إن ما يجري في مالي من صراع فرنسي – أمريكي إنما هو صراع مصالح محض، ففرنسا تسعى بكل ما وسعت من جهد من أجل الحفاظ على منطقة نفوذها حتى لا تفقد سيطرتها على تلك المنطقة الحيوية الغنية بالبترول والغاز واليورانيوم، وتوجد العديد من الشركات الفرنسية العملاقة التي تعمل في منطقة الساحل الإفريقي، ففي دولة النيجر بالقرب من مالي يوجد أكبر مصدر لتوريد اليورانيوم للمفاعلات النووية الفرنسية، وبالتالي فإن فرنسا أحوج ما تكون لتأمين استدامة هذا المصدر، أما أمريكا فهدفها السيطرة على المنطقة من أجل إنشاء قاعدة (أفريكوم) العسكرية التي ظلت تسعى جاهدة لإقامتها فيها منذ العام 2007. وكانت المجموعات الإسلامية المسلحة قد سيطرت على شمال مالي وبدأت تهدد بالزحف نحو العاصمة باماكو في الجنوب، مما أثار فزع فرنسا وخوفها على مصالحها بجانب توجسها من تدخل أمريكي محتمل تحت ذريعة محاربة الإرهاب، مما دفع بفرنسا للتعجيل بدخول قواتها إلى شمال مالي والذي كان مفاجئا للجميع، حيث كان من المخطط شن هذا الهجوم بواسطة قوات اتحاد دول غرب إفريقيا بعد عدة شهور، وكان الممثل الخاص للأمم المتحدة لمنطقة الساحل) رومانو برودي(قد أكد في وقت سابق أن الخبراء متفقون على القول إن عملا عسكريا في شمال مالي لن يكون ممكنا إلا في سبتمبر من هذا العام. هناك علاقة وثيقة بين الربيع العربي وما يحدث في مالي من اضطرابات، فبجانب حقيقة استيلاء المجموعات الإسلامية السلفية التي تقاتل في شمال مالي بالسلاح الليبي، فإن المشهد العسكري العام الذي يحدث في مالي مرتبط بسيناريو سياسي حاذق من الدرجة الأولى تدور أحداثه خلف الكواليس بإعداد وإخراج أمريكي متقن، يجعل من دول الربيع العربي ودول أخرى لاعبين أساسيين يكون دورهم المحوري هو دحر التنظيمات السلفية من أجل إخراجهم تماماً من المسرح السياسي في كثير من الدول العربية وبالتالي ترك المجال لجماعة الإخوان المسلمين لتسيطر هي على مقاليد إدارة المنطقة برمتها، فأميركا ربما تحاول أن تستفيد من الوضع المتأزم في مالي بهدف التأثير على كافة دول الربيع العربي – الحالية والمستقبلية - تحقيقاً للهدف الاستراتيجي الأمريكي الجديد الرامي لتجميع واحتواء واستقطاب كل المجموعات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط وتغيير مساراتها وأيديولوجيتها تحت عباءة الوسطية والاعتدال بما يخدم المصالح السياسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط. وقد طالبت تنظيمات سلفية كالسلفية الجهادية وحزب النور السلفي وأحزاب سلفية أخرى الدكتور محمد مرسي، رئيس جمهورية مصر العربية، بالتدخل لوقف الهجوم الفرنسي على الإسلاميين في دولة مالي وانتهاك سيادة الدولة هناك حتى لا تلقى مالي مصير العراق - حسب وصفهم، وذلك خلال المسيرة الاحتجاجية التي نظمها عدد من القوى الإسلامية أمام السفارة الفرنسية بالقاهرة هذا الأسبوع تنديداً بالهجمات الفرنسية. ربما تشهد المنطقة قريباً صراعاً سلفياً – إخوانياً حامياً، ولكن ما يحدث في مالي سوف يضعف وجود السلفيين في دول الربيع العربي وبالأخص في مصر، حيث سيكون للإخوان اليد العليا في المنطقة برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك من أجل نشر وتعميم المبادئ الوسطية وأيضاً تحت غطاء محاربة الإرهاب. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية