ما أشبه الليلة بالبارحة.. فالذين طبلوا لثورة يوليو ومن أيامها الأولى هم تماماً الذين طبلوا لثورة يناير.. وليس هناك أي فرق.. فالكل يصف ما سبق ثورة يوليو بأنه النظام البائد.. هم الذين يقولون ذلك الآن، وإن أضافوا أوصافاً أخرى مثل الفلول.. وتماماً كما تسابق إعلاميو ثورة يوليو فى تدبيج المقالات وإصدار الكتب تمجيداً للثوار.. ها هم إعلاميو النظام الجديد يكررون نفس الأسلوب القديم.. فقد تسابق إعلاميو ومثقفو يوليو فى إصدار الكتب عن سوءات النظام الملكى. ها هو أحمد بهاء الدين يصدر أول هذه الكتب بعنوان «فاروق ملكاً».. وعلى أمين الذى أصدر كتاب «هكذا كانت تحكم مصر» والكاتب الشعبى زكريا الحجاوى يصدر كتابه «ملك ضد شعب» وهكذا ومن الأيام الأولى لثورة يوليو.. كما تسابق الكثير من صحفيى مصر فى الترحيب بالثورة الجديدة فى يوليو 1952.. يفعل رجال الإعلام الآن.. بل كان إحسان عبدالقدوس أول من طالب الحكام الجدد بتأميم الصحف فكان جزاؤه الاعتقال. وكان أول الصحفيين وأشهرهم الذين دخلوا سجون الثوار الجدد.. ليس أن خليفة عبدالناصر ألقى القبض على ابن صديقه إحسان عبدالقدوس.. فدخل ابنه محمد سجن السادات بعد ذلك.. وها هو مصطفى أمين الذى قاد صحفيى مصر ترويجاً لثورة يوليو وسخر كل صحفه: أخبار اليوم والأخبار وآخر ساعة للتبشير بالنظام الجديد.. فكان مصيره السجن فى سجون النظام الجديد أيام عبدالناصر.. وقبل توأمه على أمين النفى طواعية فى بريطانيا ولبنان. ورغم الزفة الإعلامية التى صنعها إعلاميو مصر أيام ثورة يوليو فإن الثورة عاقبتهم جميعاً وتمت عملية مصادرة كل صحفهم: أخبار اليوم والأهرام وروزاليوسف ودار الهلال.. أما «الجمهورية» فقد كان ترخيص إصدارها باسم جمال عبدالناصر شخصياً. وتحول كل الصحفيين إلى موظفين وعاملهم النظام كما يعامل عمال شركة باتا.. واسألوا عواجيز الصحافة وشيوخ المهنة!! ومن يقرأ صحف مصر ومن الأيام الأولى لثورة يوليو سيجد نفسه كمن يقرأ صحف هذه الأيام، كانت كلها تتحدث عن فساد النظام الملكى البائد ووزراء ورجال العهد السابق رغم أن فيه رجالاً عظاماً خدموا الوطن أحسن من كل.. الثوار أنفسهم.. وللحقيقة فإن كل هؤلاء القدامى عادوا إلى صوابهم بعد أن عرفوا الحقيقة كاملة.. بل إن أحدهم كتب يقول كثيراً تحت عنوان «فساد زمان.. ولا فساد هذا الزمان».. وقال أحدهم لقد طردنا ملكاً واحداً ولكننا أتينا بأحد عشر ملكاً كناية عن عدد أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو الذين ورثوا الحكم ومزايا الحكم.. ونهبوا مصر، أكثر مما نهبها ملوك مصر السابقون وكونوا الثروات فصاروا وأولادهم الآن أغنى من كل وزراء زمان ورجال الأعمال زمان. الآن نجد كثيراً من الإعلاميين ينهجون نفس المنهج ويسيرون فى نفس الطريق.. ولكن طمعاً فى عطايا النظام الجديد وفى مناصبه وعضوية لجانه وحوافزها وبدل حضور جلساتها.. والمؤلم أن كثيراً من هؤلاء كان فى مقدمة الطبالين والزمارين للنظام البائد السابق.. ومنهم من ظل يدافع عن هذا النظام القديم حتى فى الأيام الأولى لثورة يناير نفسها.. ثم فجأة نجد أكثرهم الآن «يتحول» ومنهم من أطال لحيته ولو لم يملكوا شعراً على ذقونهم!! ومنهم من يدعى الآن أنه كان معارضاً «ولو من وراء ستار» وهم كاذبون!! بينما نحن فى جريدة الوفد كنا أصلب المعارضين للنظام القديم.. وعندكم جميعاً مجلدات وصفحات جريدة الوفد منذ صدر عددها الأسبوعى الأول عام 1984م.. ثم مجلدات وصفحات الوفد اليومية، منذ صدرت يوم «9 مارس 1987».. واقرأوا ما كنا نكتبه أو ننشره على صفحات الصحيفتين..بينما كان كل هؤلاء.. حتى الذين يحكمون مصر الآن يختفون وراء الجدران ولم يكن أحد منهم يجرؤ على أن يطلق لحيته أو يجاهز بعضويته فى هذا التنظيم أو ذاك.. ممن يدعون البطولة الآن!!. ونشأت جماعات صنع النجوم. وصدرت العديد من الصحف.. وتعددت القنوات الفضائية التى تبث هذا وذاك، والكل يدعم الكل.. لأن هدفهم هو «اكبش.. واجرى» وكم نرى الآن من أجور ومزايا العاملين فى الإعلام الحالى حيث نسمع عن رواتب بمئات الألوف.. بل وتحسب بالملايين فى هذه الصحيفة أو هذه القناة، ومنهم من اتخذ من الصحيفة سلماً للصعود ثم للقفز منها على الفضائيات.. وكله يدعم كله.. بل الكل يلمع الكل.. وشيلنى.. وأشيلك.. فليس أفضل الآن من عائدات ومكاسب النظام الجديد الذى يبحث عن مؤيدين وعن طبالين وزمارين، وما أكثرهم الآن فى الإعلام المصرى صحافة وتليفزيوناً وبرامج حوارية كلها لتلميع النظام الجديد.. والتنديد بالنظام القديم البائد.. نظام الفلول. إن أخطر ما نعيشه الآن هؤلاء المتحولون فى الإعلام المصرى ولكننا نذكرهم بمصير الأستاذ إحسان عبدالقدوس ومصير الأستاذ مصطفى أمين اللذين دخلا سجون «الثوار» فعرفا الحقيقة.. وعادا يكشفان حقيقة الثوار.. ولكن بعد فوات الأوان. ولن يكونوا بأفضل من إحسان ومصطفى أمين وأحمد بهاء الدين الذى هرب بقلمه وأدبه إلى الكويت.. حتى وإن حصل الإعلاميون المتحولون الجدد.. على كنز قارون.