أرسل الله تعالى نبيه إبراهيم -عليه السلام- وجعل في ذريته النبوة وأكرمه بفضائل وصفات حميدة، وهو النبي الذي لُقب بأبي الأنبياء، فلم يُبعث نبيًا من بعده إلا من نسله، وكان له ولدان اصطفاهما الله بالنبوة وهم إسماعيل والذي يُعتبر أبو العرب ومن نسله النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- و إسحاق وقد رزقه الله نبيًا اسمه يعقوب ويُلقب بإسرائيل وإليه يُنسب بنو إسرائيل مع أنبيائهم، وقد أشار الله تعالى بكتابه الكريم بأبوة إبراهيم -عليه السلام- بقوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ*وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}. سورة إبراهيم كغيرها من سور القراَن الكريم مليئة بالأفضال والعبر والمقاصد، ومن مقاصد سورة إبراهيم بيان أن المقصود من إنزال الكتاب الإرشاد إلى الدين والتقوى ومنع الخلق من الكفر، حيث افتتح -سبحانه وتعالى- السورة بالآية الكريمة: {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. ولأجل هذا المقصد بعث الله تعالى جميع الرُسل والأنبياء، وترشِد السورة الكريمة إلى توحيد الله وحده لا شريك له، حيث جاء قول النبي إبراهيم -عليه السلام- بالسورة الكريمة التي تحمل اسمه، قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}. ومن مقاصد سورة إبراهيم توضيح بأن القراَن الكريم غاية البلاغ إلى الله سبحانه وتعالى، لأنه كفيل ببيان الصراط الدال عليه والمؤدي إليه، وبينت السورة أن الله تعالى ذكر فيها نصائح ومواعظ، لأجل انتفاع الخلق بها ليكونوا مؤمنين ويتركوا الكفر والمعصية، واشتملت السورة على الأمثال والحِكم التي أبكمت البلغاء، وأبهرت العقول، فقد وصف الله تعالى القراَن الكريم بالكتاب الذي يُخرج الناس من الظُلمات إلى النور، فيما تضمنت السورة جُملة من فنون العظات والقوارع في قوله تعالى: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ*الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}. وفي مقاصد سورة إبراهيم تثبيت من الله تعالى لعباده المؤمنين في الدنيا والاَخرة، وإضلال الذين أعرضوا عن ذِكره وإتبعوا أهوائهم، ووضح سبحانه ذلك بالآية الكريمة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} . وذمت السورة الذين يبدلون نعمة الله كفرًا ويقودون قومهم إلى دار البوار، كما قاد من قبلهم أتباعهم إلى النار، وتحدثت السورة عن أضخم المشاهد الكونية البارزة في قوله {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} . كما قدمت السورة نموذج للنبي إبراهيم -علية السلام- في شكر النعم، فقد أمر الله الذين اَمنوا بشكل من أشكال الشُكر وهو الصلاة والبر بعباد الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وبينت السورة أن الله تعالى يستحق أن يكون معبودًا حاكمًا متصرفًا مشرعًا وموجهًا.