الإنسان من طبيعته النسيان، لأنه لو تذكر ما ألم به من آلام وأحزان، وما أحاطه من مكائد وشدائد لكره العيش، وسئم الحياة.. إنما رحمة الله به جعلته يتذكر القريب..!! فإذا ضربه الزمن بأيامه ولياليه فإن الأيام تنتهي، والساعات تنقضي، والجروح تندمل، والإحزان تنمحي، ويشغل الإنسان بحاضره لكن هل ما ينساه الإنسان ينساه الملك الديان؟!! كلا ثم كلا!! وإنما الأمم أفرادًا وجماعات تفعل ما تفعل، وتترك ما تترك، لكنها يومًا ما ستقف أمام ربها..!! وستواجه بما فعلت وستحاسب بما تركت ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: 28]!! بهذا بدأت الباحثة الاسلامية سميرة عبد المنعم حديثها حول تحريم الظلم ودعاء المظلوم. وأضافت: لقد حرم الله الظلم فقال ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[الكهف: 49].. وقال في الحديث القدسي "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" رواه مسلم، وقال: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" تخريج السيوطي ولو بعد حين في الحديث القدسي أي لا تسقط بالتقادم، وفي القرآن ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: 42] أيضًا عملهم لا ينساه الديان، وهناك ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: 52]. هذا سعيد بن جبير رحمه الله، عندما قال الحجاج: لجنده: اذهبوا به فاقتلوه! ضحك وهو يتأهب للخروج مع جند الحجاج، قائلا للحجاج: عجبت من جرأتك على الله ومن حلم الله عليك، فقال الحجاج: اقتلوه.. اقتلوه، فقال سعيد: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، قال الحجاج: وجهوا وجهه إلى غير القبلة فرد سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله، قال الحجاج: كبوه على وجهه، وهنا رد سعيد: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، فقال "الحجاج: اذبحوه!! فقال سعيد: أما أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. ثم رفع رأسه إلى السماء. وقال: "خذها مني يا عدو الله حتى نتلاقى يوم الحساب: اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه على أحد يقتله من بعدي" وصعدت دعوة سعيد إلى السماء، فلقيت قبولا واستجابة من الله والواحد القهار. فلقد أصيب الحجاج بعد قتله لسعيد بن جبير بمرض عضال أفقده عقله، وصار كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وكان كلما أفاق من مرضه قال بذعر: مالي ولسعيد بن جبير وبعد فترة قصيرة من قتل سعيد بن جبير مات الحجاج الثقفي شر موته، وتحققت دعوة سعيد فيه، فلم يسلطه الله على أحد يقتله من بعده. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" رواه الترمذي. فليحذر الظالم أن الإنسان مراقب على مدار اللحظة..!! الطباعة الإلهية تنسخ ما يفعل، وتسجل ما يترك حتى يوم العرض الأكبر ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18] لا جيوب ولا نتوءات..!! لا خزائن ولا حصالات..!! لا صناديق ولا أوراق..!! لا وساطات ولا وجاهات ولا شارات، هناك ينطق ما سجلت، ويخرج ما طبعت..!! ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29] عملك ينسخ في آلة إلهية لا تضل ولا تنسي، ويحفظ في مكان مأمون لا يتلف أ ولا يسرق، ولا يصادر، لا يفرم ولا يتغير بتغير المناخ من أعاصير أو رياح كلا..!! وإنما..﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۞ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].. وهذا تحذير من الذي إليه ترجع الأمور كيف؟ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]..!! كيف؟! ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾[الأنبياء: 47] ورغم ذلك يكذبون ويجادلون ويلهيهم الأمل. وذكرت الباحثة الاسلامية سميرة عبد المنعم قائلة: لكن هناك يوم لا ظلم فيه ولا جور..!! ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17] نعم لا ظلم اليوم..!!، إنه العدل المطلق، انه يوم إعادة الحقوق لأصحابها، العملة فيه ليست بالدرهم أو الدينار، ليست بالجنيه أو الدولار، إنما بالحسنات والسيئات: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۞ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7 في طريق الظلم لا يشعر الظالم بظلمه، بل يستمرئ الظلم ويستعذب الجور مع انه مراقب على مدار اللحظة..!! منظور على طول الطريق..!! ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ۞ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ [إبراهيم: 42، 43] إنه معلوم لدى الذي بيده الأمر ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 95] أيها الظالم كيف لو مات المظلوم قبل أن ترد له حقه. دعوة المظلوم لا تسقط بالتقادم فليحذر كل ظالم، ومن باب.. انصر أخاك ظالما أو مظلوماً قيل كيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره).... (صحيح الألباني) انظر حديث رقم: 1502 في صحيح الجامع. قدمت هذه الإرشادات والتحذيرات.... فالظلم ظلمات يوم القيامة وأعظم ما يقع فيه العبد من ذنب ان يظلم أحد، فالإمام ابن رجب ذكر فى شرح حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: « اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» فإن الله تعالى يستجيب لدعوة المظلوم حتى وإن كان كافرا. الله لم يخلق العباد ليعذبهم، مشيرا إلى أن الله يعفو عن الذنوب التى بينه وبين العباد، أما الحقوق التى بين العباد وبعضهم فلا يعفو عنها إلا إذا عفا صاحب الحق والمظلوم عن حقه، والحقوق التى بين العباد لابد للعبد أن يسامح فيها عن حقه فإن لم يسامح فعلى المخطئ أن يبادر بإرجاع الحق لصاحبه إن كان ماديا أو الاعتذار عنه إن كان شيئا معنويا.