في حي السيدة زينب العريق، ولدت وتربيت وعشت، في بيت من بيوتها القديمة المتلاصقة، كأنها تسند بعضها البعض، البيت كان قريبا من مسجد صغير، بناه الفنان الراحل الجميل محمد الكحلاوي. وعند كل فجر كان مؤذن المسجد وهو شيخ عجوز، يصعد إلي أعلي مئذنة المسجد، ليؤذن لصلاة الفجر بصوت نحيل مرتعش، لكنه كان يرسل بهذا الصوت روحا من الخشوع والمهابة، يسري في النفوس ولا يصدم آذان الناس! مشهد جميل من طفولتي أتحسر عليه وأفتقده من كل قلبي، وقد زودت المساجد الصغيرة والزوايا المنتشرة في كل أنحاء مصر، بميكروفونات مزعجة. يؤذن فيها للصلاة خمس مرات كل يوم، وبأعلي صوت ناس لا أعرف من أين جاءوا، أصواتهم خشنة وقبيحة ومنفرة، فيختلط أكثر من أذان في وقت واحد فلا تفهم شيئا ولا تشعر بشيء، سوي الانزعاج والاستنكار، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يهفو قلبك للقاء الله في الصلاة! كانت القاهرة بألف مئذنة فأصبحت بمليون ميكروفون مزعج، لا خشوع ولا روحانية، بل أصوات منفرة صارخة زاعقة، كأنها تهدد الناس بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن لم يسرعوا للصلاة خلف ذلك الإمام، الذي لا علاقة له بصوت الإسلام الجميل. كان النبي محمد صلي الله عليه وسلم يحب أن يكون في صوت المؤذن حلاوة وطلاوة ويطلب من سيدنا بلال رضي الله عنه، والمعروف بحلاوة صوته أن يصعد إلي المنبر ليؤذن للصلاة، لمسلمين أفضل مني ومنك! كل هذا الصخب الديني في الحقيقة لا علاقة به بالإسلام في شيء، فالصوت المرتفع لا يصل إلا لنصف عقل ونصف قلب وأهل مصر يعرفون أن صاحب الصوت المرتفع إما كاذب ومدعٍ أو جاهل يغطي جهله بارتفاع صوته! وجرأة هؤلاء الزاعقين بلسان الدين، لا يؤمنها سوي أننا أصبحنا نعيش في زمن الإخوان المسلمين وإن كل هذه المآذن الصغيرة المدمجة بالميكروفونات المزعجة، هي في حقيقتها أسلحة سيطرة وليست أبدا دعوة جميلة لكي يقابل كل مسلم ربه خمس مرات في اليوم. سمعنا زمان عبارة تقول: كم من الجرائم ترتكب باسم الحب! واليوم نقول: كم من الجرائم ترتكب باسم الإسلام! ربنا انصر الحق.. انصرنا.. عليهم!