تحت عنوان "لماذا تطارد الأشباح الأفغانية التدخل الفرنسى فى مالي" ، نشرت مجلة "تايم" الأمريكية مقالا حول التدخل العسكرى فى مالى . وقالت المجلة إن أى دولة غربية تفكر فى إرسال قواتها خارج الحدود للحرب فى بلد مسلم ، فإن هناك مقارنات لا مفر منها يجب أن تفكر فيها تلك الدولة ، وعلى رأسها الوضع فى أفغانستان ، وخصوصا إذا كان البلد الذى سيتم التدخل فيه عسكريا ، به تنظيم القاعدة . مقارنة غير مريحة وأشارت المجلة إلى أن المقارنة قد تكون غير مريحة ولا سيما بالنسبة للبعثة الفرنسية في مالي. وأضافت أن المسئولين الفرنسين هم الذين رسموا في البداية الخط لأنفسهم، عندما أكدوا أن الحملة الجوية ونشر القوات البرية ، والتي بدأت الأسبوع الماضي، تهدف لمنع "القاعدة" من تحويل بلد مثل مالى التى تزيد مساحتها بمقدار مرتين عن مساحة فرنسا ، إلى أفغانستان جديدة في غرب أفريقيا. فقد كانت أفغانستان فى تسعينات القرن الماضى ملاذا للجهاديين وأرض خصبة لتخريج هؤلاء الذيت أثاروا الرعب فى العواصمالغربية البعيدة . لكن باريس سعت مسرعة لازالة اى رابط ذهنى فى عقول الفرنسيين ، بين ما حدث مع قوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان وبين مهمة جنودها فى مالى. فبعد 11 عاما من الحرب فى افغانستان ضمن قوات حلف "الناتو" ، سحبت فرنسا آخر جنودها في نوفمبر الماضي ، بعد ان فقدت الثقة فى امكانية خروج منظم صمن قوات الحلف هناك . كيفية الخروج والمشكلة التي تواجه باريس الآن هو أن بعض الافتراضات حول استراتيجية الخروج من مالي قد تكون مفتوحة للتساؤلات ، مقارنة بالكيفية التى وضعت الولاياتالمتحدة نفسها فيها فيما يخص استراتيجية الخروج من أفغانستان. وأكدت المجلة أن القلق الأكبر بالنسبة لفرنسا ، ليس فى الدخول فى الحرب ومشاركة القوات النظامية فى مالى فى قتال المتمردين فى الشمال ، ولكن المشكلة تكمن فى بقاء القوات الفرنسية من عدمه فى مالى بعد إنتهاء مهمتها ، ومدى قدرة الجيش النظامى الحكومى فى مالى على السيطرة على الأمور بعد خروج الفرنسيين . وأشارت المجلة إلى أنه قبل بضعة أشهر تمكنت قوات المتمردين من طرد الجيش المالى من الشمال بسهولة ويسر ، ودون أدنى مقاومة.
الجيش المحلى ضعيف ونقلت المجلة عن المؤرخ "جريجوري مان" فى جامعة كولومبيا قوله : "إن القوات الحكومية استسلمت وكأنها كانت فى حالة سكر ، فقد سقطت مدن "تمبكتو" و"جاو" و" كيدال " في عطلة نهاية الأسبوع، وانهار الجيش. ومنذ ذلك الحين تهاوات قوة الجيش تماما ، وهو ما يطرح التساؤل " هل الجيش المالى قادر على حماية البلاد التى فقد السيطرة عليها بسهولة بعد خروج الفرنسيين ، أم أن الامر سيتطلب بقاء الفرنسين فى هذا البلد لفترة غير محددة ؟" . وقالت المجلة إن ما دفع الفرنسيين للتدخل العسكرى ، هو معرفتهم بأن الجيش المالى غير قادر على صد أى هجوم آخر أو تحرير الاراضى التى فقد السيطرة عليها من المتمردين . وأوضحت المجلة أنه إذا قام الاسلاميون الذين يسيطرون على نصف البلاد بالفعل في الشمال، باجتياح الجنوب، فأن ذلك سيعقد من مهمة وخطة الأممالمتحدة لإيفاد قوة من تكتل "غرب أفريقيا " لاستعادة الشمال بحلول نهاية عام 2013 "، ولذلك عدل الرئيس الفرنسى "هولاند" من خططه الأولية التى كانت تقوم على في البداية لى دعم " قوة غرب أفريقيا" عن طريق ما يسمى ب "القيادة من الخلف" ، والتى تتضمن " توفير التدريب والاستخبارات والدعم اللوجستي، والقوات الخاصة للمساعدة في تحرير الجزء الشمالي من مالي بحلول الصيف المقبل"، لتصبح الخطة البديلة التدخل العسكرى المباشر فى العمليات ، وذلك تخوفا من فشل قوات غرب افريقيا فى تحرير الشمال او الدفاع عن الجنوب ووقوع معظم أراضى مالي في أيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة.
خطر قريب من أوروبا وأوضحت المجلة أن فرنسا تخشى رؤية منطقة الساحل بأكملها ، منطقة رمادية أخرى يزدهر ويترعرع فيها الإرهابيون ، على غرار أفغانستان أو الصومال، والأخطر فى هذه الحالة أن مالى تبعد فقط بضعة آلاف من الكيلومترات عن أوروبا". ومع ذلك، وعدت الحكومة الفرنسية شعبها بحرب قصيرة . وقال وزير الخارجية "لوران فابيوس" في نهاية الأسبوع الماضي: "ان التدخل سيستمر بضعة أسابيع فقط" ، على الرغم من أن مسؤول آخر لم يذكر اسمه قال لصحيفة "فاينانشال تايمز" اتلبريطانية:" أن العملية قد تستغرق عشرات الأسابيع." حرب طويلة وقالت المجلة إنه بعد ثلاثة أيام من التراجع من قبل الطائرات المقاتلة الفرنسية التى فشلت في وقف المتمردين من الاستيلاء على بلدة "ديابالى" لرئيسية التى تبعد 250 ميلا شمالى العاصمة باماكو يوم الاثنين، أصبح من الواضح أن وصول القوة الجوية الغربية ليس هو الحل لصد وتشتيت المتمردين ، وأن الحرب الفرنسية في مالي قد لا تكون قصيرة كما كان يفضل القادة السياسيون، فهناك حدود لمدى ما يمكن إنجازه من الجو عبر التضاريس الصحراوية الشاسعة، خصوصا عندما يندس المتمردون وسط السكان المدنيين ، وفى الوقت الراهن يوجد لدى فرنسا حاليا قوات برية تصل إلى 1700 في مالي، وتخطط لرفع انتشارها إلى 2،500 – أى ما يقرب من من أكبر عدد لقوات فرنسية تم ايفادها للخارج في أفغانستان.
أحلام هولاند
ويوم الثلاثاء، قال الرئيس "فرانسوا هولاند"، إن الهدف من العملية هو "ضمان أنه عندما نغادر، وفي نهاية تدخلنا ، تكون مالي آمنة، والسلطات الشرعية قائمة، والعملية الانتخابية جاهزة ، ولا يوجد إرهابيون يهددون أراضيها " ، وهذا جدول أعمال طموح نظرا للظروف السائدة في مالي وجوارها. وفى ظل هذا الوضع فأن هناك تساؤل عن قدرة تلك القوة الفرنسية على القيام بالمهمة بمفردها ، وما اذا كانت هناك نية أو أمل قرنسى لتدخل امريكى بريطانى. وعلى الرغم من أن بريطانيا والولاياتالمتحدة عرضت الدعم اللوجستي والاستخباراتي، إلا أنهما لا تشاركان فى الاعمال القتالية حاليا ، الأمر الذي يضع فرنسا في موقف لا يختلف عن الوضع الحالي للولايات المتحدة في أفغانستان. وأكدت المجلة أن هناك شكوكا قوية حول قدرة القوات الفرنسية على تحقيق نجاح ، خصوصا ان الحرب فى تلك الصحراء الشاسعة تقوم على الكر والفر ، وهو ما يتطلب الاعتماد بشكا اساسى على قوات غرب افريقيا المكونة من البدان المجاورة مثل نيجيريا ، وان كانت تلك القوات ، رغم معرفتها بالتضاريس ، إلا أنها لا تمتلك الإمكانيات الكافية للقتال. وختمت المجلة بأن إذا كان الرئيس الفرنسى "هولاند" يتوقع النجاح في القضاء على تهديد تنظيم القاعدة فى مالي واقامة عملية انتخابية وتشكيل حكومة شرعية ببساطة ، فعليه مراجعة نفسه مرة أخرى. فالنظام الحالي فى مالى جاء عن طريق انقلاب عسكري العام الماضي عندما قام ضباط الجيش من المستوى المتوسط – الذين تدربوا على يد الجيش الأمريكي – بالاستيلاء على السلطة من الحكومة المدنية، وفي الاضطرابات التي أعقبت ذلك، انشقت على الأقل وحدة كاملة من القوات الحكومية فى مالي وانضمت، مع أسلحتها ومعداتها ، إلى جانب المتمردين. وحتى الآن، هناك اضطرابات سياسية كبيرة وانقسامات بين المعسكرات السياسية المتناحرة في العاصمة، في حين تستمر الشكوك بين بعض الأوساط حول جدول الأعمال السياسي للقيادة العسكرية، وأيضا على مدى النوايا الحميدة من بعض دول الجوار. الغرق فى المستنقع وأكدت المجلة أن السيناريو الأسوأ هو أن تغرق فرنسا فى مستنقع مالى كما غرقت امريكا فى مستنقع افغانستان ، والأخطر أن تضطر فرنسا بعد فترة قصيرة من الوقت للانسحاب من تلك الورطة وترك الساحة فارغة وهو ما سيزيد المأساة ويشعل الأزمة.