الوصول إلى القمة، نجاح لا يحققه سوى أصحاب الإرادة القوية والعزيمة الفولاذية.. وكثير من ذوى الهمم قهروا المستحيل، ووصلوا للقمة محققين نجاحات مبهرة فى مجالات شتى، فلم تمنعهم إعاقاتهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية، بل كانت حافزًا للتفوق والنجاح. لقد أكد هؤلاء الأبطال الحقيقون أن النجاح لا يحتاج إلى كمال الجسد، ولكنه يحتاج إلى نضوج وكمال العقل، والعزيمة. فى هذا الملف نرصد نماذج مشرفة، قهروا الصعاب وقسوة الحياة، وحققوا ما يشبه المعجزة. «محروسة»: من «تباع» على ميكروباص.. إلى صاحبة مطعم محروسة سالم، سيدة أربعينية، من ذوى الهمم، أصيبت فى طفولتها بمرض شلل الأطفال، فترك إثارة على قدميها.. تزوجت فى سن العشرين، ولكن سعادتها لم تدم، فسرعان ما تبدلت إلى أحزان بسبب إصابة زوجها بمرض الصرع، وراحت تعمل بكل طاقتها، لتسد حاجة أولادها وزوجها من مستلزمات الحياة. تقول «محروسة» فى بداية زواجى، عشت مع زوجى كملكة قبل أن يصيبة المرض، مشيرة إلى أنه أعظم زوج فى الدنيا أعاد لى ثقتى بنفسى وكان دايما يقول لى إن إلاعاقة إعاقة فكر موت سنتين على زواجى وأصيب زوجى بعدة أمراض فى الصدر تحولت إلى صرع فتوقف عمله، ولم أجد مفرًا من تحمل مسئولية المنزل وبدأت العمل وأنا فرحانة ومبسوطة وراضية بحكم ربنا. وأضافت أن لديها ولدًا وبنتًا.. «نورهان» فى الصف الثالث الإعدادى و«أحمد» فى الصف الثالث الابتدائى، مضيفة أن حياتها كانت مليئة بالصعاب والتحديات، خاصة لسيدة مصابة بمرض شلل الأطفال، كيف تتولى شئون أطفالها وتهتم بهم طوال الوقت، ولكن الأصعب أن تقوم بكل ذلك، بالإضافة إلى العمل وجلب الرزق، وأوضحت أنها عملت فى جميع المهن طالما هى حلال، قائلة: «الشغل مش عيب ولا حرام والست المصرية قوية وتقدر تقف جنب زوجها فى مرضه وتتكفل بأولادها» مؤكدة أنها عملت كتباع لميكروباص لمدة عام كانت تجمع الأجرة، ثم عملت كبائعة مناديل، ثم عملت فى كوافير أربع سنوات، ثم عملت على تروسيكل كانت تنقل البضائع علية، ومن ثم عملت فى الأكل وأصبح لديها زبائن، إلى أن افتتحت مطعم محروسة، مجهز لاستقبال ذوى الاحتياجات الخاصة، وتقوم بتعليم فنون الطهى للجميع. «عبدالرحمن»: 7 بطولات رفع أثقال من فوق كرسى متحرك عبدالرحمن أحمد، شاب عشرينى، عمره لم يتجاوز 23 عامًا، تعرض لحادث مروع، وهو على مشارف شبابه، فقد على أثرها ساقيه، وصار حبيس كرسى متحرك. حرمته الحادثة من السير ولكن روحه كانت أسرع من الرياح العاتية، وإرادته أقوى من كل فولاذ العالم، ولهذا حقق 7 بطولات وهو جالس على الكرسى المتحرك، كما قام بالتمثيل فى المسرح وغنى راب، واستطاع أن يقوم بعمل أربع حفلات، منها حفلة فى الأوبرا، وكذلك استطاع أن يعمل كموديل لفترة.. وقال «ما زال لدى الكثير من الأمانى التى أريد تحقيقها». «عبدالرحمن» تعايش مع كرسيه المتحرك، فتعامل معه وكأنه رفيق من البشر، وأطلق عليه اسم «سلطان».. يقول إنه يجلس على الكرسى المتحرك منذ سبع سنوات، بعد حادث موتوسيكل تعرض له، وهو فى سن السادسة عشرة، فسبب كدمة فى الحبل الشوكى وكسراً فى العمود الفقرى. ويضيف: «أول عامين بعد الحادث كانا فى غاية الصعوبة، ولكنى تمسكت بإيمانى بالله، وبالرضا بقضاء الله وقدره، وعاونتنى أسرتى على تجاوز محنتى، وبسرعة تعلمت الاعتماد على نفسى. وأوضح: «عرفت أعمل حياة جديدة بأحلام جديدة وبدأت بعد إصابتى بثلاث سنوات ممارسة لعبة رفع الأثقال، وقبل الحادثة كنت أمارس لعبة سباحة والمارثوان وكان اعتمادى كله على رجلى، وبعد الحادثة قررت أغير كل أحلامى بأحلام جديدة وأفكار جديدة وبدأت أحققها واحدة واحدة». وتابع: «الهدف من حديثى عن تجربتى الشخصية أنه ليس هناك أحلام مستحيلة، ولازم تحقق أحلامك حتى لو فشلت، يجب أن تسعى تانى وتحققها». وطالب «عبدالرحمن» الأهل بعدم ترك الأبناء لوحدهم فى حال تعرضهم لحادث لا قدر الله، قائلا «ماينفعش نسيب حد لوحده فى أزمته، فالوحدة أكتر حاجة صعبة وبتكسر الشخص خاصة إذا كان يحتاج إلى المساعدة، مؤكدا أن الحادث بالنسبة له لم يكن محنة وإنما هو منحة من الله فى حياته لكى يستطيع التغير للأحسن، وللوصول لأشياء أكبر وهذا ما حدث بالفعل. وقال: «بعد الحادث تحولت إلى لاعب رفع أثقال وخلال 3 سنوات حصلت على 7 بطولات ومثلت فى المسرح وغنيت راب وعملت أربع حفلات منها حفلة فى الأوبرا واشتغلت موديل لفترة». وأكد أنه تعايش مع الحادث بطريقة غريبة، قائلاً: «أعتبر الكرسى المتحرك ده صحبى وعمره ما بيزهق منى، أنا كنت فاكر فى الأول إنى الوحيد فى العالم باستخدم كرسى متحرك بس لما لعبت رفع أثقال ودخلت الجامعة والمسرح عرفت أن فى مجتمع كبير أوى من ذوى الهمم وفيهم ناس كتير جميلة وقوية وقدوة جميلة لكل الناس». «أحمد»: من الصمم والتنمر.. إلى مخرج أفلام أحمد السمان ولد محرومًا من السمع، وظل فى سنوات عمره الأولى طفلًا معزولًا عن العالم. أجرت له أسرته عمليات جراحية عديدة على أمل أن يسمع، وبالفعل تحسنت حالته السمعية، خاصة بعدما استعان بسماعة صناعية، فصار يسمع وتعلم الكلام بسرعة كبيرة، ولكن مأساته لم تنته فما أن التحق بالمدرسة الابتدائية، لاحقه زملاء المدرسة بشلال من التنمر لسنوات طويلة ظل صامدًا أمام تنمر زملائه، ولكن قوة صبره نفدت عن آخرها وهو فى المرحلة الإعدادية فترك المدرسة بغير رجعة. يروى أحمد السمان ما حدث له بعدما ترك المدرسة فيقول: «كاد التنمر أن يدمر حياتى، ويحولنى إلى حطام إنسان، ولكنى لم أستسلم لليأس وقررت أن أعمل ما أحب، فعملت كمخرج أفلام وكمان بكتب افلام وأحياناً أقوم بأدوار تمثيلية. وخلال سنوات قليلة حقق أحمد السمان نجاحات كبيرة، فأول افلامه عرض فى مهرجانين مصريين، وثانى أفلامه لم يتم عرضه حتى الآن، أما ثالث أفلامه فكان تجربة كاملة تمثيلًا وكتابة وإخراجًا وعرضًا دوليًا فى مسابقات دولية وعروض خاصة، رغم عدم عرضه فى مصر حتى الآن. وأوضح أنه قام بتسويق أفلامه بنفسه دوليًا.. وقال: «الحمد لله، ربنا وفقنى، وشاركت فى عدد من ورش السينما وعلمت نفسى بنفسي». وأكد أنه يحلم باستخراج بطاقة ذوى الاحتياجات الخاصة التى من شأنها أن تسهل عليه الكثير من الأمور، خاصة فى ظل الدعم الكبير الذى تقدمه الدولة لذوى الاحتياجات الخاصة «حسين»: سأكون أول مدرب غوص عربى حسين محمد منصور 25 سنة– مساعد مدرب غوص- فى عام 2014 تعرض لحادثة مروعة.. انفجر تانك الهواء، أثناء غوصه فبتر ساقيه وكسر جمجمته، والحق به بعض الإصابات الأخرى احتاجت لسنوات طويلة للعلاج. يسترجع «حسين» مأساته قائلاً: كنت فى بداية مرحلة الشباب، فلم أكن أتجاوز 18 عاماً وتعرضت لحادثة مروعة فقدت فيها ساقى وأصبت بكسر فى الجمجمة، ولكنى تجاوزت الأزمة دون صدمات نفسية، وبعد الحادثة كان لدى إصرار للعودة للمجال الذى أحبه وهو السباحة، رغم معارضة البعض، فليس لدى أطراف، وهو ما يحول بين تحقيقه توازن تحت الماء، ولكن بالإرادة والعزيمة استطعت العودة للسباحة. وأكد أنه عند وصول الأطراف الصناعية له كانت نقطة فارقة فى حياته، دفعته لكى يمشى ويمارس حياته رغم قسوة الجهاز، ولكن بالعزيمة والإصرار استطاع تجاوز أزمته. وأوضح «حسين» أنه فى الوقت الحالى يقوم بالتمرين فى السباحة استعدادًا للدخول فى البطولات قريبًا.. وقال: «بدأت أشتغل على العلاج الطبيعى، لكى أستطيع المشى بصورة جيدة، وأصبحت حياتى طبيعية جدًا»، مشيرًا إلى أنه يسعى حاليًا للعودة للغوص مرة أخرى، لكى يصبح أول مدرب غوص مصرى وعربى من ذوى الاحتياجات الخاصة، وأضاف أنه بعد الحادثة أصبح لدية إصرار وعزيمة كبيرة، يثبت أن الإعاقة إعاقة عقل وليست إعاقة جسد، مضيفًا أن أى شخص تعرض لأى حادث يجب أن يكمل حياته بالشكل إلذى يريده.. وقال: «ما توقفش حياتك على أى ابتلاء فالابتلاء أنواع ويجب أن تستمر، لكى تشعر بطعم النجاح الذى تصل إليه بعد العناء».