«الغناء الأوبرالى» يعيش أزهى عصوره.. وأطالب بتدريسه ضمن مناهج معاهد الموسيقى العربية عائلتى أكبر داعم لى.. و«توسكا» و«ماكبث» أهم محطاتى الفنية عرفَ الفن طريق قلبها باكرا، فسكنها النغمة والخيال، التى رأت فيهما أحلامها وتطلعاتها، ومن هنا نشأت بينها وبين الموسيقى علاقة عاطفية منذ نعومة أظفارها، ترجمت هذا الحب إلى نقرات على البيانو وهى ابنة الستة أعوام، ثم إلى نغمات تتلألأ بين طبقات صوتها فى فضاء أوبرا فيينا. لتصبح المصرية مريم طاحون أصغر سوبرانو فى أوبرا النمسا وعمرها آنذاك لم يتجاوز الثانية عشرة. يتميز صوت مريم عندما تغنى الألحان الغربية برخامة وعذوبة وشجن، بالإضافة إلى مساحة صوت كبيرة إضافة إلى قدرة تعبيرية وحسية تستطيع من خلالها ايصال رسالة الفن الغربى الجذور لجمهور كان يشعر قديما تجاهه بالغربة كونه بعيدا عن هويتنا الثقافية وتراثتا الغنائى الشرقى الذى تربينا عليه. احترفت مريم الغناء الأوبرالى، وأحرزت نجاحا منقطع النظير كأول مغنية أوبرالية مصرية تغنى على مسرح أوبرا فيينا بجوار كبار الأصوات الأوبرالية العالمية. وأحرزت العديد من الجوائز العالمية، فقد حصلت على المركز الأول بمسابقة موسكو الدولية فى عزف البيانو، والمركز الأول فى الغناء فى فيينا، وحصلت على المركز الأول فى مسابقة الغناء prima la musical، وتم تكريمها من عدة جهات، حيث كُرمت من دار أوبرا فيينا أكثر من مرة، وكذلك من السفير المصرى السابق بالنمسا عمر عامر، ومن السفير الإسبانى بالنمسا، وحصلت على أفضل موهبة فى 2020، وكُرمت من جانب الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة كنموذج واعد ومشرف لمصر. رغم نشأتها ومولدها فى فيينا، لكنها تتحدث باللغة العربية بطلاقة، ومطلعة على الأغانى المصرية وتستمع لأم كلثوم، التى تستلهم منها قوتها. فالسحر الذى يعانق طرقات فيينا لم ينسها يوما أنها بنت محافظة الشرقية. على هامش مشاركتها الأولى مع فرقة أوبرا القاهرة على مسرح الجمهورية، وهو الحفل الذى حرصت على حضوره د. إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة.. التقت «الوفد» مع السوبرانو مريم طاحون للوقوف معها على أهم إنجازاتها الفنية، وللتعرف أكثر على رحلة النجاح وهى فى عامها السادس عشر، وطموحاتها المستقبلية. وإلى نص الحوار: لنبدأ معك من مشاركتك الأولى مع فرقة أوبرا القاهرة.. صفى لنا شعورك وأنت تقفين نجمة على خشبة مسرح الأوبرا المصرية؟ تكريمى فى بلدى ومشاركتى فى فرقة أوبرا القاهرة، وغنائى على خشبة مسرح الأوبرا فخر لى، وشعرت بنشوة النجاح وكأنها أول مرة، لأن بلدك عندما تعترف بفنك ورسالتك وموهبتك هذا هو النجاح الحقيقى، وحرص وزير الثقافة دكتور ايناس عبدالدايم على حضور الحفل ودعم المواهب الشابة الجديدة يبرهن أن مصر صاحبة ريادة فنية. وماذا عن تكريم وزارة الثقافة؟ تفاجأت بالتكريم، الذى جاء فى أول لقاء جمعنى بالدكتورة إيناس عبدالدايم، فهى فنانة قبل أن تكون قيادية ليس غريبا عليها أن تقدر قيمة الفنون، إلى جانب حرصها على ضخ دماء جديدة شابة واعدة من الفنانين فى المشهد الثقافى والفنى، فهى مؤمنة بأهمية الفن ودوره فى بناء مجتمع متحضر ثقافيا، وعن التكريم فهو أغلى تكريم بالنسبة لى لأنه من بلدى. وأسعى أن أكون سفيرة لمصر فى الخارج، ونشر ثقافة الفن الشرقى فى الأوبرات العالمية لأعبر عن قوة مصر الناعمة. يأخذ «الفن الأوبرالى» حقه فى أوروبا من حيثُ الانتشار والاهتمام.. فكيف ترين إمكانات حضور هذا الفن فى ثقافتنا الموسيقية العربية؟ أعتبر نفسى محظوظة كثيرا، لأنى جئت فى الوقت الذى يعيش فيه «الغناء الأوبرالي» أزهى عصوره، واتساع شريحة المهتمين به فى مصر، وانتقاله من النخبة إلى عامة الشعب، بفضل فنون دار الأوبرا المصرية التى استطاعت أن تكون انعكاسا للثقافة والطموح وتطلعات الفكر الراقى، وخير دليل على قولى نجاح السوبرانو أميرة سليم التى شاركت فى حفل نقل المومياوات الملكية الذى نقل صورة مشرفة لمصر، حيثُ استطاعت بطبقات صوتها أن تفرض الفن الأوبرالى على الحدث الأضخم عالميا، واحتلت التريند وهذا يعكس تقدم ورقى ثقافة المجتمع المصرى الذى بات يتذوق هذا الفن الذى كان يراه قديما غريبا عن ثقافته العربية. لماذا صممتِ على سلوك هذا الطريق فى دنيا الفن الأوبرالى؟ كنت مثل أى طفلة صغيرة ترى الغناء الأوبرالى فنا مركبا يقتصر على فئة عمرية معينة وهم الكبار، لكن شغفى به ولد بداخلى من حكى زميلاتى فى الصف الاعدادى الأول عنه، حيثُ كن يغنين بأوبرا النمسا، فتقدمت لاختبارات دخول أوبرا فيينا واجتزتها جميعها بنجاح، ومن هنا تحول الغناء بالنسبة لى من موهبة أتمتع بها أو حالة ترفيهية إلى رسالة وتعبير بليغ يعبر عن حالة أعبر عنها بصوتى وإحساسى وإيماءاتى وتعبيرات وجهى وجسدى، فى البداية كنت أغنى مع الكورال وبعد ذلك غنيت صولو ثم تم ترشيحى للمشاركة فى العديد من الأعمال الأوبرالية المشهورة مع أشهر نجوم الأوبرا العالميين، مثل توسكا وماكبث، إلى أن أصبحت أصغر سوبرانو مصرية بأوبرا فيينا. وماذا عن أول ظهور على مسرح أوبرا فيينا؟ كان أول ظهور لى على مسرح أوبرا فيينا فى ديسمبر 2017 بحفلة أطفال اسمها هانز وجريتل، وكان عمرى حينها 11 عامًا فقط، كان الخوف يتملكنى فى بداية الأمر، لأن فكرة الوقوف على المسرح أمام جمهور متذوق للفن الراقى، ولكن بمجرد اعتلائى خشبة المسرح تخلصت من مخاوفى وركزت على الرسالة التى أقدمها وبمجرد انتهاء الحفل تفاجأت بتصفيق الجمهور الحار وإشادتهم بأدائى على المسرح وبصوتى. ومتى بدأ شغفك بالموسيقى بشكل عام؟ بدأ شغفى بالموسيقى وأنا فى السادسة من عمرى، كنت أحب أن اغنى مع مدرستى فى الحضانة بالجيتار، طلبت من والدى أن أقتنى جيتارا وكنت أعزف عليه، فى المرحلة الابتدائية كان فى مدرسة تقوم بتعليم الجيتار والبيانو، أخذت البيانو حيث اكتشف أن نقراته هى التى ستحدد بوصلة مستقبلى، ومعلمتى فى المدرسة هى التى انتبهت لصوتى وطلبت منى الغناء مع فريق كورال المدرسة، وفى المرحلة الإعدادية ولد بداخلى حب احتراف الغناء الأوبرالى، ومن هنا بدأت رحلتى مع الغناء والموسيقى. ما المحطات الأساسية التى عبرتِها منذ أن بدا لكِ الطريق واضحا؟ مرحلة الحضانة عندما بدأت فى تعليم الموسيقى، ثم الابتدائية وهى المرحلة الأهم لأن فيها تكونت شخصيتى الفنية واخترت البيانو كطريق للنجاح، وتوجت فى هذه المرحلة بأهم جائزة فى العزف على البيانو من موسكو، ثم المرحلة الإعدادية التى بدأ فيها احترافى للغناء الأوبرالى وتتويجى بجائزة أحسن صوت من أوبرا فيينا. جميعها محطات أهلتنى لخوض أهم تجارب حياتى وهى المشاركة فى الأوبرات العالمية توسكا وما كبث، والمحطة الأهم وقوفى على خشبة مسرح الأوبرا المصرية. من الداعم الأول لك فى رحلتك الغنائية والموسيقية؟ عائلتى هى أكبر داعم لى، بالرغم من ابتعادهم عن هذا المجال، فوالدى قام بالتحاقى بمدرسة متخصصة فى الموسيقى بجانب مدرستى الابتدائية لتعليم فنون الموسيقى والعزف على البيانو. وكانت أول مسابقة شاركت فيها كانت فى العزف على البيانو فى عمر 11 عاما، وحصلت على المركز الثالث ثم مسابقة الغناء prima la música فى عمر 14 عاما وحصلت على المركز الأول، وشاركت فى مسابقة موسكو الدولية للعزف على البيانو بروسيا وحصلت على المركز الأول. ما المهارات التى يمتلكها مطرب الغناء الأوبرالى تفرده عن غيره من المطربين؟ طبقات الصوت، كما أن الفنان الاوبرالى له نمط حياة معين وروتين صحى فى الاكل والعناية بصحته لأن أى مشكلة فى صوته أو جسده أو حتى نفسية تظهر فى صوته، كما أن الغناء الاوبرالى له تكنيك معين غير قابل للخطأ أو الارتجال ويخضع لتدريبات كثيرة، فالعناصر الأساسية لتقنيات هذا الغناء اللفظ، التنفس، والحبال الصوتية، ويجب أن يتمتع بالقدرة التعبيرية الرائعة لكى تعبر عن روح الشخصية التى يجسدها، على عكس بعض المغنين الذين يملكون أصواتا قوية ولديهم القدرة على التحكم الصوتى فى الانتقال بين الصوت الخفيض أو الطبقة المرتفعة ولكنهم يغنون النوتات الموسيقية فقط، ويضيفون لها كلمات أو مقاطع. هل تتمنين أن يُدرس الفن الأوبرالى ضمن مناهج ومعاهد كليات الموسيقى العربية؟ بالتأكيد، لرفع الذائقة الفنية والثقافية للجمهور تجاه هذا الفن، بعدما أثبت فى حفل نقل المومياوات الملكية أن له مريدين فى بلادنا. الغناء الأوبرالى ليس مجرد حالة غنائية فحسب، فنحن أمام عمل درامى غنائى يشمل التأليف والموسيقى والتمثيل ورقص الباليه بخلاف الفنون التشكيلية.. هل من الممكن أن يولد هذا مواهب أخرى بداخلك بجانب الغناء؟ بالتأكيد، الغناء الأوبرالى فن مركب شامل وجامع لذروة الفنون،، فهو ينمى قدرات المطرب فى جميع الفنون المختلفة كالعزف والغناء والتمثيل أيضاً. وأتمنى المشاركة فى تجربة تمثيلية. هل لمستِ فوارق بين أوبرا القاهرة ونظيراتها فيينا؟ لا توجد فوارق بشكل كبير، اوبرا القاهرة تتمتع بكوادر مهمة فى مجال الموسيقى والغناء، وأتمنى أن يكون هناك تعاون مثمر مع أوبرا القاهرة، وسعيدة عندما علمت أن الدولة تجهز أوبرا جديدة فى العاصمة الإدارية تحاكى الاوبرات العالمية فى التصميم والتكنيك. ألم تراودك الفكرة فى أن تكونى مغنية شاملة بمعنى تأدية أغانى التراث والموسيقى العربية بجانب الغناء الأوبرالي؟ بالطبع تراودنى الفكرة من باب حبى للفن بشكل عام وليس من أجل الشهرة والانتشار، فأنا حققت انتشارا عالميا بفضل احترافى للغناء الأوبرالى، الإنسان كلما اجتهد فى مجاله وأخلص فى عمله يمنحه من النجاح والتقدير الكثير. ولكن الآن أركز على الغناء الاوبرالى حتى يكتمل صوتى. رغم نشأتك ومولدك فى فيينا.. لكنك تتحدثين العربية بطلاقة أفهم من ذلك انكِ مستمعة جيدة للموسيقى العربية؟ اتولدت فى فيينا، لكن موطنى الأصلى بنى هلال مركز منيا القمح محافظة الشرقية، واتحدث بلغة بلدى فى المنزل مع عائلتى وشقيقى الأصغر بدر، واستمع لأغانى التراث وقدوتى فى الغناء أم كلثوم التى استلهم من صوتها قوتى وأتمنى أن أحقق نفس نجاحها وشهرتها فى العالم. شاركتِ فى عمل خيرى لدعم مصابى كورونا فى فيينا.. هل تؤمنين بدور الفن فى دعم الخير؟ سعدت بالمشاركة فى حفل أقيم فى كنيسة بالحى الأول بالعاصمة النمساوية فيينا، لجمع التبرعات لمساعدة المصابين، وكان المايسترو مدرسا فى مدرستى وطلب منى أن انضم للكورال بالرغم من صغر سنى، لأشارك فى العمل الخيرى بدون مقابل، فالفنان شأنه شأن أى فرد فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات، وأتمنى المشاركة فى الأعمال الخيرية لصالح بلدى.