مازال جيشنا يأمل في أن تنتهي الخلافات السياسية الحالية علي الساحة المصرية الي اتفاق ينهي هذه الأزمة التي تخنق مصر بما يمكن أن يؤدي إلي كارثة وقد أثبت الجيش الذي ساند ثورة 25 يناير 2011 من اللحظة الأولي لها بما جعل النشيد المصري العام لجموع الشعب المصري يتلخص في عبارة هتف بها الجميع «الجيش والشعب إيد واحدة» وكانت لهذا الشعار تطبيقاته العملية التي وفرت للثورة أمنها وأمانها ولم يكن المجلس العسكري الذي تولي السلطة راغباً في توليها بديلاً للسياسيين الذين روجوا لفكرة أن الجيش يرغب في تولي السلطة والاستمرار في سلطة الحكم وارتفع شعار «لا لحكم العسكر» بعد ذلك لتهتف به الجماهير في الشوارع والميادين! رغم ما أبداه المجلس العسكري من تأكيدات «مطمئنة» إلي انه لا ينوي البقاء في السلطة لحين اجراء انتخابات عامة ووصول رئيس مدني للرئاسة وتشكيل حكومة مدنية وهو الأمر الذي أوفي فيه الجيش بوعوده في مواعيدها المعلنة وكان ارتفاع شعار «لا لحكم العسكر» معبراً عن «الشكوك» التي راودت بعض القوي السياسية في أن يفي المجلس العسكري بوعوده! وقد شهدت مصر بعد الثورة حالة من الانفلات الأمني الذي روع المواطنين ومازالت آثاره باقية مما جعل للجيش دوراً مشهوداً في الحفاظ علي الحد الممكن من أمن الناس وممتلكاتهم دون أن يكون طرفاً لاعباً في الحياة السياسية التي تولي مجرياتها عناصر مدنية خالصة ولكن التجربة التي استمرت منذ قيام الثورة وحتي ترك المجلس العسكري سلطته الانتقالية جعلت قطاعات واسعة من المواطنين تنظر في إشفاق علي ما يجري بمصر من ممارسات سياسية تكاد أن تحرق مصر! والإشفاق الجماهيري تحول إلي الخوف من أن يكون ظهر مصر قد أصبح مكشوفاً في الداخل والخارج والجيش قد تفرغ لمهماته وواجباته الأساسية التي عاد إليها بعد سلطة مجلسه العسكري المؤقت! ولكن الجماهير تأكدت بأن الجيش هو سندها الوحيد في وقت الشدة الفوضوية! وقد تأكد ذلك عندما وجدت السلطة المدنية الحاكمة نفسها عاجزة عن إقرار النظام وسلام الشارع المصري فلجأت إلي الجيش الذي استجاب بإنزال بعض قواته ومعداته إلي الشوارع في محافظات القناة تأميناً للمؤسسات العامة والناس ولا يزال الجيش حتي اليوم وفيا لهذه المهمة التي دعي إليها مع إلغاء حالة الطوارئ وحظر التجوال. وقد طالعتنا الأنباء بالحديث الذي أجرته وكالة «رويترز» مع رئيس أركان الجيش المصري الفريق صدقي صبحي الذي كان يشارك في مؤتمر دفاعي في أبو ظبي وقد أدلي الفريق صبحي للوكالة بأن جيش مصر لن يدعم أي حزب سياسي مما ذهب بالشائعات التي روجتها بعض الدوائر الحزبية والإعلامية حول تبني الجيش مناصرة التيار الإسلامي الحاكم وكان من أهم ما ذكره رئيس الأركان المصري: «إن رجال الجيش ليسوا سياسيين ولا يريدون المشاركة في الشأن السياسي لأنهم عانوا كثيراً بسبب ذلك في الشهور الستة الماضية وأن الجيش يمكن أن يساعد أحياناً في هذه المشكلة ويمكن أن نلعب هذا الدور إذا تعقدت الأمور» والمعني هنا- فيما أظن وهي وجهة نظر خاصة- أن الجيش المصري لن يعود إلي الاشتغال بالسياسة ورجاله ليسوا سياسيين كما عبر رئيس الأركان- عن ذلك ولكن ذلك لا يعني أن الجيش قد قطع صلته بمجريات الأمور علي ساحة السياسة المصرية وهناك شواهد كثيرة- رغم تفاؤل رئيس الأركان بالحوار الوطني المزمع بين جماعة الإخوان المسلمين «الحاكمة» وقوي المعارضة- تدل علي أن هناك ما يؤكد أن الجيش سيكون له دور «المساعدة» ويمكنه ذلك إذا ما تعقد الموقف وهذا هو الموقف الذي يتضح منه أن الجيش لن يكون له دور إلا إذا دعي إليه أو دعته إليه تعقيدات الموقف فالمصريون يحدوهم الرجاء في أن تسارع القوي السياسية- حاكمة وغير حاكمة- إلي الخروج من أزمتها التي هي في الواقع أزمة مصر كلها!. فما عاد هناك شأن سياسي يخص هذه القوي وحدها ويجب ألا يغيب عن أذهان عناصر هذه القوي- خاصة الحاكمة- أن جيش مصر سيكون دائماً في موقع الأحرص علي الوطن فيبقي علي هذه القوي ان تبادل الجيش حرصاً بحرص أشد.