ويقول كل واحد منهم - رهين محبسه -: »يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا«.. ونقول له بلسان الشعب كله: هذا جزاء من يخون الوطن في ماله وثماره، ثمن الخيانة غالي. يا عزيزي حقاً وصدقاً إنهم جميعاً لصوص.. علي قمة الجبل، سقط اللصوص الواحد بعد الآخر، وكانوا قد ظنوا - وإن بعض الظن إثم - أن الدنيا - أي مصر - دانت لهم، وأنهم سيظلون أبد الآبدين في »غيهم يعمهون« إلا أن الصاعقة قد جاءت وجاءت معها إرادة شعب حر أبي، قام شبابه بثورة سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور، وهذه الثورة التي احتضنها وباركها أبناء مصر منذ لحظتها الأولي - بعقله وقلبه وبما أوتي من أحاسيس وفداء، أحاسيس جياشة في الصدور كان يحس بأن »لصوص المدينة« قد أكلوا ثمارها وحطموا حياتها وعاشوا في معزل عن »ضمير الجماعة« في قصور عالية، جاء النداء الجماهيري الجياش ليصنعهم في يوم لا ريب فيه، وكان القدر قد حدد بداية هذا العام وفي يوم مشهود هو يوم »25 يناير 2011« يوم سوف تسميه مصر الصابرة المصطبرة »أم الصابرين« سوف تسميه »عيداً« بل هو »سيد الأعياد جميعاً« لأن فيه انهد صرح الظلم وتحطمت أسطورة الطاغية، وأطل فجر جديد بعد ليل قد طال ليعطي أبناء هذه الأمة أملاً جديداً وعهداً جديداً وعصراً جديداً »إنه يوم البعث حقاً وصدقاً«. جاء الأمل، وجاءت البشري التي انتظرها الشعب المصري النبيل.. وغربت مع شمسهم حياتهم التي عاشوها وعايشوه في »بعد بعيد عن شعب مصر« عاشوا ملوكاً في قصورهم وديارهم، ونسوا أنه علي الشاطئ الآخر - كانت القبور للكادحين الصابرين.. جموع شباب وشيوخ وأطفال ورجال ونساء مصر.. »أياماً سوداء تماماً مثل ليل الظالمين«. واليوم جاءت البشري وتحطمت الأصنام وسقطت من علٍ، وتهيأت النفوس والقلوب صوب عهد جديد قوامه »الويل كل الويل« لمن سرقوا مصر، الويل كل الويل لهؤلاء الذين أتخموا في ثرواتهم وتملكوا بدون وجه حق الدور والقصور والأراضي والأموال بالملايين والبلايين والتريليون وأرقام تعجز الأقلام عن تحديدها والخطير الخطير ما تكشف عنه التحقيقات القضائية عن تلك الثروات التي تخطت كل الأرقام الخيالية، وآه ثم آه يا مصر يا من قال فيك حكيم الزمان »أبوالطيب المتنبي«: »وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا«.. الكل تعجب وحق له أن يتعجب عن تعداد ألوان هذا الثراء اللامسبوق وأنت يا مصر يا مزرعة الحقل الخصيب منذ فجر التاريخ. وكما قيل فيك أيضاً: نامت نواطير مصر علي ثعالبها فقد بشمن وما تفني العناقيد كل يوم نتتبع ما تكشف عنه التحقيقات مع هؤلاء الذين كانوا - بالأمس - في القمة سلطات بلا حدود، وأموال بلا حدود.. والطمع.. الزيادة.. الزيادة.. خزائنهم لا تملتئ مهما وضع فيها من الدولارات والاسترليني واليورو.. وعلي استحياء ملايين ملايين الجنيهات، والطمع موجود.. واتضح أن خزائنهم لا تشبع، وكأنها كما قيل عن جهنم: ونقول لخزائنهم هل امتلأت وتقول - وقد نطق الحديد والحجر - تقول »هل من مزيد«!! هذا النهم نحو زيادة »الثروة الذاتية« لكل منهم الأب والأم والولد بل والعم والخال قد أدي بهم وبالبلاد إلي نكسة حقيقية في كل شعاب الحياة.. وكانت الطامة الكبري لنمط الحياة ذاتها في البلاد.. لقد ضاعت فيما ضاعت أهم خصائص الإنسان المصري وهي »ابتسامته الخالدة« وأصبحت حياته مملوءة بالتعاسة والألم.. ومعها انهارت القيم والأخلاق وصفات المصريين الأصيلة تلك التي ورثوها عبر الأجيال »فتري الناس سُكاري وما هم بسُكاري« ولكن حياة الفقر والجوع والعطش كانت لها الريادة، ومن هنا كانت النتيجة المؤلمة: »أن ازداد اللصوص غني وثراء، وازداد - علي الشاطئ الآخر - الشعب فقراً علي فقر« وزات هوة الكراهية من جانب الشعب صوب هؤلاء.. وتراكمت داخل الإنسان المصري عوامل الازدراء لهؤلاء ولعنهم في صمت تارة وعلانية تارة أخري.. فكانت تلك المظاهرات من حين إلي حين.. ولكن »ليس هناك من يجيب داعي الداعي« فكانت القاعدة »أن المصائب يجمعن المصابين« وانضمت إلي عناصر الكراهية ضد لصوص المدينة يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام.. وكانت قاصمة الظهور، ما قام به »عزهم« أي »رجل الحديد والصلب« وتولي قيادة عملية »أكبر تزييف لإرادة الأمة« وقام علانية وبشكل فاضح بتزوير وتزييف انتخابات مجلس الشعب وكانت النتيجة - تلك التي لعنتها الأمة قاطبة وكانت - لعمري أحد الأسباب الرئيسية التي عجلت بثورة الإنسان فكانت وقود ثورة شباب مصر الأبطال في يوم موعود ومكان مشهود »25 يناير 2011 بميدان التحرير«. وأعلن كبيرهم الذي علمهم السحر تنحيه عن الحكم وبدأت أشعة النور تعم البلاد وبدأت مصر تتنفس نسيم الحرية الحقة بحق نضال وثورة الشبان.. وبدأت التحقيقات مع »عصابة اللصوص« واحداً بعد الآخر.. وامتلأت الزنازين وغرف السجون وهي اليوم تقول: »هل من مزيد؟«. والشعب - الآن - في شوق إلي رؤية محاكمة هؤلاء الذين سرقوا مصر كلها، وكلمة القضاء ستكون لا ريب في ذلك درساً قاسياً قوياً ضد كل من تسول له نفسه أن يخون وطنه ويسرق غرسه وثمره، وسوف يعض كل منهم بنانه.. ويقول: يا ليتني.. كنت.. كنت.. حيث لا ينفع الندم. وهذا لعمري جزاء من يخون الأوطان في ماله ومآله. وإلي لقاء تحت »ظل عدالة.. قدسية الأحكام والميزان«.