جامعة المنيا ضمن أفضل 1001 جامعة على مستوى العالم في تصنيف «التايمز» 2026    تراجع جديد في عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-10- 2025 بختام تعاملات الصاغة    الرئيس السيسي: ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لمقررات الشرعية الدولية    منتخب السودان يفقد فرصة الملحق بالتعادل مع موريتانيا في تصفيات كأس العالم    عودة الحركة لطبيعتها على طريق الخانكة – السلام    صحة الدقهلية: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف أمراض سوء التغذية    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    لمدة 20 ساعة.. قطع مياه الشرب عن 3 مناطق في الإسكندرية غدًا    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    برلماني: الرئيس السيسى صنع الفارق فى المنطقة    مباحث الغربية تضبط قاتل أحد كبار تجار العسل بعد طعنه داخل سيارته    10 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب «السوق السوداء»    النقض تحدد 22 أكتوبر لنظر طعن مضيفة متهمة بقتل ابنتها على حكم سجنها 15 سنة    الأحد.. افتتاح معرض "سكون يحمل في طياته" للتشكيلى الكبير محمود حامد    كاتب "نهاية العالم" يحصد نوبل للآداب 2025|الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    الإعلان التشويقي لفيلم "ولنا في الخيال.. حب؟" يمهّد الطريق لعرضه قريبا    لبنان: تفكيك شبكة تعمل لصالح إسرائيل خططت لأعمال إرهابية واغتيالات بالداخل    25 صورة ترصد فعاليات ماراثون للتوعية ضد شلل الأطفال بالأقصر    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    انبهار وفد ألمانى رفيع المستوى فى زيارته للمتحف المصرى الكبير    بشير التابعي: حكمة الرئيس السيسي أنقذت المنطقة من عواقب وخيمة باتفاق شرم الشيخ    صحة الدقهلية: استئناف العمل بوحدة مناظير الجهاز الهضمي بميت غمر    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    النائب على مهران: اتفاق شرم الشيخ ما كان ليتحقق دون جهود الرئيس السيسى    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    9 خطوات لحماية «الراوتر» من الاختراق    للعام السادس.. جامعة بورسعيد ضمن أفضل جامعات العالم في تصنيف التايمز 2026    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    «أوقاف المنيا» تعقد 109 ندوة علمية في «مجالس الذاكرين» خلال أسبوع    زاخاروفا: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار بغزة وندعو إسرائيل وحماس للالتزام الكامل به    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    "إدارة الصراع والضغوط والقلق النفسي" ندوة توعوية لجامعة قناة السويس بمدرسة أم الأبطال    العثور على جثة سيدة مصابة ب3 طعنات داخل الملاحات بالإسكندرية    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية (بث مباشر)    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفاء وحفظ الجميل
نشر في الوفد يوم 24 - 08 - 2021

من أهم الأخلاق التي حث عليها ديننا الحنيف الوفاء وحفظ المعروف ورد الجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان، والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه، قال الله تعالى : { وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}, وقال تعالى: { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ". ( أحمد والترمذي وابن حبان ) . وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ". ( أحمد وأبو داود والنسائي).
بهذا بدأ الدكتور محمد السيد أبو هاشم امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول الوفاء وحفظ الجميل وأضاف قائلا:
إن الوفاءَ وحِفظَ الجَميلِ خُلُقٌ جليلٌ ؛ بل هو من أخلاقِ الأوفياءِ الكِبارِ ؛ الذين لا ينسونَ المعروفَ ولو طالَتْ بهم الأعمارُ ؛ فلا يزالُ الكريمُ أسيرًا لصاحبِ الجميلِ؛ يُظهرُ له الوِدَّ ويُمطرُه بالثَّناءِ الجزيلِ .
وأما اللَّئيمُ فهو يتجافى عن أصحابِ العطايا الكبيرةِ ؛ لأنَّه يظُنُّ أنَّهم إنما أحسنُوا إليه لمصالحِ الدُّنيا الحقيرةِ .
وصدقَ الشَّاعرُ: إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ *** وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدَا
فهناكَ أُناسٌ قد اصطفاهم ربُّ العالمينَ، ليسَ لهم همٌّ إلا سعادةَ الآخرينَ، وليسَ لهم شُغلٌ إلا مساعدةَ الآخرينَ، فهم لغيرِهم بينَ سعادةٍ ومُساعدةٍ، لا يريدونَ من أحدٍ جزاءً ولا شُكورًا، وإنما يخافونَ من ربِّهم يومًا عبوسًا قمطريرًا ؛ يضعونَ بينَ أعينِهم: " اصْنَعِ الْمَعْرُوفَ إِلَى مِنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَإِلَى مِنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، فَإِنْ كَانَ أَهْلَهَ، فَهُوَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلَهَ، فَأَنْتَ أَهْلُهُ " . ولسانُ حالِ أحدِهم:
ازرعْ جميلًا ولو في غيرِ مَوضعهِ *** فَلا يضيعُ جميلٌ أينما زُرِعا
إنَّ الجميلَ وإن طالَ الزمانُ بهِ *** فليسَ يَحصدُهُ إلا الذي زَرَعا
ولقد ضربَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ في الوفاءِ من المثالِ أجملَه، ومن النصيبِ أكملَه، ومن ردِّ الجميلِ أحسنَه وأعدلَه؛ ودلائل وفاءه صلى الله عليه وسلم لا تنتهي عند المواقف والأحداث التي كان يفي فيها بما التزمه، فقد شهد له أعداؤه بأنه يفي بالعهود ولا يغدر، فحين لقي هرقل أبا سفيان، وكان أبو سفيان على عداوته لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ سأل هرقل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وسلم عددًا من الأسئلة، كان مما سأله فيه قوله: فهل يغدر؟. قال لا !!
للوفاء وحفظ الجميل صور ومجالات عديدة تشمل جميع فئات المجتمع ومن ذلك :
الوفاء ورد الجميل للوالدين: فالوالدان قد تحملا المشقة في الإنجاب والرعاية والتربية والتعليم؛ وإن من باب الوفاء رد الجميل لهما الذي قدماه لنا صغارًا ؛ فهما في حاجةٍ إليه كبارًا ؛ فهذا حبيبكم صلى الله عليه وسلم يحن شوقًا ووفاءً إلى أمه وعيناه تزرفان!! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ. فَقَالَ:" اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي؛ وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي؛ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ."(مسلم)؛ ولم يقتصر وفاؤه – صلى الله عليه وسلم – على أمه الحقيقية فقط بل عمَّ أمَّه من الرضاعة؛ ففي يوم من الأيام كان النبي عليه الصلاة السلام في الجعرانة يقسم الغنائم التي وضعت أمامه، وبينما هو منشغل بتقسيم الغنائم إذا به يلمح أمه من الرضاعة؛ فيخلع رداءه ويضعه أرضًا ويجلسها عليه، ويقول إنها أمي التي أرضعتني!!!
ومنها: الوفاء بين الأزواج: ففي الحديث :"
أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" . (متفق عليه) . فالوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، والعسر واليسر.
وما أجمل وفاء الرسول – صلى الله عليه وسلم – لزوجه خديجة؛ فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غِرْتُ على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرْتُ على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر ذِكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة، فيقول: " إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولدٌ." (البخاري) . وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ على رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ, فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةَ». قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ، أَبْدَلَكَ الله خَيْرًا مِنْهَا ."(متفق عليه) .
وعن عائشة ، قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي ، فقال : لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أنت ؟ » قالت : أنا جثامة المزنية ، فقال : « بل أنت حسانة المزنية ، كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟ » قالت : بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فلما خرجت قلت : يا رسول الله ، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ فقال : « إنها كانت تأتينا زمن خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان » .(الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) يقول النووي "في هذا كله دليلٌ لحُسن العهد وحفظ الوُدّ، ورعاية حُرمة الصاحب والعشير في حياته وبعد وفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب".
ومنها: الوفاء مع الأقارب: فها هو صلى الله عليه وسلم يرد الجميل لعمه أبي طالب الذي تكفل بتربيته بعد وفاة جده عبد المطلب , فلا ينسى له ذلك , فحينما يتزوج السيدة خديجة رضي الله عنه يأخذ ابن عمه عليًا في كنفه ورعايته ردًا لجميل عمه ومساعدة له . وحينما حضرت الوفاة عمه أبا طالب كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يموت على الإسلام فأبى إلا أن يكون آخر كلامه: على ملة عبدالمطلب. فحزن صلى الله عليه وسلم عليه حزنًا شديدًا ؛ ودعا الله أن يخفف عنه العذاب.
فعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ. هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ. وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ". (البخاري). فهذه شفاعةٌ خاصةٌ لعمِّه الذي دافعَ عنه وحماهُ، وردًا للجميل ؛ ولولا الكُفرُ لشفعَ له حتى نجاه من العَذَابِ .
وأضاف الدكتور محمد السيد أبو هاشم امام وخطيب مسجد السيدة زينب قائلا:
ومنها: الوفاء مع غير المسلمين: فبعدَ عَودةِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وبصحبتِه زيدُ بنُ حارثةَ من الطَّائفِ، وقد لَقيَ من ثَقيفٍ ما لقيَ من الإيذاءِ والضَّربِ بالحجارةِ، قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟، فَقَالَ: "يَا زَيْدُ إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ"، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حِرَاءٍ فَأَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ خُزَاعَةَ إِلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ يَسْأَلُهُ: "أأَدَخُلُ فِي جِوَارِكَ؟"، فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلاَحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَامَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا فَلاَ يَهِجْهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَانْتَهَى صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَوَلَدُهُ مُحِيطُونَ بِهِ. (طبقات ابن سعد).
وبعدَ سنواتٍ من هذه الحادثةِ هاجرَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إلى المدينةِ، ثُمَّ ماتَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ على الشِّركِ قبلَ غزوةِ بدرٍ، وفي يومِ بدرٍ نصرَ اللهُ المسلمينَ، وأُسرَ من المشركينَ سبعينَ، وفي هذا الموقف تذكر صلى الله عليه وسلم موقف المطعم بن عدي والجميل الذي قدمه وذلك من باب الوفاء؛ فعن جُبير بن مُطعِمٍ بنِ عَدِيٍّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ". (البخاري).أي لأطلَقَهم له جميعًا دونَ فديةٍ، ردًّا للجميلٍ الذي كانَ منه في مكةَ.
ومنها: الوفاء للوطن الذي نعيش فيه: وذلك بالحفاظ على معالمه وآثاره ومنشآته العامة والخاصة؛ والحفاظ على مياه نيله التي تربينا عليه وروينا منها أكبادنا !! وعدم الإفساد في أرضه؛ أو تخريبه وتدميره؛ وعدم قتل جنوده وحراسه الذين يسهرون ليلهم في حراستنا وحراسة أراضينا!! والذين تمتد إليهم يد الغدر والخيانة بين الحين والحين!! فعن الأصمعي قال: " إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه." ( الآداب الشرعية لابن مفلح).
إن الوفاء يتَّخذُ أشكالاً وألواناً عديدةً، فهو أشبهُ بأنواع الزُّهور، فعبيرُ كلِّ واحدةٍ منها يختلفُ عن عَبير الأُخرَيات؛ ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق!! فعلينا أن نكون أوفياء في كل صور الوفاء ومجالاته .
إننا بحاجة ماسة إلى خلق الوفاء وحفظ الجميل؛ لكل مَن له علينا معروف، والحذر مِن نكران الجميل؛ فإنه خبث في الطبع، وحمق في العقل . قال بعض العقلاء: "تعلموا أن تنحتوا المعروف على الصخر، وأن تكتبوا آلامكم على الرمل؛ فإن رياح المعروف تذهبها!". وهذه قصة لطيفة في هذا المضمون: والقصة تبدأ عندما كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء ، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه. الرجل الذي ضُرب على وجهه تألم ولكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة؛ فكتب على الرمال: اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي.
استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدوا واحة فقرروا أن يستحموا. الرجل الذي ضُرب على وجهه علقت قدمه في الرمال المتحركة و بدأ في الغرق، ولكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق. وبعد أن نجا الصديق من الموت قام وكتب على قطعة من الصخر: اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي. الصديق الذي ضرب صديقه وأنقده من الموت سأله: لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال؛ والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة ؟! فأجاب صديقه: عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتب ما فعله على الرمال؛ حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحيها، ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفًا فعلينا أن نكتب ما فعل معنا على الصخر؛ حيث لا يوجد أي نوع من الرياح يمكن أن يمحوها .
فتعلموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال لتمُحى؛ وأن تنحتوا المعروف على الصخر ليُحفظ الجميل ؛ لأن أقسى شيء على نفس الإنسان؛ أن يُقابل جميله بالنكران؛ ومعروفه بالكفران.
فيا أهلَ الإسلامِ: دينُّكم دينُ الوفاءِ؛ ونبيُّكم أوفى الأتقياءِ؛ فتمسكوا بدينِكم واقتدوا بنبيِّكم؛ وكونوا مضربَ مثلٍ لسائرِ الأممِ في الوفاءِ؛ فإن كثيرًا منهم قد فَقَدَ الوفاءَ في الأحبابِ؛ ولم يجده إلا عندَ الكلابِ.
إن الوفاء خُلق الكرام، به يسعد الفرد في الدنيا والآخرة؛ وبه يعيش المجتمع في أمن وأمان؛ والحب والتراحم يسود بين أفراد المجتمع؛ وبه ينال المسلم رضا ربه ويهنأ بدخول جنته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.