ان شدائد الزمان وصروف الليالي ومحن الأيام وكل ابتلاء يُبْتلى به العبدُ في دنياه هو محكٌّ لإيمان المؤمنين، ومخبرة لصبر المحتسبين، ووبال على الساخطين .. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31]. وعلى قدر إيمان العبد يكون بلاؤه؛ فأشد الناس بلاءً رسل الله وأنبيائه -صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين- فكم أُوذُوا في الله، وكم تجنَّى عليهم أقوامهم فصبروا واحتسبوا، ورسموا بذلك معالم الطريق للسالكين الصابرين المحتسبين ممن أوذي في الله، وامتحن من أجل استقامته على صراط الله ).. (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت1-3]. بهذا بدأالدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب وأضاف قائلا: أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر من مقامات الأنبياء والمرسلين، وحلية الأصفياء المتقين، قال الله تعالى عن عباد الرحمن: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ [الفرقان: 75]. وقال عن أهل الجنة: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]. و للصبر انواع منها الصبر على طاعة الله وهو أن يلزم الإنسان نفسه طاعة الله وعبادته؛ ويؤديها كما أمره الله تعالى، وأن لا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء. ومنها الصبر عن معصية الله؛ بأن يمنع الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه؛ مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده، فمتى علم العاقل ما في الوقوع في المحرم من العقاب الدنيوي والأخروي أوجب ذلك أن يدعها خوفا من علام الغيوب. ونتذكر عباد الله في النوعين السابقين من الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله قوله صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، رواه البخاري ومسلم وهناك الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ ومعناه أن يستسلم الإنسان لله فيما يقع عليه من البلاء والهموم والأسقام والمصائب، وأن لا يقابل ذلك بالتسخط والتضجر، فالله هو المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، له الخلق وله الأمر، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فالمؤمن يعلم أن البلاء لنزوله أسباب وحكم؛ بعضها ربما يعلمها العبد وبعضها لا يعلمها إلا الله، والمؤمن يعلم أن لدفع البلاء ولرفعه أسبابا من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، والمؤمن يعلم أن ما ينزله الله بعبده المؤمن رحمة وخيرا وحكمة ورفعة للدرجات وتكفيرا للسيئات؛ ولذلك يكون راضيا بما قدره الله، مسلما أمره إلى الله، محتسبا الأجر والخلف من الله الكريم. وأوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب قائلا: فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله أو مصيبة في أصحابه أو مصيبة في نواح أخرى، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك فقال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها). وعن أم العلاء - رضي الله عنها - قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: (أبشري يا أم العلاء؛ فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) رواه أبو داود وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة). وقال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير؛ وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له). فهذه الأحاديث وما ورد بمعناها بشرى للمؤمن؛ تجعله يحتسب عند الله المصائب التي تنزل به؛ فيصبر عليها ويحتسب ثوابها عند الله؛ لأنه يعلم أن ذلك من عند الله تعالى؛ وأن سببها من نفسه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]. ومن التوجيهات النبوية في الرضا بأقدار الله قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ وفي كل خير، احرص على ما ينفعك؛ واستعن بالله؛ ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم عن أبي هريرة. فتفكروا في حكم المولى في تصريف الأمور، وأنه المحمود على ذلك، وأن أي شدة صغيرة أو كبيرة خاصة أو عامة إنما فرجها بيد من هو على كل شيء قدير، فعلينا أن نحسن الظن بالله؛ وأن لا نقنط من رحمة الله؛ وأن نرضى بما قدر الله؛ وأن نتذكر مع نزول أي مصيبة كثرة نعم الله علينا؛ ولطفه بنا؛ وذلك من أعظم ما يهون المصائب، وعلينا الاعتراف بتقصيرنا وعيوبنا ومعاصينا بين يديه سبحانه، والتوبة النصوح من جميع الذنوب، والقيام بما أمرنا الله به من الصبر واحتساب الأجر، والإيمان به والتوكل عليه؛ والعمل بما يرضيه؛ والبعد عن معاصيه؛ وبذلك تكون العبودية لله في جميع التقلبات والأحوال؛ والتي هي طريق السعادتين في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]. اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين؛ وعند البلاء صابرين...