أقسم الله تعالى في سورة المدثر بثلاثة أشياء وهي: القمر والصبح عند ظهوره والليل عند إدباره، وذلك في قوله -تعالى-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[4] [المدثر : 31 - 37]. وبما أن سورة المدثر مكية فقد تحدثت عن أسس العقيدة الإسلامية، إذ إن مقاصد سورة المدثر تدور حول هذه المحاور الرئيسية التي تتحدث عنه جميع السور المكية، وأهمها دعوة الرسول -عليه السلام- إلى الإنذار من الجد والاجتهاد في الدنيا التي هي دار البوار، والنهي عن الاستكبار والإغترار فيها، وهذا في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}. ومن مقاصد سورة المدثر أيضًا بيان زيف الادّعاء بأن القرآن الكريم كلام البشر، وهذا في قوله -تعالى-: {إِنّهُ فكّر وقدّر * فقُتِل كيْف قدّر}. حيث نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة الذي فكر في أن يرد على الرسول -عليه السلام- فيما جاء به من القرآن الكريم، فاخطأ في تقديره، فالقرآن الكريم ليس شعرًا مثل شعر العرب، وليس كلامًا مثل كلام الكهان، وليس سحرًا، إذ يقول -تعالى-: {فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[5]، ومن مقاصدها أيضًا بيان أسباب دخول سقر، وهي نار جهنم التي حذر الله عباده منها، وأنّ الإعراض عن الصلاة وإطعام المساكين والخوض مع الخائضين من أهم أسباب دخولها، بالإضافة إلى التكذيب بيوم الدين، إذ يقول -تعالى-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}. لذلك لن يستطيع الردّ عليه أبدًا، وقتله تقديره، ومن مقاصد سورة المدثر أيضًا الإشارة إلى بشارة الله -تعالى- لأهل الذكر، والدعوة إلى الإيمان، ولوم الكفار على إعراضهم عن الإيمان بالله -تعالى-، والتذكير بوعد الله بالرحمة والغفران، وذلك في قوله -تعالى-: {هو أهْلُ التّقْوى وأهْلُ المغْفِرة}.