رغم مرور عامين على ثورة 25 يناير، التى خرج فيها الملايين يهتفون: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، ما زالت الأوضاع الاقتصادية كما هى بل تسير من سيئ إلى أسوأ.. توقع الكثيرون أن أحوال الناس ستتحسن بعد وقف نزيف الأموال والفساد، لكن للأسف حدث العكس، حيث تراجع احتياطي النقد الأجنبي وزاد العجز بميزان المدفوعات.. ومع الصراعات السياسية المتلاحقة، تدهورت الأحوال الاقتصادية للغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى. وفى الوقت الذى يؤكد فيه البعض أن البنية الأساسية للاقتصاد المصري جاهزة للانطلاق وتحتاج فقط إلى استكمال بنية النظام السياسي بإجراء الانتخابات البرلمانية، واستكمال مؤسسات الدولة الأساسية التي باتت شبه مكتملة بعد انتخاب رئيس الجمهورية وإقرار الدستور، واختيار رئيس الجمهورية، مطالبين بالسعى نحو تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، لتشجيع عودة الاستثمارات الأجنبية، وازدهار السياحة. ويرى آخرون أن السياسات الاقتصادية التى انتهجها نظام مبارك وأسهمت فى زيادة الفوارق الطبقية مازالت هى التى تحكم أداء النظام الجديد خاصة بعد سعى الحكومة الدءوب لسد عجز الموازنة بالاقتراض، وتطبيق سياسات فرض الضرائب ورفع الدعم عن الوقود وغيرها من الإجراءات التى تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا. وبين هذا وذاك يقف المواطن البسيط الذى يعجز عن الوفاء بمتطلباته الأساسية حائرا بين الطرفين، وفى هذا الإطار نظم معرض الكتاب مناظرة بعنوان "الوضع الاقتصادي في مصر" بين أصحاب وجهتى النظر المتباينتين، لكن المناظرة تحولت إلى ندوة نتيجة غياب الطرف الأخر والممثل لتيار المعارضة، وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفى محمود شرف فى الندوة التى أشرف عليها. وقد حمل الاقتصاديون الممثلين لحزب الحرية والعدالة في اللقاء، مسئولية تراجع الاقتصاد المصري إلى المعارضة بسبب غياب الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى تحميل الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي مسئولية تحريك الجنية المصري. في البداية قال محمود شرف المشهد مرتبك والبلاد تعاني أوضاعا متردية خاصة على الصعيد الاقتصادي، لافتا إلى تحذير الخبراء من تردي الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر ملوحين بالإفلاس أحيانا، وتوقف عجلة الإنتاج أحيانا أخرى. وأضاف: كل يوم يخرج علينا الاقتصاديين بأرقام قد تمثل عائقا أمام المواطن العادي في فهم الوضع بشكل صحيح، إلا أن المواطن لا يحاول الوقوف أمامها كثيرا، حيث أن ما يعنيه أكثر هو كيفية الحصول على "لقمة العيش"، التي خرج المصريين من أجلها إلى ميادين مصر للمطالبة ب"العيش، والعدالة الاجتماعية"، ولكن بعد مضى عامين لم يظهر لنا أي أمل حول تحقيق هذه المطالب، وتساءل إلى أين نحن ذاهبون؟. من جانبه قدم الدكتور محمد جوده، الخبير المصرفي، عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة رؤيته حول الأوضاع الاقتصادية خلال ال30 عاما الماضية قبل أن يتحدث عن الوضع الاقتصادي في مصر بين الواقع والمستقبل، وقال: لابد أن يعرف المصريون حقيقة الواقع الذي تمر به مصر الآن، مشيرا إلى أن البلاد تعرضت طوال ال30 عام الماضية إلى أبشع حالة من حالات النهب والسرقة لثرواتها حتى قامت ثورة 25 يناير، واستطاع الشعب أن يقتلع رأس هذا النظام . وتابع: هذا يجعلنا نتساءل حول طبيعة التركة التي تركها لنا النظام السابق.. ففي ليلة التنحي ترك لنا معدلات غير مسبوقة للفقر، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود 43% من الشعب المصري تحت خط الفقر، أي أن دخل المواطن يقل عن 2 دولار في اليوم، وهناك من يقل دخله عن 3 دولار في اليوم. وأضاف: الدين العام الداخلي والخارجي بلغت قيمته 1350 مليار دولار و230 مليار فوائد وأقساط لهذا الدين، فيما كانت معدلات البطالة تتجاوز 12 % والخبراء يؤكدون أنها بلغت 18 %.. كما ترك لنا نظام تعليمي فاشل، يجعل الطالب الذي يتخرج لا يمتلك القدرات المناسبة التى تؤهله للالتحاق بسوق العمل، إلى جانب بنية تحتية متخلفة نقارنها مع زيمبابوي!!، وليس مع الدول التي تتناسب معنا، بالإضافة إلى جهاز إدارى فاشل، حيث تحول الفساد في عهد النظام السابق إلى منظومة حياة. وأوضح جودة أن الفترة الانتقالية التي مرت بها مصر طالت أكثر مما ينبغي، مما تسبب في زيادة الدين العام ليصل إلى 1550 مليار دولار، أي بزيادة 200 مليار, فكان من الطبيعي أن تتراجع معدلات الاستثمار ويفقد الجنيه قيمته بنسبة 5%، مؤكداً أن مصر أمام مشكلة اقتصادية حقيقية نتيجة لسيطرة 72 أسرة في عهد مبارك على ثروات مصر بأكملها. واستطرد جودة: سوء الأوضاع السياسية أدى إلى تراجع معدلات الاستثمار الخارجي والسياحة وهو ما تسبب في عمل ضغط على سعر الصرف حتى استهلك البنك المركزي 25 مليار دولا أمريكي قبل تسلم الرئيس محمد مرسي منصبة. ووجه جودة انتقادا حاد لمحافظ البنك المركزي المستقيل، وحمله مسئولية انهيار قيمه الجنية المصري أمام الدولار، وقال أن محافظ البنك المركزي كان ينبغي عليه زيادة سعر الدولار بعد ثوره يناير مباشره لكنه كان يحافظ علي سعر الجنيه كأنه من المقدسات، ثم حاول أن يبين الأمر وكأن الدكتور محمد مرسي هو السبب فيما حدث. وتابع: أنا لست قلقا من انخفاض سعر الجنيه لان الانخفاض سببه سياسي، وليس اقتصاديا، فالدولار يأتي من أكثر من مصدر، أولها تحويلات المصريين وقد زادت بمعدل 40% هذا العام، والأمر الثاني يأتي من خلال الصادرات، وهي أيضا زادت وان كانت بشكل طفيف، أما الطريقة الثالثة للحصول علي العملات الأجنبية فهي عن طريق دخل قناة السويس وهي زادت أيضا. وحول طريقة الخروج من الأزمة، قال جودة أن مصر تمتلك الأدوات التي تمكنها من الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية, فكلاً من البرازيل وماليزيا وتركيا، استطاعت أن تحقق نهضة اقتصادية خلال 7 سنوات، ومصر قادرة على أن تحقق نهضة أعظم من هذه الدول، وذلك من خلال إقامة نظام اقتصادي كفء يستطيع أن يحقق العدالة الاجتماعية للشعب المصري، وهذا النظام والذي تبناه حزب الحرية والعدالة . وأضاف أن البرنامج متكامل ويستند على المرجعية الإسلامية وليست منظومة اشتراكية أو رأسمالية، فهو برنامج يقوم على إقامة نظام اقتصادي كفء وتنافسي يحقق الرخاء للشعب المصري. وأشار جودة إلى أن أهم ملامح هذا البرنامج تقوم علي احترام الحرية الاقتصادية الكاملة واحترام الملكيات المتعددة وإقامة دولة قوية ضامنة تعمل علي حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وتهيئة البنية التحتية الأساسية ومراعاة الطبقات لفقيرة، بالإضافة إلي تنبي مشروع قومي كبير لإحداث تنمية مستدامة شاملة والاهتمام بالعدالة الاجتماعية. وأكد جودة أن تحقيق هذه الرؤية الاقتصادية يتطلب في المقام الأول استتباب الأمن والاستقرار السياسي لتهيئة البلاد لتنمية مستدامة شاملة، مشيرا إلى إن أحد المشروعات القومية الكبرى التي يبحث حزب الحرية والعدالة تنفيذها هو زراعة 5ر3 مليون فدان في الساحل الشمالي وشرق العوينات وسيناء بالاعتماد علي المياه الجوفية وهو مشروع يستهدف أيضا إلي خلخلة البنية السكانية المشوهة حاليا في مصر عن طريق الخروج من وادي النيل الضيق والدلتا وإعادة التوزيع الجغرافي للسكان. كما أشار إلي أن قناة السويس من الأصول المهمة لدي مصر والتي يمكن تحويلها لمصدر دخل عملاق يدر ما يصل إلي 100 مليار دولار سنويا. وشدد جودة علي ضرورة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك التركيز علي المشروعات كثيفة العمالة للقضاء علي البطالة التي تمثل التحدي الأول لمصر. وأوضح جودة أن أحد المحاور المهمة التي يرغب الحزب تنميتها هي ما يسمي باقتصاد المعرفة الإنساني والذي يعتبر الإنسان مصدرا لموارد المعرفة عن طريق تطوير صناعة البرمجيات والتكنولوجيا مثلما تفعل الهند التي تصدر بما لا يقل عن 160 مليار دولار برمجيات وتكنولوجيا واليابان التي ليس لديها أي موارد باستثناء الثروة البشرية تعتبر صاحبة أكبر ثاني اقتصاد في العالم قبل أن تزاحمها علي المركز الصين. كما أكد ضرورة الاهتمام بالاقتصاد المجتمعي لرفع الضغط عن الموازنة العامة عن طريق تفعيل دور مؤسسات الوقف والزكاة التي توفر سنويا ما لا يقل عن 60 مليار جنيه يتم توجيهها إلي إقامة مشروعات تستهدف تشغيل الفقراء ليشاركوا في العملية الإنتاجية ويحصلون علي دخل يحفظ كرامتهم في الوقت نفسه. وتحدث جودة عن مصادر تمويل القطاع الخاص والموازنة العامة موضحا أن لدي الحزب أفكارا جاهزة لتوفير مصادر تمويل للموازنة العامة أبرزها إعادة النظر في الدعم الذي يقدر ب50 مليار جنيه ويذهب 60% منه لدعم الطاقة للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وأيضا إعادة النظر في دعم الصادرات الذي قد يكون لا يصل إلي مستحقيه بالإضافة إلي تعزيز مد وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل لتخفيض نسبة استهلاك البوتاجاز والسولار مشيرا إلي أن تطبيق هذه الأفكار قد يؤدي إلي توفير أكثر من 100 مليار جنيه سنويا. أما عن تمويل القطاع الخاص، فقال إنه هناك أكثر من 400 مليار جنيه فيما يسمي بالاقتصاد غير الرسمي وهناك حاجة لبعض التشريعات التي تحوله إلي اقتصاد رسمي كما أن هناك فجوة بين الودائع في البنوك والأموال الموظفة في الاستثمارات. وأضاف: على الدولة أن تقوم بتهيئة البنية الأساسية للدولة، وتهيئة مناخ مناسب للاستثمار الخارجي، وكذلك منع الممارسات الاحتكارية وضمان وصول حد الكفاية لكل مواطن بما يضمن حياة كريمة، وبشكل أساسي يجب الاعتماد على الإنتاج الداخلي المعتمد على الصناعة والزراعة كبديل عن الاقتصاد ألريعي. فيما قال الدكتور محمد البلتاجي رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي، بأن مصر من الدول ذات أساس اقتصادي جيد وغير مهدده لان تتعرض للإفلاس. وأنتقد البلتاجي النظام الاشتراكي والرأسمالي في إداراتهما الاقتصادية, ويقول أن كلا النظامين يتعاملان مع الديون والأزمات وليس مع النظام الاقتصادي والتنمية, مما أدى إلى حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية. ولفت إلى أن مصر جربت الكثير من الأنواع الاقتصادية ولم تحقق التنمية والرخاء المطلوب، فالنظام الاشتراكي انهار في 40 سنة وعاد بنا للتخلف، أما النظام الرأسمالي ففشل أيضا. وأكد البلتاجي أن حل هذه الأزمة يكمن في تطبيق الاقتصاد الإسلامي والذي يتضمن مبادئ الحياة والشريعة الإسلامية والتي يمثل أكثر من 95% منها مسائل اقتصادية. ووضع البلتاجي خمسة أسس يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي تبدأ من البنوك الإسلامية، مشيرا إلى أن على مستوى العالم يوجد ألف بنك يعمل وفقا للشريعة الإسلامية، وذكر انه عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008, كانت البنوك الإسلامية هي البنوك الوحيدة التي لم تتأثر بالأزمة، حيث أنها لا تتاجر بالديون ولا تضارب بالعملات بل تعتمد على الاقتصاد الحقيقي. أما الأساس الثاني فيكمن في "الوقف" فكثيرا من الدول اعتمدت على الوقف لتحقيق التنمية, ويلي الوقف "الزكاة"، ثم شركات التأمين التكافلي وصولا إلى الاستثمار والتي يرها البلتاجي انه أهم أساس يقوم عليه الاقتصادي النجاح. كما ذكرا البلتاجي مبدأ الصكوك الإسلامية والتي تعني بإقامة مشروعات بتمويل من رجال الإعمال من اجل التنمية ولهذا عدة شروط، ومنها عدم الحق في بيع وشراء أي من مشروعات هذه الصكوك مؤكدا بان الصكوك ليست ديون على الدول كما قيل في وسائل الإعلام وليست ملكية خاصة للأفراد، وإنما هي فقط أداه تمويليه واستثمارية, فمصر تمر بأزمة غير اقتصادية لذا فهي تحتاج إلى حلول غير تقليدية. وردا على أسئلة الحضور في الندوة حول عدم شعور المواطن بتحسن في الاقتصاد المصري قال الدكتور محمد جودة، أنه بالفعل لم نلمس في الفترة الماضية تحول اقتصادي في معيشة المواطنين، وذلك لأنه لا يمكن عمل تنمية اقتصادية في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني، في ظل المعارضة المستمرة من جانب التيار الأخر. وأضاف: في ظل هذه الأحداث التي تسود البلد من توتر وعدم استقرار هل هناك مستثمر "أهبل"، من الممكن أن يأتي ليقيم مشروعات استثمارية.. مشيرا إلى أن التحسين الاقتصادي يأخذ وقت، ولكن في الوقت عدم التحسن الاقتصادي لا يعني عدم وجود انجازات حققها الرئيس محمد مرسي منذ توليه الرئاسة لرفع مستوى معيشة المواطن المصري ومنها زيادة 15% للرواتب والمعاشات، كما رفع المعاش الاجتماعي وأضاف مليون أسرة، وتم تثبيت جزء من العمالة المؤقتة. كما سافر الرئيس إلى مجموعة من الدول وتم الاتفاق على 45 مليون دولار استثمارات ستأتي لمصر من دول مختلفة ولكنها ستأخذ وقت لحين يحدث الاستقرار. فيما أزال الدكتور محمد البلتاجي اللبس الموجود لدى بعض المواطنين بشأن رفض مجمع البحوث الإسلامية لمشروع قانون الصكوك الإسلامية، وقال أن سبب رفض المجمع لها يعود إلى الخطأ الذي ارتكبته وزارة المالية بأن وضعت في مشروع القانون بأن الصكوك تعد سيادية، بالإضافة إلى النص على بيع لأصول الدولة على عكس ما قررته اللجنة التي وضعت مشروع القانون وبالفعل تم معالجة الأمر وتم حذف كلمة سيادية والنص الخاص بتملك أصول الدولة.