لا أعرف لماذا هذا القلق.. كأننى أكتب مقالاً للمرة الأولى فى حياتى رغم أننى أكتب مقالاً فى «الوفد»، منذ اليوم الأول لصدورها فى مارس 1984، حقيقة تأرجح مكان نشر المقال من صفحة إلى أخرى.. عندما صدرت الوفد اليومية عام 1987.. من الصفحة الخامسة.. ثم إلى الصفحة الثالثة.. إلى أن استقر لسنوات عديدة فى رأس الصفحة الأخيرة.. بعد أن أصبحت رئيساً لتحرير «الوفد» وكنت مرات عديدة أكتب مقالين أحدهما سياسى فى الصفحة الأولى وثانيهما اجتماعى اقتصادى على الصفحة الأخيرة.. بل وأحياناً عديدة كنت وأنا مدير للتحرير أكتب مقالين أولهما بعنوان «رأى الوفد» وكان ينشر على يمين الصفحة الأولى.. وثانيهما مقالى «هموم مصرية» على الصفحة الثالثة. وعن مقالى «هموم مصرية» منحنى أستاذى مصطفى أمين جائزته الكبرى عام 1990 عن هذه المقالات التى رآها أفضل مقال اجتماعى إنسانى فى الصحافة المصرية.. ورغم أننى أكتب «هموم مصرية» منذ العدد الأول من الوفد اليومية فى 9 مارس 1987 فإننى لم أحدد المكان الذى ينشر فيه المقال.. وان كان كل الكتاب كانوا يحلمون بأن ينشر مقالهم على الصفحة الأخيرة،. فهى الصفحة الأكثر قراءة فى كل صحف مصر.. ولذلك لها قصة.. إذ عندما قرر الأخوان مصطفى وعلى أمين إصدار صحيفة الأخبار اليومية فى يونيو 1952 اقترح على أمين وكان هو صاحب أول ماكيت لهذه الصحيفة أن يكتب كبار كُتاب دار أخبار اليوم بالتناوب مقالاً على الصفحة الأخيرة.. ولكن كلهم رفضوا أن ينشر مقالهم فى هذه الصفحة، التى جرى العرف أن تنشر فيها بواقى أخبار الصفحة الأولى.. وكذلك إعلانات الوفيات.. والإعلانات القضائية فكيف ينشرون مقالاتهم وسط هذه البواقى.. رفض ذلك محمد زكى عبدالقادر، ومحمد التابعى، وكامل الشناوى، وأحمد الصاوى محمد، وعباس العقاد.. وفى اللحظات الأخيرة وكادت المطبعة تدور، وجد على أمين نفسه «مضطراً» لأن يجلس ويكتب هو المقال المطلوب، وفى هذه اللحظة ولدت فكرة مقال «فكرة» الذى أصبح علامة من أهم علامات الصحافة المصرية.. واستمر على أمين يكتب مقال «فكرة» لسنوات عديدة ولم يتوقف إلا فترة نفى على أمين خارج مصر.. وبعد أن رحل عن عالمنا تولى توأمه مصطفى أمين كتابة المقال فى نفس المكان.. وأصبح كل كتاب مصر يحلمون بأن تنشر مقالاتهم.. فى نفس الصفحة.. وأول أمس أخبرنى زملائى وأبنائى فى «الوفد» بأن مقالى يجب أن يعود إلى نفس موقعه السابق على الصفحة الأخيرة.. وقد كان، وها أنا أعود إلى مكانى فى هذه الصفحة.. لأواصل من خلاله كشف خبايا الحياة فى مصر، فى السياسة والاقتصاد.. فى القانون والدستور.. والأهم فى حياتنا الاجتماعية.. وإذا كنت أشكر زملائى وأبنائى الأعزاء فى الوفد.. فإن الشكر الأكبر هو لك.. أيها القارئ، العزيز.. الذى نكتب له.. لنعبر عن مشاكله.. ونحلم معاً بمصر جديدة.. مصر عظيمة. فإلى الغد.. إن شاء الله.