سورة الفرقان شأنها كشأن جلِّ السور المكيَّة التي نزلت لترسيخ أُسس العقيدة عند المسلمين، ومن مقاصد سورة الفرقان في آياتها الأولى في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}،جيث إنَّها بدأت بتعظيم الله سبحانه وتعالى وتوحيده، كما يُثني الله تعالى على نفسه بأن لا إله إلا الله، خالقُ البشر ومُنظمُ حياتهم، كلُّ شيء في هذا الكون مرهون بإذنه، عند الخير كلّه وبيده الأمرُ كلّه، وفي الآيات الكريمة أيضًا من قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}،وإلى قوله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا}. في الآيات بيان لضلال المشركين وتكذيبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وادعاءاتهم الباطلة أنَّ النبوة تكون لأكثر الناس جاهًا ومالًا وعزًا وجاهًا، والنبوة ليست بذلك كلِّه بل هي لشخص يختاره الله تعالى ويصطفيه على غيره من البشر لصفات ومؤهلات خُلقيَّة يتمتعُ بها، ولو كان هؤلاء المشركون يريدون معرفة الحقيقة ويتبعوا طريق الله بإخلاص لما قالوا ذلك في صفات الرسل. واستكمالًا في مقاصد سورة الفرقان من قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا}،وحتى قوله تعالى: { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا}تمضي الآيات الكريمة لتُذكرَ بيوم القيامة وبالحساب، وبحال المشركين المكذبين لآيات الله تعالى، حين يندمون بعد فوات الأوان حيث لا ينفع الندم، وحين لا ينفعهم اجتماعهم على الشرك كما كانوا في الحياة الدنيا، فقد كان اجتماعهم على الباطل، فيأتون يوم القيامة فيُحمِّل كلٌّ منهم أوزاره للآخر، قد أضلهم الشيطان جميعًا واتبعوه وفي اتباع الشيطان خُذلان الدنيا والآخرة، وفي الآيات من قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}إلى قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}تُذكرُ الآيات بالكافرين من الأمم السابقة من قوم نبي الله موسى -عليه السلام- وقوم عاد وثمود وأصحاب الرس وغيرهم، لتتحدث بشكلٍ موجز عما حلَّ بهم من العذاب جزاءً لكفرهم، ثم تأتي الآيات على جملةٍ من المشاهد الكونية التي تبين إبداع الله في خَلقِه، والتي إذا ما تفكّر فيها الإنسان فلابدّ أن تصل به لحقيقة الإيمان، ومن مظاهر الإبداع الإلهي تعاقب الليل والنهار، وخلق الإنسان من الماء، وخلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، وكلُّ ذلك خلقه الله تعالى على مقدار معين وحساب دقيق، وبعد كلِّ الآيات الكونية المُحكمة يأبى الكفار إلا أن يكذبوا المرسلين. وتأتي مقاصد سورة الفرقان في الآيات من قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}،إلى نهاية السورة في قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}للحديث عن صفات عباد الله الذين تفكَّروا في خلق الكون فأدركوا الحقيقة، وصدقوا الرسل واتبعوا الحقّ، فعلت منزلتهم عند ربهم، فاستحقوا أن يذكرهم الله تعالى في مُحكمِ تنزيله، وأن يُثني عليهم بوصفهم بأنَّهم عبادُ الرحمن، فألحق اسمهم باسمه العظيم -سبحانه وتعالى، وتُختم الآيات الكريمة كما بدأت بالإشارة إلى الهدف الأساسيّ للسورة وهو التفريق والتمييز بين الحق والباطل واتباع الحق، فمن يبحث عن الحق فقد أعطاه الله الفرقان لينير له الطريق.