التصالح والتسهيل لا يعنى التفريط فى مقدرات الوطنى، والدول فى العالم شرقا وغربا اعتبرت أن ضريبة الدفاع عن الوطن الملزمة لكل فرد بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية تعتبر حقًا على المواطن لابد من أدائه للوطن، والتهرب من أداء هذه الخدمة الإلزامية مادام الفرد لائقًا من الناحية الصحية والعقلية لأدائها يعتبر جريمة تفقد المتهرب الشرف والاعتبار، وقد عرفت مصر التجنيد الإجبارى للخدمة العسكرية منذ أن أصبح لمصر جيش، وأصبح حلول مواعيد التجنيد التي تنشرها الصحف ووسائل الإعلام ملزمة للأفراد بمجرد نشرها العلنى، وعلى الفرد متى انطبقت عليه الشروط أن يبادر بتقديم نفسه لإدارة التجنيد التابع لها فى المواعيد المقررة، ولا يبقى أمام هذا الفرد إلا الدخول فى الخدمة أو تأجيلها لأسباب تحددها إدارات التجنيد سلفًا لظروف اجتماعية، أو مقتضيات تراها الجهة المعنية الوحيدة وهى القوات المسلحة، ولم تكن هناك الأسباب التي تدعو لإعفاء مواطن من أداء هذه الخدمة غير الأسباب التى تراها وتحددها القوات المسلحة، وقد تعدلت بعض القوانين التى سمحت برفع العقوبات عن الذين انقضت مواعيد تقدمهم لأداء الخدمة العسكرية، ومر على انقضاء هذه المواعيد فترة زمنية وصلت بعمر المطلوب لأداء الخدمة ثلاثين عامًا، وأصبح ممكنًا أن يحكم على المطلوب بغرامة مالية إذا ما قدم المطلوب عذرًا مقبولاً أمام المحكمة العسكرية التى تحقق فى أسباب عدم تقدمه للتجنيد ومدى جدية أن تكون هذه الأسباب قهرية من عدمه، وهذه وغيرها أمور تقدرها المحكمة العسكرية وترى فيها ما ترى. لكن ما يبقى أن التخلف عن أداء هذه الخدمة الوطنية المقدسة خاصة إذا كان هناك عمد وراء هذا التخلف يفقد المتخلف اعتباره، فكيف بنا اليوم ونحن أمام اقتراحات بأن يتاح لمن تخلف عن أداء هذه الخدمة بعد دفع الغرامة المقررة قانونًا أن يرشح نفسه للمجالس النيابية ويقبل ترشيحه!، ونحن نعرف أن هناك أجيالا قد دفعت ثمنًا باهظًا من الأرواح والدماء والعاهات عبر حروب متتالية خاضتها مصر بشباب كان وفيًا لخدمة الوطن خدمة عسكرية إلزامية!، وجاء وقت على شبابنا وقد قضى بعضهم ما تجاوز مدة التجنيد المقررة لسنوات عديدة، وبما يعنى أن ما فاته من الانجاز فى حياته العملية الكثير، ثم يأتى علينا اليوم الذى نتسامح فيه مع من تخلف عن هذه الخدمة الوطنية المقدسة حقق لنفسه خلال مدة التخلف ما لم يتح لغيره من الذين أدوا الخدمة، ثم نسمح له أن يكون مرشحًا فى انتخابات المجالس النيابية، وقد يصبح بعد ذلك نائبًا عن الشعب فى دائرته ليدافع عن مصالح المواطنين، وهو الذى لم يحرص علي التساوى والمساواة بينه وبين أبناء الشعب فى خدمة وطنية مقدسة هى الدفاع عن الوطن، وإذا كنت قد وجدت بعضاً من الصواب فيما رأته الدولة فى التصالح مع الذين نهبوا أموال مصر مقابل أن يردوا ما أخذوا لإسقاط الدعوى الجنائية عنهم، وربط التصالح مع هؤلاء بثبوت أنهم لم تتلطخ أيديهم بدماء أبرياء من الثوار والمتظاهرين، فهذا ربما اضطرت إليه الدولة لعجزها عن استرداد الأموال المنهوبة خاصة ما أصبح منها خارج مصر! ولكن التسامح مع المتخلفين عن التجنيد بالسماح بترشحهم للمجالس النيابية فضلا عن أنه يتصادم مع أحكام ومبادئ دستورية وقضائية هو إغراء دافع لآخرين كى يمكنهم التهرب من التجنيد والاعفاء عنهم بغرامة مقررة!، ثم يصبح هؤلاء نوابا عن الشعب، ونصبح بذلك بدعة فى العالم!.