مع اقتراب شهر رمضان الكريم ينتظر ملايين المشاهدين فى مصر والشرق الأوسط الوجبة الدسمة من الدراما التليفزيونية المعتادة التى يتنافس فيها عدد كبير من النجوم على الفوز بأكبر عدد من المتابعين. لكن للأسف فى كل عام تنزلق أغلب هذه الأعمال إلى مشاهد كثيرة للتدخين وتعاطى المخدرات والخمور بلا مبرر درامى مقنع ودون مراعاة لحرمة الشهر الكريم، وبالمخالفة لاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ. هذه المشاهد وإن كانت صادمة للمشاهدين فى هذا الشهر فإنها تمثل أيضًا خطرًا على الأطفال والشباب الذين يتأثرون سلبًا بهذه النماذج التى تقدم فى قالب درامى ويحاولون تقليد نجومهم المفضلين فى تدخين السجائر أو تعاطى المخدرات، فعندما يشاهد الأطفال والشباب هذه الأعمال على شاشة التليفزيون يتسرب إليه بشكل غير مباشر أن التدخين سلوك عادى. ويغيب عن صناع الدراما فى أغلب الأعمال عمل التوازن المطلوب والتناول الرشيد لمشكلة التدخين، فلا يتسم طرح هذه المشاهد بالمواءمة بين متطلبات حرية الإبداع والضرورة الدرامية، وغالبًا ما يربط صناع الدراما ما بين التعاطى وخفة الدم من خلال مشاهد كوميدية تسهم فى ترسيخ هذه المفاهيم الخاطئة. وعلى سبيل المثال رصد صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى التابع لوزارة التضامن الاجتماعى فى رمضان العام الماضى أن أكثر مشاهد التدخين كانت بمسلسل «100 وش» بطولة آسر ياسين، ورغم أنه كان من أنجح المسلسلات جماهيريًا فإنه احتوى على مشاهد تدخين وتعاطى خمور ومخدرات وصلت إلى 5 ساعات و25 دقيقة خلال جميع الحلقات، والمؤسف أن أغلب المتابعين لهذا المسلسل كانوا من فئة الشباب والأطفال. وكشفت نتائج المرصد الإعلامى لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان من خلال تحليل 24 عملًا دراميًا عن أن المساحة الزمنية لمشاهد التدخين انخفضت إلى 4% من إجمالى المساحات الزمنية للأعمال الدرامية فى رمضان الماضى 2020 بعدما كانت 13% عام 2017 وبمتوسط 7.6% فى الثلاث سنوات السابقة فى الفترة من 2017 حتى 2019. وأشار تقرير المرصد إلى أن أبرز أنواع التدخين التى ظهرت فى دراما رمضان الماضى كانت السجائر بنسبة 60% والشيشة 38% والسيجار 18% والتدخين الإلكترونى 1% والبايب 1%، حيث قد يتضمن المشهد الواحد على أكثر من منتج. فى حين أشاد المرصد بالأعمال التى ظهرت خالية من مشاهد تعاطى المخدرات وهي: مسلسلات «قمر آخر الدنيا «و «رجالة البيتط، «فرصة ثانية»، «ولاد إمبابة» وكذلك الأعمال الخالية من مشاهد التدخين والتعاطى معًا وهى «الاختيار» و«حب عمري». وفى رمضان قبل الماضى أشاد صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بأحمد السقا، وقال رغم أن «السقا» جسد شخصية تاجر المخدرات فى مسلسل «ولد الغلابة»، فإنه لم يمسك بسيجارة واحدة طوال الحلقات، كما أشاد أيضًا بالفنان ياسر جلال فى مسلسل «لمس أكتاف» وبمسلسل «قابيل» بطولة محمد ممدوح وأمينة خليل، كما تمت الإشادة بمسلسل «بدل الحدوتة ثلاثة» لدنيا سمير غانم. وتمثل هذه النتائج التى رصدها الصندوق تراجعًا ملحوظًا واستجابة لجهود جهات عديدة تعمل على مكافحة التدخين والإدمان، منها منظمة الصحة العالمية ووزارتا الصحة والتضامن الاجتماعى والجمعية المصرية لمكافحة التدخين. ومن جانبها دعت منظمة الصحة العالمية صناع الدراما والمشاركين فيها لتحمل المسئولية المجتمعية والابتعاد عن التحريض على استهلاك التبغ بكل أنواعه، مطالبة إياهم بالتوقف الكامل عن إدراج مشاهد استعمال التبغ فى الأعمال الدرامية رغم ما هو معلوم عن تسببه فى الإصابة بسرطان الرئة، والانسداد الرئوى المزمن، الذى يتسبب فى تورم الحويصلات الهوائية فى الرئتين وتمزُّقها، والإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وطالبت المنظمة صناع الدراما بتطبيق حلول مبتكرة فى أعمالهم لحماية الناس، خاصة الأطفال والشباب من الآثار السلبية لمشاهد التدخين مثل وضع تحذيرات صحية تظهر كشريط إخبارى أثناء عرض مشاهد التبغ، وإلى تطبيق نُظُم التصنيف العمرى للمشاهدين إذا ما تضمَّن العمل الدرامى مشاهد لاستهلاك التبغ. وتَنُص المادة 13 من الاتفاقية الإطارية صراحةً على التزام كل طرف من أطراف الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، بالحظر الشامل على «الإعلان عن التبغ والترويج له» و«رعايته»، والتأكيد على أن هاتين العبارتين لا تقتصران على الأعمال التى هدفها الترويج فحَسْب، ولكنهما تشملان كذلك الأعمال التى لها، أو يحتمل أن يكون لها، تأثير على الترويج ولا يقتصر ذلك على الترويج المباشر بل يشمل أيضاً الترويج غير المباشر. وعلى هذا فإن ممارسات الدراما التليفزيونية تعتبر خرقاً صريحاً للاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ ومن ثمَّ فإن جميع أطراف الاتفاقية مطالبون بالالتزام بالتطبيق الجاد لهذه النصوص.