الرواية».. واستطرد «توفيق»:» إلى جانب أننى أرى مثل غيرى كثيرين أن أحمد حسانين باشا عرفّه التاريخ على أنه رجل سياسى، وأغفل البعض دوره الاستكشافى فى الصحراء، على الرغم من أن له دور مهم فيها، فلم تكن رحلته مع «روزيتا» هى رحلته الوحيدة إلى الصحراء، بل تبعها برحلة مهمة أخرى، وله أكثر من مؤلف فى ذلك كما يعلم كثيرون. ثانيًا أردت أن أعطى شجاعة «روزيتا» شريكته فى الرحلة حقها من التعريف بها، فما قامت به هذه المرأة فى هذا التوقيت واختيارها الصحراء طريقًا لرحلتها أمر أدهشنى. لكن هذا لم يمنعنى من أن آخذ عليها خديعتها للمجتمع البدوى، الذى عاشت فى سطه فى صحراء مصر الغربية فى «الكُفرة»، فهى لم تكتفِ بادعائها أنها زوجة أحمد حسانين، وأنها اعتنقت الإسلام، بل كانت توغل فى خداعهم، بأن تقيم كذبًا الصلوات الإسلامية، وتدعى القراءة فى المصحف الشريف. وهو ما أشارت إليه فى كتابها «أسرار صحراء الكُفرة»، الذى نشرته عن هذه الرحلة، وكانت تتباهى؛ كيف استطاعت أن تتقن دورها فى خداع الجميع!! وما أثار حفيظتى أكثر، أننى أعلم أن الخديعة أمر مرفوض تمامًا فى المجتمع الإنجليزى، ما نبهنى إلى أنه أمر مرفوض داخل المجتمع الإنجليزى فقط، لكنه مرحب به تجاه الشعوب الأخرى، بل قد يدعو للتباهى. وواصل «توفيق» حديثه: «فى الحقيقة أنها ليست «روزيتا» وحدها هى من وثّقت لهذه الرحلة، فقد سجل أيضاً أحمد حسانين باشا كل تفاصيل هذه الرحلة فى كتابه «فى صحراء ليبيا»، لكن لو نظرنا لكتاب «روزيتا» وهى ابنة أكبر حضارة فى العالم وقتها، نجد أن الكتاب تقريبًا جاء وصفيًا بدقة تكاد تكون متناهية، وصفت فيه «روزيتا» النباتات، الرمال، درجات الحرارة، الأطعمة، الأزياء، العمارة، القوافل، مسجد الكُفرة، الضريح الموجود بداخله، الولائم، الأوانى، البيوت، والفرق بين بيت الزعيم والعامة، وأثاث كل منها. فلم تترك السيدة الأجنبية شيئًا لم تمعن فيه النظر، وهو ما يؤكد لك من بداية الكتاب، أنها نظرة المرء فى غير أهله وأرضه. لكن عندما نذهب إلى كتاب أحمد حسانين «فى صحراء ليبيا» سنجد أن اللغة الشعرية الساحرة رغم بساطتها قد غلبت الكاتب، وتسيّدت الكتاب، فأولى اهتمامه للجانب النفسى؛ بماذا يشعر الإنسان الذى يعيش فى الصحراء؟ ما العلاقة بين أبناء القبيلة الواحدة؟ وبين القبيلة والأخرى؟ تحدث عن علاقة الإنسان بالصحراء، وبالسماء وبعين الماء وبالنخلة والتمرة التى أتت منها. كل هذا أن أشار إلى شىء، فإنما يشير إلى أن هذين شخصين مختلفان، كل منهما جاء من طريق، كما أن كل منهما ينظر إلى الأشياء من خلال الطريق الذى جاء منه، الذى غالبًا سوف يذهب إليه. وفى نهاية حديث السفيرمحمد توفيق عن روايته «همس العقرب» لفت إلى أن كل النقاط التى مثّلت إشكاليات مهمة وقت انطلاق هذه الرحلة فى بدايات القرن العشرين؛ من صراع الحضارات، ونظرة المجتمعات للمرأة، وكذلك رؤية كل مجتمع للآخر المختلف عنه، كلها أزمات متجذرة، وما زالت عالقة لم تُحل بعد، ما دفعنى دفعًا لكتابة «همس العقرب». محمد توفيق كاتب وروائى ومهندس ودبلوماسى مصرى وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير فى القانون الدولى من جامعة باريس، ثم حصل على دبلوم العلاقات الدولية من معهد الإدارة الفرنسى، وعمِل سفيرًا لمصر لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية، قدم الكاتب محمد توفيق ثلاثية روائية تتكون من رواية «ليلة فى حياة عبدالتواب توتو» عام 1996، ورواية «طفل شقى اسمه عنتر» عام 2003، ورواية «فتاة الحلوي» عام 2010 والتى اختارتها الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، للتدريس كرواية مقررة على كافة طلبة السنة الأولى بجميع التخصصات. والمستكشفة «روزيتا فوربس» كما كتب عن رحلتها الدكتور محمد قصيبات الشاعر والمترجم السورى فى مقال بعنوان «البحث عن الواحة الضائعة» قد نظمت رحلتَها بطريقةٍ أكثر ذكاءً ممن سبقوها من المستكشفين والرحالة الغربيين أمثال: المجرى «لازيو الماسي» والبريطانى «رالف بانيولد» اللذين تنافسا بحثًا عن واحةِ الكُفرة، إذ تحصّلت على إذن مسبق من السيد إدريس السنوسى لعدة زيارات للكفرة بين شهرى ديسمبر عام 1920 وفيراير عام 1921 وكانت تعبر الصحراء فى زى امرأة بدوية وكانوا ينادونها «ست خديجة»، وقامت بنشر كتابٍ حول رحلتها ذكرت فيه الكثيرَ من التفاصيل عن تلك الواحة بعنوان «سر الصحراء العربية»، وقد ترجمه إلى العربية صبرى محمد حسن تحت عنوان «سر الصحراء الكبرى: الكفرة»، وصدر عن المركز القومى للترجمة فى القاهرة عام 2013م. وقد قدرت السيدة فوربيس سكان الكفرة يومها ب3000 من أهالى الزوية وبين 300 و400 من التبو وقالت عن المناخ إن الأمطار لم تسقط على الكفرة طوال ثمانى سنوات لكن المياه كانت موجودة على عمق 3 أمتار فقط، وكانت الواحةُ غنية بالغلال والفواكه لكنّ الجمال كانت تعيش على التمور لغياب الأعشاب وركزت فوربيس على أهمية الكفرة كمركز تجارى وجدت فيه شعبًا متحضرًا يعيش فى شيء من الرفاهيةِ وتحدثت عن إخوان السنوسية وقالت إن لديهم بيوتًا راقية ببساطٍ جميل، وكانوا يستوردون الجلود من الدارفور. بعد الكفرة عاشت فوربيس فى مدينةِ الجغبوب حيث مسجد «سيدى على»، وتحدثت عن الجيل الأول من السنوسيين وبعض الطلبة الذين عاشوا هناك، وقدرت عدد سكانها وقتها بحوالى 150. قطعت روزيتا فوربس هى وقافلتها ورفيقها أحمد حسانين هذه الرحلة فى ستة وستين يوما. قطعت القافلة 1572 كيلو مترًا طوال هذه الفترة، بمتوسط سير يومي حوالى ثلاثة وعشرين كيلو مترًا فى اليوم الواحد فى أرض وعرة التضاريس. وطقس شديد البرودة. فى الصحراء تواجه القافلة الفناء أكثر من مرة؛ وعند وصول القافلة لواحة الكفرة يستقبلهما أهل الواحة بريبة، ثم يتقبلونهما ويستضيفهما سيدى فوزى كبير الواحة فى منزله، ليبدًا الجميع فى تسجيل ملحمته الخاصة. تقول روزيتا فوربس فى مفتتح كتابها «سر الصحراء الكبرى»: أهديت قصة مغامرتنا إلى أحمد بك حسانين رفيقى فى هذا الكشف الجغرافي «نظرًا لأن الخبرة التى اكتسبها ذلك الرجل عن السنوسى كانت لا تقدر بثمن؛ إضافة إلى أن أحمد بك حسانين كان أخلص محالف لى طوال هذه الرحلة. كانت كياسة الرجل ولباقته وفصاحته تنقذ الموقف فى كثير من الأحيان»، عندما كانت لغتى العربية تخونني؛ وكنا نضحك ونتشاجر مع بعضنا خلال المصاعب التى كانت تواجهينا.