على الرغم من أن رياح التقدُّم والتغيير غيّرت وجه مجتمعاتنا المصرية، فإن المجتمع الصعيدي لم يغير عاداته وتقاليده التي تحكم تصرفاته وتتحكم في سلوكه، ومنذ إقرار قانون الخُلع في الأحوال الشخصية لم يختلف الأمر بشأنه في الصعيد، حيث الرفض التام له، سواء من قِبل الرجال الذين يرون أن الخلع فيه إهانة لكرامة الرجل، أو النساء اللاتي يرين الخلع عارًا يلحق بأسرهن وعائلاتهن، ورغم ذلك شهدت مكاتب تسوية المنازعات بمحاكم الأسرة عدة حوادث خُلع بالصعيد كان لها صدى واسع المجال ومثّلت انقلابًا في التقاليد الصعيدية.. «التحرير» رصدت أهم قضايا الخلع في الصعيد وغيره من محافظات مصر وما تبعها من أحداث. العِشرة هانت بعد 27 سنة قصدت سيدة تبلغ من العمر 29 عامًا، تدعى سيدة.ن، محكمة الأسرة بأسيوط، طالبة الخلع من زوجها بسبب معاملته القاسية، وفي أثناء جلوسها مع أعضاء لجنة التسوية فوجئت بابنها يدخل عليهم ويتعدي عليها بالضرب المبرح، وعندما حاول أعضاء اللجنة تهدئته ومنعه تعدّى عليهم هم الآخرين وأخذ والدته وغادر المكان، وتم القبض عليه وأُحيل إلى النيابة التي أمرت بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق. فكَّرت في خلعه فحاول قتلها وفي مركز الفتح بأسيوط، جنّ جنون زوج بقرية الناصرية عندما علم أن زوجته أقامت عليه دعوى خلع، ولأنه رجل صعيدي يخشى على كرامته التي خدشتها زوجته (كما تصور له)، قام بالتعدي عليها طعنًا بسكين، وكاد أن يودي بحياتها لولا العناية الإلهية.
الزوج كاذب حالة أخرى بمركز الغنايم، وهي سناء.ص، طلبت الخلع لاكتشافها أن زوجها كان يكذب عليها قبل الزواج، بالإضافة إلى أنه لا ينفق على البيت، وأكدت أن الخلع هو الحل الوحيد بينهما، لتنتهي الحياة التي بُنيت على كذب، فهي واثقة أن ما بُني على باطل فهو باطل.
وفي النهاية تمكّن الأقارب من إقناع أسرتها بسحب الدعوى بعد تعهُّد عائلة الزوج بتطليقها منه وإنهاء الصراع بعيدًا عن المحاكم وفضائحها، كما يقولون. «الجن» يجبر شابة على خلع زوجها بعد 3 أشهر وقفت منى ذات ال31 ربيعًا مرتدية عباءة سوداء فضفاضة تخفى بطنها المنتفخة من أثر الحمل، وتحيط عينيها المنهكتين بخط أسود رفيع أمام أعضاء مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة بزنانيري، تطلب بصوت واهن الخُلع بعد زواج لم يستمر إلا 3 أشهر، بسبب رفض زوجها ترك بيتهما المسكون بالجن، كما تدّعي.
"سامحها الله طليقة زوجي هي مَن دمّرت حياتي بأعمالها السفلية"، هكذا استهلت الزوجة حكايتها، وبكلمات متلعثمة تتابع: "نعم هي مَن قلبت دنيتي رأسًا على عقب، وبسبب عملها الشيطاني جافى النوم عيوني وهاجمتني الكوابيس، وبدأت أرى طيفًا أسود باهت الملامح، وأسمع أصوات غريبة، ولم أعد أتحمل أن يقترب زوجي مني، أو أن أمكث في بيتي دقيقة، رغم أنني لم أؤذِها يومًا، وقبلت أن أربي صغيرتها بعد أن تركتها لوالدها، لكن كفاك الله كيد الدجالات، حكيت لزوجي ما أراه، ولجأنا إلى المشايخ والمقرئين، لكن دون جدوى، فطلبت منه أن نترك البيت وننتقل إلى آخر لعل وعسى تتبدل الحال، فرفض ووبّخني، حاولت إقناعه ولكنه استمر في عناده، فحملت أغراضي ورحلت عنه، وقررت الخلاص من تلك العيشة قبل أن أصاب بالجنون، ومنذ أن تركت هذا البيت اللعين وأنا لا أرى مثل هذه الخيالات، قد أكون أخطأت عندما تزوّجت برجل يكبرني بأكثر من 20 عامًا، ومطلق ولديه أطفال، لكن تقدّمي في السن جعلني أقبل بأي رجل، ولن أعود إليه إلا إذا اشترى لي بيتًا آخر".
الزوجة العذراء بعد 12 شهرًا زواجًا في حياء نادر وقفت شابة في محكمة الأسرة بمصر الجديدة بوجه تعلوه حُمرة الخجل، تداري أمرًا في نفسها، فقصتها جارحة، وتمس صميم كرامة زوجها الذي يحبّها لكن ما البيد حيلة فمأساة الزوجة الصغيرة تتمثل في أنها لا تزال عذراء على الرغم من مرور عام على زواجها الذي ارتبط بقصة حب كبيرة قبل الزواج، والموضوع يزداد تعقيدًا، مما جعلها تلجأ إلى المحكمة بعد أن فاض بها الكيل، وبعد إلحاح أمها ونفاد الصبر قررت التوجه إلى المحكمة شارحة مسببات طلبها الخلع من زوجها الذي يحاول التمسُّك بها، رافضًا تطليقها بحجة أنه يعشقها بجنون.
وبدأت ماجدة.ح، 26 سنة، حديثها ل"التحرير"، قائلة: أنا أحب زوجي، لكني محرومة، ومن حقّي أعيش مثل أي زوجة، منذ أن تزوجت من عام اكتشفت في ليلة الدخلة أنه لا يقدر على أداء حقوقه الشرعية، وهوّنت عليه في البداية على أمل إيجاد حل أو شفائه بالعلاج، لكن الأمر استمر طيلة 12 شهرًا وزوجي لا يقوم بأي واجبات أو حقوق تجاهي، رغم قصة الحب التي ربطتنا سويًّا، ورغم ارتباط عامَين، مدة الخطوبة، انتهى بالزواج، فإن زواجنا فاشل، لأنه لم يكن مبنيًّا على الصراحة والوضوح. وتابعت ماجدة "زوجى يعاني من مرض يعجزه عن القيام بأي حقوق شرعية، وعرفت في النهاية أنه كان على علم به قبل الزواج، ولم يصارحني به، ولذلك فكرت في أن أخلعه، لأنه يرفض أن يتركني فهو يعشقني بجنون، وأنا أقدّر ذلك، لكن الحياة لا تستقيم بالحب وحده. واستطردت الزوجة: أخشى أن أقع في المحظور وأخاف على نفسي من الفتنة، ولا أريد أن أغضب الله وأتجه إلى طريق الحرام وأخونه، وتحوّلت حياتي إلى جحيم وعذاب، ولم أقرر أن أذهب إلى المحكمة إلا بعد أن استنفدنا كل الطرق لدى الأطباء الذين أكدوا أن حالته مستحيلة وسيبقى هكذا حتي النهاية.
وأضافت: أنا امرآة لي مشاعر وأحاسيس، ورسميًّا أنا زوجة على الورق، لكني ما زلت عذراء، ولدىّ من التقارير الطبية ما يثبت ذلك، ولذلك كان لا بد أن يصارحني، وأنا أحبّه ولا أريد أن أسقط في الحرام، خصوصًا أنني أرى الفتيات من زميلاتي وأقاربي يتمتعن بحياتهن مع أزواجهن وينجبن الأطفال وأنا من حقّي أن أصبح أمًّا وأكون أسرة وبيتًا، لذلك قصدت المحكمة بعد أن رفض تطليقي بزعم أنه لا يستطيع أن يعيش من دوني، ولما شعرت بأنانيته وأنه يريد أن يبقيني في البيت كصورة ينظر إليها كل يوم دون أن يفقدها. الزوج 64 حصانًا.. والطبيب يحذّر: «هتموتي لو استمريتي معاه» مشكلات البعض يتمناها آخرون، حقيقة عبّرت عنها ما يمكن أن نطلق عليها معاناة فريدة.ك، 28 سنة، التي سطرتها في عريضة طلبها الخلع وقدمتها إلى محكمة الأسرة بمجمع محاكم الجيزة، تطلب فيه خلعها من زوجها بسبب قوته الجنسية المفرطة، حسب قولها وعدم قدرتها على مسايرته وإرضاء رغباته التي لا تتوقف.
شابة تتمايل في حياء في ردهات مجمع الجيزة، تنتظر دورها في "رول الجلسات"، بالاقتراب منها استحيت أن تسرد حكايتها وبعد وعود بتغيير اسمها في التقرير وافقت فريدة، وهو الاسم الذي أطلقناه عليها وارتضته واستهلت، قائلة: تزوّجت من صلاح،م، 39 سنة ، ويعمل تاجر أدوات منزلية، منذ أربع سنوات، وفي الحقيقة لم يبخل عليّ بشيء، وكان كريمًا معي لأبعد الحدود ويلبّي كل متطلبات بيته، لكن الدنيا لا تعطي كل شيء.
تخفي فريدة حياءً طلّ من وجهها قبل أن تكمل "مشكلة زوجي هي نفسها التي عرضت في فيلم (محامي خلع)، وهي أن زوجي لا يكف عن طلب جسدي وممارسة حقه الشرعي بشكل مفرط، وزاد ذلك في الشهور الأخيرة، حتى إنني لم أعد أحتمل منه ذلك، وعلى الرغم من أن الطبيب طلب منه تخفيف لقاءاتنا الشرعية، حرصًا على سلامتي بعد عمل أشعة على الرحم ومناطق أخرى بجسدي، لكنه لم يكترث لقول الطبيب بل زاد الأمر عما سبق، وهنا بدأت أشعر أنه شخص أناني لا يفكر إلا في نفسه".
وتتابع الزوجة الشابة "حاولت أن أجاريه وفي نفس الوقت أتهرب منه بالذهاب إلى منزل أسرتي، لكنه كان ينهرني ويأتي لأخذي من البيت ليلاً لإتمام علاقته الشرعية دون أن يلاحظ أن صحّتي بدأت في التدهور، وعلى الرغم من أن الطبيب المعالج أخبرني في آخر مرة أن لديّ التهابات حادة ويجب التوقف فورًا حتى لا تتحول إلى قرحة ثم قد يضطر إلى استئصال الرحم في حالة استمر الوضع على ما هو عليه، إلا أن زوجي تجاهل أيضًا تحذيرات الطبيب وحاول الاستمرار في عادته.
تنهي فريدة قصتها وهي تشيح بوجهها لتلحق بجلسة قضيتها: زوجي رفض التوقف وأسرتي طلبت منه الطلاق، وقالت له أمي "أنا مش مستغنية عن بنتي اللي بتعمله ده مايرضيش ربنا"، فرفض أن يطلقني ونصحني محامٍ قريب لنا برفع دعوى وتقديم تقرير الطبيب المعالج عن حالتي الصحية، فوافقت على الفور.