فسيخ الفقراء.. هكذا يطلق علي "السردين والرنجة " باعتبارهما أرخص أنواع الملوحة في الأسواق، وذلك إذا ما قورن سعرهما بسعر الفسيخ الذي يصل سعر الكيلو منه إلي 60 جنيها، ونظراً لأن شم النسيم هو أول عيد يهل علي المصريين وهم يتنفسون هواء الحرية.. فالأغلبية قرروا الاحتفال وشراء الفسيخ والرنجة رغم الارتفاع الجنوني في أسعارهما، بسبب استغلال بعض التجار للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، إلا أن الخطير في الامر استغلال البعض غياب الرقابة في التخلص من الكميات الراكدة في المخازن عن طريق بيعها بأسعار زهيدة لصغار التجار، الذين يقومون بدورهم بإغراق الأسواق الشعبية بها. في أحد الاسواق بالسيدة زينب تجلس تلك المرأة لبيع "رنجة الفقراء" والتي تم تعبئتها في صندوق خشبي مجهول المصدر والملمح .. ثم تزيد الطين بلة.. وتقوم بلف الرنجة للزبائن اللي - علي مزاجها فقط- في ورق جرائد، وتغلفها بكيس اسود ،من مشتقات الزبالة، أما الزبون ،التعبان أوي، علي حد وصفها فتلف له قطع الرنجة في ورق شيكارة أسمنت. "هقضي نفسي منين ورق جرايد وأكياس.. وانتِ كل اللي دفعاه يا حاجة تلاتة جنيه ".. هكذا صرخت إحدي البائعات في وجه السيدة المسنة التي حضرت للسوق لتبتاع بعض مستلزمات شم النسيم. ونظام البيع في مثل هذه الأسواق الشعبية مناسب للفقراء.. فمن الممكن شراء سمكة رنجة واحدة والمعروفة في الأسواق باسم "فرز رابع" ،وهي غير صالحة للاستخدام الآدمي، وتقوم المصانع بالتخلص منها نظراً لعدم صلاحياتها. وما يحدث مع الرنجة يتكرر مع السردين الذي يعد أرخص أنواع الملوحة، ويتم تمليحه في صناديق مصنوعة من أردأ أنواع الخشب، وفي الأسواق الشعبية يستطيع الفرد شراء وجبة منه بخمسين قرشا، وهو ونصيبه..! ومن الرنجة والسردين إلي البيض المكسر الذي يباع هو الآخر في نفس هذه الأسواق، وبدلا من أن تكسوه الألوان، يغطيه الذباب وتباع الواحدة منه ب 25 قرشا ، أي أقل من نصف ثمن البيضة السليمة.. هكذا يتحايل الفقراء علي الأسعار من أجل الاحتفال بالمناسبات المختلفة بفضل سياسات النظام السابق التي تسببت في تجويع وإمراض شعب بأكمله.. ندعو الله أن يكون هذا آخر شم نسيم تنتشر فيه مثل هذه الظواهر السلبية، وتستعيد مصر عافيتها سريعا من جديد.