تعلن الحكومة إعلاناً واضحاً عن نيتها في إجراء مصالحة مع رجال الأعمال الهاربين الذين في أعناقهم أموال وديون عامة للدولة، وأن هناك اتصالات في هذا الصدد تدور في تكتم بين هؤلاء الهاربين وبعض أقطاب جماعة الإخوان المسلمين من رجال الأعمال، ونحن لا نعرف إلي أي حد حققت هذه الاتصالات «توفيقاً» يساهم في التخفيف من حدة أزمتنا الاقتصادية، لكننا نعرف فقط أن الاتصالات جارية، مثلما أذيع علينا استعداد بعض المسئولين السابقين علي نشوب ثورة 25 يناير 2011 للتنازل عن أموال عامة غنموها وممتلكات آلت إليهم دونما استحقاق بما أحاط بها من شبهات استغلال النفوذ، ورغم الجدل الدائر في أوساط الرأي العام حول سلامة وجواز هذا الأسلوب المزمع اتباعه مع الذين هربوا من المسئولين السابقين خارج مصر بأموالهم، وضرورة ما يراه البعض لازما للتعامل مع هؤلاء بالقانون وما قرره في شأن هؤلاء الهاربين بأموال عامة، وقصاري القول في هذا كله أن الدولة تسعي للحصول علي أموال مصرية ممكنة بصرف النظر عن الموقف القانوني لمن في حوزتهم هذه الأموال، فإنني دهشت لقرار وافق عليه النائب العام وقررته نيابة مكافحة التهرب الضريبي بوضع رجلي الأعمال ناصف أنسي ساويرس رئيس مجلس إدارة شركة «أوراسكوم للإنشاءات والصناعة» والعضو المنتدب لها، وأنسي نجيب ساويرس مؤسس هذه الشركة علي قوائم الممنوعين من السفر!، وترقب الوصول للتحقيق معهما في التهرب من سداد ضرائب تقدر بنحو 14 مليار جنيه عن أرباح صفقة بيع شركة «أوراسكوم بيلدنج» إلي شركة «لافارج» الفرنسية، والتي نتجت عنها أرباح بلغ حجمها نحو 68 مليار جنيه. وإذا بالبورصة المصرية تتراجع أعمالها فور أن أذيع الخبر، وفيما قرأت أن الفترة الماضية قد شهدت نزاعاً بين الحكومة المصرية والشركة، وجاء صدور قرار المنع من السفر والوضع علي قوائم ترقب الوصول في الوقت الذي أفادت مصادر الشركة بأن الذين شملهم هذا القرار خارج البلاد حالياً، كما أن المستشار القانوني للشركة في ملف التهرب أشار إلي أن المفاوضات فيما يخص الضرائب المستحقة كانت لاتزال دائرة!، وأنها لم تصل إلي طريق مسدود، فيما اعتبر رئيس اتحاد الصناعات أن حسم الموضوع ومدي خضوع الصفقة لضريبة الأرباح الرأسمالية قد سبقه التشهير بالمستثمرين وإعلان منعهم من السفر، مما يجعلهم يتساوون مع من يقومون بالاستيلاء علي أموال الدولة!، كما أكد هاني قسيس رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي تفضيله أن يكون التفاوض مع رجال الأعمال «الكبار» بعيداً عن التشهير وفي إطار قانوني بما لا يخل بصورة الاستثمار في مصر!، وقال المحلل الاقتصادي إن قرار المنع من السفر يضر بمناخ الاستثمار، ويساهم في هروب رجال الأعمال إلي خارج البلاد. وإذن، فإن ملاحظتي تتركز علي نقطة مهمة تتعلق بأحوالنا الاقتصادية الحالية، فنحن نسعي إلي «مصالحة» تنهي حالة الهرب التي أصبح عليها بعض رجال الأعمال ممن تري الدولة أنهم مدينون لها بأموال، وأن سدادهم لهذه الأموال يمكن قبوله مقابل عدم تطبيق عقوبات عليهم، وعندما يصدر قرار بالمنع من السفر ووضع علي قوائم ترقب الوصول يمس مستثمرين في حجم بعض أفراد أسرة ساويرس التي لها الكثير من الاستثمارات المهمة داخل مصر!، فإن هذا لا يشجع الذين تدور معهم مفاوضات للعودة وسداد ما عليهم من أموال علي أن يتجاوبوا مع هذه المفاوضات!، وإذا كان لابد من صدور قرار المنع فإنه كان ينبغي أن يكون بعد حسم المفاوضات بين الحكومة والشركة، بحيث تكون قد انتهت إلي نتيجة نهائية حتي يبدأ إعمال القانون، مراعاة لما يمكن أن تتأثر به سياسة الدولة في جذب الاستثمارات وتشجيعها في الداخل والخارج، و«مصالحات» حتي مع الذين هربوا بأموال تستحقها خزانة الدولة!