أبطال مصر، قد ترحل أجسادهم وتلبى نداء الخالق، ولكن أرواحهم وأعمالهم تظل طاقة نور وإلهاما وطنيا لكل الأجيال، ورمزا للفداء والتضحية والعطاء، بعد أيام قلائل من رحيل شيخ المجاهدين بالسويس حافظ سلامة، رحل أمس الصول النوبى «أحمد محمد إدريس»، صاحب فكرة الشفرة النوبية فى حرب أكتوبر 73، وهى الشفرة التى حيرت إسرائيل، ولم يتمكنوا أبدا من فكها لعدم درايتهم باللغة النوبية. وكان الصول فى موقع خدمته العسكرية إبان حرب الاستنزاف، عندما علم أن الرئيس الراحل أنور السادات يبحث عن آلية جديدة للتغلب على أزمة فك الشفرات المصرية خلال الحرب من قبل العدو الإسرائيلى، فعرض الصول إدريس على أحد قادته فكرة استخدام اللغة النوبية فى الشفرة للمراسلات الحربية وإصدار الأوامر العسكرية، وقال له إن اللغة النوبية يتحدث بها أهل النوبة فقط، ولكنها لا تكتب وغير موجودة فى القواميس، ولهذا لن تعرف بها إسرائيل ولن تستطيع التقاط أى أشارات أو رسائل لقادة الجيش المصري. وعلى الفور قام رئيس الأركان بدوره بعرض فكرة الصول على الرئيس السادات، والذى وافق على الفور، بل وقام الرئيس السادات باستدعائه إلى مكتبه، وكانت المرة الأولى التى يرى فيها الصول أحمد إدريس رئيسا لمصر وجها لوجه، ووضع السادات يده على كتفه مثمنا لفكرته، ثم جلس على مكتبه وابتسم وقال له: فكرتك ممتازة، لكن كيف ننفذها؟ فقال الصول بذكائه الفطرى: لابد من جنود يتحدثون النوبية وهؤلاء موجودون فى النوبة، لذا يجب الاستعانة بأبناء النوبة القديمة وليس بنوبيى 1964، وهم متوافرون فى قوات حرس الحدود، وأمن السادات على كلام الصول وقال: «بالفعل فقد كنت قائد إشارة بقوات حرس الحدود وأعرف أنهم كانوا جنوداً بهذا السلاح». وبالفعل بعد عودة الصول إلى مقر خدمته العسكرية، علم أنه تم الاتفاق على استخدام اللغة النوبية، كشفرة وأنهم قرروا الاستعانة بالمجندين النوبيين والذين بلغ عددهم حوالى 70 مجنداً من حرس الحدود لإرسال واستقبال الشفرات، وتم تدريب الجميع، وذهبوا جميعاً وقتها خلف الخطوط لتبليغ الرسائل بداية من عام 1971 وحتى حرب 1973، وهى الشفرة التى حيرت العدو الإسرائيلى ولم يتمكنوا أبدا من حلها وفك أسرارها، واستمرت هذه الشفرة متداولة حتى عام 1994 وكانت تستخدم فى البيانات السرية بين القيادات العسكرية. وكانت كلمة «أوشريا» الأشهر فى شفرات حرب أكتوبر، وتعنى «اضرب»، وكلمة «ساع آوي» وتعنى «الساعة الثانية»، وعندما تلقت الوحدات العسكرية المصرية كلمتى «أوشريا» و«ساع آوي»، بدأت ساعة الصفر، وانطلقت القوات المصرية كل فى تخصصه للهجوم على العدو حتى كان النصر واسترداد الكرامة، سلاماً ورحمة لروح الصول النوبى أحمد إدريس ولشيخ المجاهدين بالسويس حافظ سلامة، ولأرواح كل شهداء الوطن.