على أبواب محكمة الأسرة بإمبابة وقفت وفى يديها حافظة معبأة بالأوراق وهى منكسة الرأس لا تستطيع أن تسلك طريقها وسط الزحام، أنهكها التعب والهموم. وقفت لتسأل أين مكتب التسوية بعد أن عرفت أنه لابد لها ان تقدم أوراق دعوى الخلع فى مكتب التسوية. وصلت بصعوبة إلى المكتب، وعلى كرسى بالٍ فى ركن ارتمت تلتقط انفاسها وأحضر لها أحد الموجودين كوبا من الماء، استعادت وعيها، وانصرف من حولها الجميع وانتظرت كى يسمح لها الموظف القابع أمام مكتب التسوية بالدخول. طال انتظارها، شعرت بالملل وزاغت عيناها فى الحضور، أطياف من البشر، وراء كل منهم حكاية وبالتأكيد مؤلمة وهى فى عالم آخر. فوجئت بصوت الموظف الجهورى يقتحم المكان المكتظ والذى تفوق صوته على اصوات المئات المتواجدين وكلٌ يتحدث فى ذات الوقت. وعلى الفور لملمت نفسها وأوراقها ودخلت مسرعة إلى داخل المكتب، جلست على الكرسى أمام موظف مكتب التسوية وشعرت ان الجميع ينظرون إليها، جميلة هى ولكن شاحبة. أنيقة ملابسها ولكنها حزينة، بقايا عزها تبدو واضحة ولكن الغدر أكل روحها. واخترق أذنيها سؤال الموظف عن سبب قدومها. استجمعت نفسها وما أوتيت من قوة: جئت لأقيم دعوى خلع من زوجى. تفحص الموظف أوراقها وأصيب بالدهشة. سيدتى لم يمر على زواجكما سوى ستة أشهر. نعم سيدى ستة أشهر، ولكنها بالنسبة لى دهر من العذاب والمهانة والمعاناة. ودون ان تدرى أخذت طرف الحديث: تزوجنا زواج صالونات كما يقال عن طريق أحد الأقارب. وعرفت قبل زواحنا انه كان مرتبطًا بفتاة. مجرد خطوبة. نعم كان يحبها بجنون كما عرفت ولكنها تركته وتزوجت من آخر من أجل المال رغم أن زوجى ميسور الحال ولكن الآخر كان أكثر مالا. تحدثنا مطولا فى هذا الأمر وأكد لى انه تخلص من هذا الحب وتلك العلاقة للابد. وكيف لا وهى من خدعته وتخلت عنه بسبب حفنة من الأموال.. ووجدت كلامه منطقيا، كيف يفكر فى فتاة باعته بهذه الطريقة. أحببته من كل قلبى. كان كريمًا لبى كل طلبات أسرتى وجهز منزلًا رائعًا لزواجنا. وتم الزفاف فى ليلة أقل ما يقال عنها إنها ليلة العمر كله. سعادة لا توصف. وبعدها سافرنا لقضاء أيام العسل فى إحدى الدول. وعدنا إلى عشنا الهادئ وأكملنا سعادتنا واعتقدت ان حياتى ستبقى هكذا إلى آخر العمر ولمَ لا وكل منا سعيد باختياره ويشعر ان الدنيا راضية عنه. شهران مرا كلمح البصر على زواجنا سعادة وحب وإخلاص، ولكن تغير الحال فى ليلة وضحاها. زوجى ليس هو وكأنه تحول إلى آخر. ولكنى التمست له العذر ربما لديه مشاكل فى عمله. ولكن طال هذا الأمر وأحوال زوجى تزداد سوءا، ويزداد بعده عنى، ويزداد جفاؤه. ولم يعد يرغب فى الحديث معى، وكانت محادثات زوجى الهاتفية لا تنتهى بالهمس والضحكات وعندما تنتهى أحاديثه الهاتفية يعود للصمت والجفاء والبعد عنى. وكانت المفاجأة المدوية والتى سمعتها أثناء حديثه انه يتحدث مع خطيبته السابقة. وعندما اعترضت وقلت كيف له ان يتحدث مع سيدة متزوجة. ألقى القنبلة فى وجهى دون خجل، وأخبرنى أنها انفصلت عن زوجها الثرى وانه سوف يتزوجها بعد شهور عدتها. جن جنونى، أين وعودك وأين أنا من حياتك، وكيف نسيت خيانتها لك وتخليها عنك؟ لم يعرنى أى اهتمام، وحاولت معه بكل الطرق ولكن مضى فى ظلمه وهجره لى وبدأ يسىء معاملتى ويتعدى عليّ بالضرب كلما اعترضت على خيانته العلنية لى، نعم شهور قليلة مرت على زواجنا، فكرت كثيرًا قبل ان أضعه أمام الاختيار الصعب بالنسبة لى، ولكن كان لابد منه ورغم اننى أعرف النتيجة ولكن طلبت منه الاختيار بينى وبينها، وجاء رده ظالما كعادته انه سيتزوجها ولن يتركنى وسأبقى معه رغما عنى. وتجبر فى معاملته واهانته لى وطلبت منه الطلاق مرارًا وأن يتركنى وشأنى ولكنه رفض. لم أكن أدرى لماذا يفعل معى ذلك، كنت أصون عشرته وبيته ولم يرى منى شرا. وكيف يحدث هذا ونحن مازلنا فى شهور زواجنا الأولى؟! وأمام ما يفعله زوجى معى وتجبره وعدم مقدرتى على استكمال الحياة معه بهذا الوضع الشاذ قررت اتخاذ القرار الصعب وهو الخلع وأن أتنازل عن كل حقوقى.. نعم سيدى أبغض الحياة معه، نعم لا أستطيع الحياة مع هذا الرجل الخائن. دموعها لم تتوقف طوال حديثها وانتهت من روايتها. ودور موظف التسوية والنصيحة رغم اقتناعه بالظلم الواقع عليها ولكنه نصحها بالتراجع عن طلب الخلع ولكنها بدورها رفضت وبشدة وطلبت سرعة السير فى دعوى الخلع. وتم تداول الدعوى وأصرت الزوجة على طلبها، وقضى بخلع الزوج الخائن.