تراجعت معدلات النمو في مصر في أعقاب الثورة بصورة كبيرة مما كان له أبلغ الأثر في تراجع مستوي المعيشة وارتفاع الأسعار وغياب الشعور بأدني درجات التقدم وتصاعد الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتلويح بما هو أسوأ في المرحلة القادمة. تحطمت أحلام المصريين في تحقيق مستوي معيشة أفضل علي صخرة السياسة العمياء التي كانت سببا في تعطيل النشاط الاقتصادي بوجه عام وفقا لأحدث تقرير للبنك الدولي. وكان معدل النمو شاهدا علي مدي الانهيار فكما تشير البيانات الرسمية فإن معدل النمو بلغ في 2010 نحو 5٫7٪ وهو معدل جيد إلي حد ما وإن كان لا يرقي إلي المستوي المطلوب لدولة تسعي إلي تحقيق نمو مستدام. ووفقا للتعريفات الدولية فإن تحقيق معدل نمو لا يقل عن 7٪ لمدة خمس سنوات متتالية هو الذي يسمح بوضع الدولة في مصاف الدول التي تستعد لدخول نادي النمو المستدام وتعتبر من الاقتصاديات المستقرة وللأسف هذا ما عجزنا عنه لتأتي الأوضاع الحالية لتزيد الأمر سوءا. وبحسب آخر تصريحات للدكتور أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي فإن معدل النمو لهذا العام لن يتجاوز علي أقصي تقدير 2٫4٪ فقط في نفس الوقت كانت تقديرات أسامة صالح وزير الاستثمار تدور في فلك 2٫5 إلي 3٪ فقط أي أن الحكومة ووزرائها علي يقين من أن الأوضاع لا تسمح بتحقيق معدل نمو مرضي. «العربي» قال أيضا إن ما وصلت إليه معدلات النمو هو معدل منخفض للغاية، وقال إن متوسط دخل المواطن المصري لم يزد في العامين الماضيين، كما بلغت معدلات الاستثمار 15٪، وهو ما ينعكس سلبا علي قدرة الدولة علي توفير فرص العمل. يضاف إلي ذلك أن معدلات البطالة سجلت ارتفاعا في فئة الشباب ما بين 15 و29 سنة، حيث بلغت معدلاتها وفقا للبيانات الرسمية ما لا يقل عن 30٪، والتي تتركز بين المتعلمين وخاصة الحاصلين علي الشهادات العليا. كما وصلت نسبة الفقر في المجتمع المصري إلي 25٪ حيث يرتفع معدل الفقر في الصعيد بنسبة بلغت 50٪، بينما في القري الأكثر فقرا 70٪. وكان البنك الدولي قد توقع أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد المصري إلي 3٫8٪ العام الحالي يرتفع إلي 5٫5٪ العام المقبل. وأشار التقرير إلي أن اقتصاد مصر شهد نموا عام 2010 بلغ 5٫7٪ إلا انه تراجع العام الماضي إلي 1٫3٪ بسبب الظروف السياسية التي شهدتها مصر. ولأننا لسنا بمعزل عما يحدث في العالم فإن القراءة المتأنية في توقعات البنك الدولي لمعدلات النمو علي مستوي العالم تُشير إلي أن هناك مشكلة مرتقبة في مصر ما لم تستعد البلاد التوازن السياسي في أقرب وقت، فبالنسبة لتوقعات البنك الدولي لنمو الاقتصاد العالمي في 2012 توقع التقرير أن يسجل الاقتصاد العالمي نموا بنسبة 2٫5٪ يرتفع إلي 3٫1٪ عام 2013. هذا وقد خفض البنك الدولي توقعاته السابقة لمعدلات نمو الدول النامية فبدلا من 6٫2٪ توقع البنك أن تسجل معدل نمو 5٫4٪ في 2012 مقابل 1٫4٪ فقط بالدول مرتفعة النمو. وفي تصريحات علي موقع البنك الدولي علي الإنترنت أكد جوستين ييفولين، رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي أن البلدان النامية تحتاج إلي أن تقيم أوجه ضعفها وأن تستعد لمزيد من الصدمات. محذرا من أنها لديها حيز مالي ونقدي أقل للإجراءات التصحيحية مما كان لديها عام 2008- 2009، ومن أجل الاستعداد لهذا الاحتمال، قال هانز تيمر، مدير فريق آفاق التنمية بالبنك الدولي، إنه يجب علي البلدان النامية أن تعيد تمويل عجز الموازنة وتحدد أولويات الإنفاق علي شبكات الأمان الاجتماعي والبنية التحتية وتجري علي البنوك المحلية اختبار التحّمل. وبالنسبة لمصر أظهر تقرير البنك الدولي أن التغييرات السياسية الجذرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عطلت النشاط الاقتصادي إلي حد كبير. فإذا ما قارنا توقعات البنك الدولي لمعدلات النمو المتوقعة في مصر وربطها بالحالة السياسية لاكتشفنا ان الأمور مرشحة لمزيد من التراجع فهناك المزيد من الاحتقان السياسي تصاحبه دعوات بالعصيان المدني والاحتجاجات التي تعطل النشاط الاقتصادي أكثر بالإضافة إلي الانفلات الأمني الذي أدي إلي أعباء إضافية علي المشروعات الاقتصادية وتسبب في توقف بعضها قسرا. فإذا أضيف إلي ذلك التراجع الحادث في الاستثمار الأجنبي المباشر القادم إلي مصر والذي انخفض بنسبة تتجاوز 95٪ ليصل إلي نحو 255 مليون دولار فقط مقابل نحو 6 مليارات دولار في 2009- 2010 والذي يعد ركيزة مهمة للاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تراجع بدوره إلي أقل من 13٫6 مليار دولار فنكون علي ثقة من أن الأزمات ستلازم مصر خلال الفترة القادمة وأن الخروج منها يحتاج معجزة.