رفعت د. هالة مصطفي سماعة التليفون لترد فوجدت علي الخط مراسل وكالة "رويتر" سألها: ماذا لو غاب الرئيس؟ كان ذلك أثناء الازمة الصحية التي تعرض لها قبل سنوات الرئيس "المتخلي" مبارك. فقالت: في مصر مؤسسة عسكرية وطنية قوية قادرة علي حماية البلد. طار الرد لكافة انحاء العالم ولف ودار حتي وصل إلي صفوت الشريف، رئيس مجلس الشوري "المنحل" فرفع هو الآخر سماعة التليفون واتصل بالدكتورة هالة وتحدث إليها حسب كلامها بشدة وصلت إلي حد التعنيف والتهديد والوعيد.. وفي نهاية كلامه طلب أن تنفي ماذكرته الوكالة. وتستبدله بأن الذي يحمي البلد هو الحزب الوطني وقياداته رفضت وقتها أن تكذب، لانها لم تصدق يوما ان في البلد حزباً قوياً اسمه الحزب الوطني. مرت سنوات قليلة وغاب الرئيس بعد ثورة 25 يناير ووجدت مصر الجيش ولم تجد الحزب الذي لوكان رجاله استمعوا إلي د. هالة وغيرها ماكان حدث لهم ماحدث لكننا "نحمد ربنا" أنهم لم يسمعوا حتي تقوم الثورة. ذهبت إلي لقائها بالأهرام في مجلة "الديمقراطية" التي ترأس تحريرها المكتب يمتلئ بصورة منظمة بالمراجع والكتب السياسية علي خلفية اللقاء تأتيك نغمات موسيقية ل » بتهوفن وموتسارت وفيردي« هدأت قليلاً من سخونة اللقاء ، ونحن »نقلب« في شجون الوطن، في الوقت الذي »يتقلب« فيه واللهم لا شماته قيادات الحزب الوطني من "حر" السجن في طرة. وإلي نص الحوار: بعد 25 يناير مرت علينا ثلاثة مواقف هي »موقعة الجمل وغزوة الصندوق وموقعة الجلابية« كيف رأيت تلك المواقف؟ ** لو عايزة أقرأه في سياق واحد.. هو نهاية نظام قديم وبداية مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم »رمادية« وهذه المواقف تكشف الصراع ما بين القديم والحديث، وما بين التحديث والتقليدية. إذن تلك الأشياء »موقعة الجمل وغزوة الصندوق والجلابية« أشكال تقليدية؟ ** طبعا .. هي بعيدة عن العلم الحديث وعن التكنولوجيا ووسائل الاتصالات وبعيدة عن الأفكار الثورية التي حملتها الأجيال الجديدة في مصر والعالم العربي والثورات في الوطن العربي، هي ثورات تبحث عن الحرية والديمقراطية بوسائل عصرية، في مقابل ذلك كان هناك وسائل »مضادة« قديمة. وهل من الوارد أن يدور صراع بينهما علي الأقل في الوقت الراهن؟ ** الصراع سيدوم حتي ينتصر الحديث علي القديم ويحل نظام قائم علي العلم والحرية وتحل علينا الديمقراطية بالصورة الكاملة مثل باقي الدول. يقول البعض اننالسنا جاهزين للديمقراطية؟ ** أنا ضد فكرة إننا غير جاهزين للديمقراطية. لكن الديمقراطية لإقرارها تحتاج لمراحل؟ ** وأنا أتفق معك .. للديمقراطية مراحل، وقد يأخذ هذا وقتا معينا لكن أن نقول أننا لسنا جاهزين للديمقراطية فهذا مالا أقبله لان الاعتماد علي هذا القول لن يجعلنا ندخل إلي أجواء الديمقراطية ويصبح علينا أن نستورد شعبا لأنك لا تستطيع أن تغير الشعب كله. وهذا الشعب الذي قيل عنه ما قيل هو نفسه الذي قام بثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام استبدادي. لكن بعد 25 يناير ظهرت تيارات ترفض الديمقراطية؟ ** نعم .. هذا موجود وهذه التيارات تتبع تيار الإسلام السياسي سواء كنا نتحدث عن التيار السلفي الذي برز بصورة واضحة جدا بعد ثورة 25 يناير أوكنا نتحدث عن التيارات الراديكالية أو عن جماعة الإخوان المسلمين. في الدول التي شهدت التحول نحو الديمقراطية ربما لاتوجد فيها اشكالية اختلاط الدين بالسياسة؟ ** هذا صحيح الغرب مر بمراحل طويلة جداً للإصلاح الديني وبالتالي تنظيم العلاقة مابين الدين والسياسة هو أمر متعارف عليه في الثقافة العامة. يخاف البعض أن تتغلب تيارات الإسلام السياسي علي باقي التيارات السياسية في هذه المرحلة؟ ** أرجو ألا تنسي أن ثورة 25 يناير عندما قامت كانت مدنية لها طابع ليبرالي سواء كان المندرج تحت الليبرالي من اليمين الليبرالي، لذلك لا اعتقد ان تتغلب التيارات ذات المنهجية ذات البعد السياسي الإسلامي علي باقي التيارات الأخري. التيارات السياسية مثل الإخوان المسلمين ترسل رسائل لتطمئن المجتمع.. لكن البعض لا يصدقهم؟ ** أنا أصدقهم فيما أرسلوا من تطمينات للمجتمع والمرأة والاقباط، وفي أنهم لن يستحوذوا علي غالبية مقاليد البرلمان لان هذا أيضا يصب في صالحهم. لماذا؟ ** حتي لا يستعدوا المجتمع ضدهم .. الإخوان عندما طرحوا فكرة الحزب واسمه »الحرية والعدالة« وأعتقد ان فيه استلهاماً للتجربة التركية. وحتي الاسم »الحرية والعدالة« قريب من اسم «»العدالة والتنمية« التركي. لكن تركيا تجربة خاصة؟ ** بالضبط .. وحزب »العدالة والتنمية« هناك يشكل استثناء لان هذا الحزب جاء علي خلفية التجربة العريقة لتركيا التي بدأت مع إلغاء الخلافة عام 1924 ومجئ كمال الدين أتاتورك بمشروع تحدثي وعلماني كبير لتركيا، حتي أن هذا التراث يسمي »بالكمالية« نسبة إلي كمال الدين اتاتورك. وعلي أي الأسس دخل حزب العدالة والتنمية الملعب السياسي في تركيا؟ ** قبل بالشروط التي صاغتها التجربة التركية سواء من الناحية السياسية أو الثقافية أو المجتمعية ولذلك نجح حزب العدالة والتنمية . وهذا الحزب في برنامجه الاساسي يشير إلي احترام طبيعة الدولة التركية العلمانية والديمقراطية. إذن استطاع الحزب أن يتواءم مع المجتمع؟ ** بالضبط هذا ما حدث وهو كحزب عندما قال انه دخل علي قواعد الديمقراطية فمن أولي خطوات الديمقراطية هي »العلمانية«. لماذا يخيف البعض الناس من العلمانية؟ ** العلمانية هي الفصل ما بين ممارسة الدين وممارسة السياسة وليست هناك حساسية أو عقد تحكمت في قيادات حزب العدالة والتنمية علي سبيل المثال في تركيا والعلمانية يراد تشويهها في العالم العربي. لماذا؟ ** أنا حتي اليوم لا أعلم لماذا؟ فالدين الإسلامي بحكم التعريف هو دين علماني. ازاي؟ ** لأنه لا يعرف المؤسسة الكنائسية كما هو الحال بالنسبة للدين في العصور الوسطي في أوروبا ولدينا العلمانية الإسلامية التي تنطلق من أرضية إسلامية والشيخ علي عبدالرازق في العشراينيات من القرن الماضي يتحدث صراحة علي أن الإسلام برئ من نظام الخلافة وأنه أي الدين وضع مبادئ استرشادية ولم يضع نظاما سياسياً للحكم .ومن تتبع التاريخ الإسلامي، لم يكن هناك بالفعل نظاما موجود ولا نظام بعينه تستطيع ان تقول إن هذا هو النظام الإسلامي. يخاف البعض من توظيف الدين لصالح السياسة؟ ** التوظيف سابقا كان لأن النظام الساقط لا يريد أن يتفتح سياسيا أو ان يمضي في طريق الديمقراطية ، فالرغبة في الحكم والسلطة الدائمة يؤدي إلي توظيف الدين في خدمتهم. وكيف نضمن ألا يتكرر ذلك ولا توظف الدين في السياسة؟ ** نقيم نظاما ديمقراطيا فيه تعددية سياسية وحزبية. ومجالس شعبية ونيابية قوية تستطيع ان تراقب السلطة السياسية وتطبق حقوق الإنسان، كما نصت عليها أغلب الدول إذا ما فعلت ذلك وكانت هناك آليات للرقابة والمحاسبة وان يبقي الحاكم لمدد محدودة حتي لا تكون هناك سلطة مطلقة فتقابلها مفاسد مطلقة إذا ما فعلت ذلك ضمنت ألا يزج بالدين في السياسة. هل هناك سياسيا ما يسمي بالثورة المضادة؟ ** لا يوجد هذا الكلام الثورة هي ثورة علي الأوضاع القائمة البالية التي تريد الثورة ان تغيرها بصورة جذرية وان تنهي نظاما سياسيا كان قائما، ويحل مكانه آخر. هذا هو الفعل الثورة. لكن في نفس الوقت هناك اشخاص واتجاهات لها مصالح كبيرة ومتشابكة معقدة مع النظام القديم. إذن هذه القوي ترفض النظام الجديد؟ ** ليس هذا فقط،بل إنها لا تريد للنظام القديم أن يسقط إنها تحاول الدفاع عنه في مراحلها الأخيرة.وهذا أمر معروف جداً في كل الثورات. والنظام السابق استمر أكثر من 30 عاما وشكل شبكة كبيرة جدا من المصالح ، حيث لم تكن هناك آليات للرقابة أو الشفافية أو المحاسبة. أمال كان فيه إيه؟ ** كانت هناك تقريبا سلطة مطلقة وكانت هناك قلة علي قمة النظام وشلة أصحاب علي رأس الحزب الوطني الحاكم، تمتلك كل شيء ولذلك من الصعب علي هذه التركيبة ان تسلم بسهولة وما يحدث اليوم هو محاولة من كل الذين استفادوا من النظام السابق، وضربت مصالحهم ولا يمكن التنازل عنها بسهولة لذلك هناك من هؤلاء من يحاولون التشبث ببقايا النظام السياسي القديم. يسأل البعض .. الثورة قامت والنظام يحاكم.. وماذا بعد؟ ** فات علي الثورة شهران أو أكثر وهذه مدة بسيطة في عمر الثورات وأي ثورة بحكم التعريف لا تطلب منها أن تبدأ مباشرة في صنع المستقبل خلي بالك إذا سقط نظام علي يد ثورة فلا تسقط فكرة المحاسبة. لكن المحاسبة قد تأخذ وقتا يبعدنا عن النظر للمستقبل؟ ** أنا معاك .. لكن لا تنس أن النظام السابق لم يسقط بصورة طبيعية هذا نظام »أزيح« عن طريق ثورة. وهل الثورة تأتي لتحاكم؟ ** طبعاً.. وإلا ما الداعي لقيامها وكانت هناك طرق أخري من المظاهرات أو الاعتصامات والاحتجاجات أو المطالب الفئوية وانتهي الموضوع. أما وقد قامت ثورة لإسقاط نظام بأكمله، فأنت لا تستطيع ان تقول للثورة الجديدة لا تحاسبي ولا تحاكمي ولكن هذا لا يعني ان نظل مستغرقين في فكرة الانتقام مثلاً. إذن المحاسبة وليس الانتقام؟ ** بالضبط .. المحاسبة مطلوبة أما الفعل والاحساس الثأري فهو غير مطلوب وأنا أعتقد ان هناك شباباً كثيراً من 25 يناير وباقي الحركات الاخري التي تنتمي لنفس الجيل ، هم علي درجة كبيرة جدا من الوعي وبالتالي فكرة الانتقام ليست مسيطرة عليهم والمجلس العسكري وجوده هام جدا في تنفيذ المحاسبة وهو الضامن لكل شئ في هذه المرحلة. لكن البعض يريد كل شئ الآن؟ إيه حكاية الآن هذه؟ ** الثوار دائما ايقاعهم سريع ،وإحساسهم بالظلم كان شديدا ورغبتهم في التخلص من النظام القديم والخوف علي الثورة. الخوف من إيه؟ ** من إجهاض الثورة . وبالتالي هم يتصرفون تحت ضغط ضيق الوقت يريدون ان تنتهي القوة الداعمة للنظام القديم ويتأكدوا ان هذه القوة لن تقوي علي إجهاض الثورة بالمقابل المجلس العسكري لانه يمثل أكبر وأقوي مؤسسة في البلاد وأكثرها استقرارا أو انطباطا وتحظي باحترام المجتمع ، فهي تريد ان تخطو كل خطوة بحساب لأن هذه المؤسسة لديها خبرة بعد ثورة 52 في مسألة المحاكمات الاستثنائية والعسكرية. ولماذا لم تشكل محاكم عسكرية استثنائية. ** إذا فعلت المؤسسة العسكرية ذلك وكان من السهل عليها فعل ذلك إلا انها كانت ستتعرض لانتقادات لاحقة ودائمة..وخلي بالك أنت إذا أردت ان تسترد الأموال المهربة بالخارج فلابد ان تقتنع الدول الغربية ان المحاكمات كانت عادلة وامام القضاء العادي وبأن الحكم صادر عن محكمة مدنية وأغلب الدول الغربية لا تأخذ بالاحكام الصادرة عن محاكم الاستثنائية. إذن المحاكمات العادية والعادلة تساعد في عودة الأموال المهربة؟ ** بالضبط هذا هو المطلوب لكي يصدقك العالم ويساعدك في استرداد أموالك. في النهاية .. لماذا سقط نظام مبارك؟ ** سقط النظام عندما تجمد سياسيا،معتبراً ذلك استقراراً رغم انه استمرار أدي إلي الجمود، نعم في بداية العصر كانت هناك انجازات تتعلق بتنمية البنية الاساسية والتحتية للمجتمع، وانما لم يواكبه تحديث البنية السياسية وهناك سبب آخر علي الجمود السياسي وهو ان النظام في العشر سنوات الأخيرة انشغل بمشروع التوريث، وكانت هذه الضربة القاضية للنظام فسقط النظام. شاهد الفيديو