كتمان السر من صفات المؤمنين و قال بعض اهل العلم إذاً: هذا ينقلنا إلى قضية انتقاء الأشخاص في صفاتهم في عملية كتمان الأسرار، يقول الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدُّنيا والدِّين؛ وهو كتابٌ عظيمٌ: "اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النَّجاح وأدوم لأحوال الصَّلاح، وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلمأنَّه قال: استعينوا على الحاجات بالكتمان فإنَّ كُلَّ ذي نعمةٍ محسودٌ[رواه الطبراني16609، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة1453]. وقال علي بن أبي طالب : سرُّك أسيرك فإن تكلَّمت به صرت أسيره، وقال بعض الأدباء: من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، وقال بعض الفصحاء: ما لم تغيِّبه الأضالع فهو مكشوفٌ ضائعٌ، وكم من إظهار سرٍّ أراق دم صاحبه، ومنع من نيل مطالبه، ولو كتمه كان من سطوته آمناً، وفي عواقبه سالماً ولنجاح حوائجه راجياً" قال: "وإظهار الرَّجل سرَّ غيره أقبح من إظهار سرَّ نفسه" فإذا كان عندك سرٌّ خاصٌّ بك لو أفشيته لغيرك أهون من أن تفشي سرَّ غيرك الذي استودعك إيَّاه "لأنَّه يبوء بإحدى وصمتين: الخيانةُ إن كان مؤتمناً، أو النَّميمة إن كان مستودعاً، فأمَّا الضَّرر فرُبَّما استويا فيه وتفاضلا، وكلاهما مذموم وفيهما ملام، وفي الاسترسال بإبداء السِّرِّ دلائلٌ على ثلاث أحوال مذمومة" لو شخص عنده سرٌّ في قضيةٍ خاصَّة وما استطاع أن يكتمها فأفشاها فهذا يدلُّ على أمور: "أولاً: ضيق الصَّدر وقلة الصَّبر حتى إنَّه لم يتسع لسِّرٍّ ولم يقدر على صبر" وقلنا: إن ارتباط كتمان السِّرِّ بالصَّبر ارتباطٌ وثيق؛ فإنَّ كتمان السِّرِّ هو نوعٌ من أنواع الصَّبر فبعض الناس إذا كان عنده سرٌّ فلا يرتاح حتى يفشيه، فلا بُدَّ أن يقول لأحدهم، فلمَّا قالها صار أسيراً لهذا الشَّخص الذي قالها له، فإذا أفشى سرَّ نفسه لغيره؛ دلَّ ذلك على ضيق صدره وقلة صبره "كما قال الشَّاعر: إذا المرء أفشى سرَّه بلسانه ولام عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سرِّ نفسه فصدر الذي يستودع السِّرَّ أضيق